علي عبد الحسن مهدي
ترددتُ كثيراً قبل أن أسألها من هي.. من تكون!
أريد أن أعرف عنها أيُّ شيء، وفي كلُّ مرة حاولتُ أن أستوقفها، لكنّ الخوف كان أكبر منّي. وفجأة تغيّر كلّ شيء ووقفتُ في دربها وجهاً لوجه، وقلتُ لها :
* من انت؟
* أجابتني: عمّا تسأل؟
* قلتُ لها مرةً ثانية: أنت من تكونين؟
* قالت لي وبإبتسامة مجنونة: أنا لستُ أنا.
* إذاً مَن؟
* قالت: لا أعلم، كلُ ما أعرفه أنّي أنا لستُ أنا.
وضحكت بأعلى صوتها.
فجأة ملأ الدمعُ عينيها وتبع هذا الدمع بكاءً، ثمّ صمتت.
أخذتني الحيرة، وتعلّقتُ بها أكثر ولم أنفك أسألها... وبرعشة خوفٍ أصبحتُ أخاف من جنونها: ما الذي يضحكك؟
وما الذي يبكيكِ؟
بربك قولي لي مًن تكونين، مَن تكونين؟..
وللمرة الألف عدتُ وكررت هذا، ثمّ ضحكت وبأعلى صوتها ضحكة لم أعتد أن سمعتها من أحد، وكأنها صدى صوتٍ آتٍ من الزمن، من الماضي السحيق.
* أتريد أن تعرف من أنا؟.
* قلت: أجل.
وبفرحة ما بعدها فرحة، علّني أصل الى هذا اللغز. قالت انا هو: قلتُ لها : من يكون هذا الهو؟
* قالت: لم يَحُن الوقت بعد كي تعرف.
وتعلّقتُ بها أكثر فأكثر. وهنا كَبُرَ اللغز وضعت في دهاليز سرّها المظلم.
ونظرَت لي وكأنّ في وجهها ألفُ عينٍ، وفي كلُ عينٍ ألفُ دمعة حزنٍ. وبصوتٍ مرتعشٍ: هل لي أن أنصرف؟
* قلتُ لها: الى أين؟
* قالت لا تخَف، سوف أراك غداً.
وأُصبتُ بشيء من جنونها صارخاً وبأعلى صوتي: لا لن تذهبي، لن تذهبي، سوف تَبقين معي، لن أتركك تنصرفين في هذا الوقت المتأخّر، فالليل في منتصفه والطّريق غير آمن، الا تخشينَ الظلام، ألا تخافينَ من الموت؟
ومرة ثانية عادت الى جنونها وبصوتٍ مرتجف قالت لي: أنتَ مَن؟.
لكن هذه المرة كانت جادّة في الرّحيل، وإبتعدَت عنّي دون أن تلتفت لي.
وفي وسط هذه العتمة السوداء إختفت ورحلت ورحل معها ذاك اللغز العميق.
تعليقات: