بيروت:
لا زيمبابوي ولا نيكاراغوا، هي الأسوأ في العالم بالنسبة لخدمة الإنترنت، بل هو لبنان الذي جاء في المرتبة 186 من بين 186 دولة، أي في المرتبة الأخيرة على لائحة الدول التي أجريت عليها دراسات لمعرفة مدى تطور هذه الخدمة فيها. وهو ما شكل مفاجأة مفجعة للبنانيين الذين يعرفون أنهم في آخر السلم، لكنهم ربما كانوا لا يزالون يتصورون أن ثمة من يعاني أكثر منهم، حتى ثبت العكس الشهر الماضي، وظهرت هذه الدراسة الصادرة عن البنك الدولي.
وعلى الأثر أطلقت صفحة على الـ«فيس بوك»، من نحو ثلاثة أسابيع تطالب بخدمة إنترنت سريعة، انضم إليها خلال 21 يوما ما يزيد على 23 ألف متضامن. وهو ما شجع أصحاب المبادرة على التحرك على الأرض لإيجاد حل لمشكلة مزمنة، تطال ليس فقط سرعة الإنترنت وإنما أسعار الخدمة التي هي من بين الأغلى في المنطقة وكذلك نوعيتها. ومما يزيد من غضب المحتجين أن الأفق مسدود، لا بل ينذر بالأسوأ في حال لم يتحرك المسؤولون لإنقاذ الوضع الحالي.
ويعتبر أصحاب المبادرة أن توفير خدمة الإنترنت لم يعد من الكماليات، بل من «حقوق الإنسان» التي يجب على الدولة أن تكفلها تماما كما الماء والكهرباء وخدمات أخرى. وأعلن منذ أيام عن اجتماع للمتضامنين حضره خمسون شخصا يمثلون قطاعات مختلفة وفئات متنوعة من الناس، بينهم أصحاب شركات كبرى إضافة إلى طلاب في المرحلتين الثانوية والجامعية. وبين المجتمعين كان هناك أيضا مواطنون عاديون ساخطون أو عاملون بشكل مباشر في مجال تشغيل الإنترنت. ويقول مارك ضو، وهو صاحب شركة إعلانات وأحد المبادرين إلى إطلاق هذه الحملة، لـ«الشرق الأوسط» إن المجتمعين اتفقوا على التحرك باتجاه المسؤولين عن هذا القطاع في الدولة، بعد أن استطاعوا بفضل اختصاصاتهم المختلفة أن يرسموا صورة شاملة عن المعاناة التي تقع على مختلف القطاعات، ووضعوا التصورات للخروج من هذه الأزمة. ويضيف ضو «هذه مشكلة ليس لها دين ولا طائفة، ومن المفترض ألا تخضع للتجاذبات السياسية، فهي تمس الناس بمختلف فئاتهم، وتنعكس سلبا على المواطنين، وكذلك بشكل أساسي على الجانب الإنتاجي، فبدل أن يبقى الموظف ربع ساعة لتنزيل ملف يمكننا أن نوفر عليه عشر دقائق كل مرة، وهو كسب للوقت ليس بقليل».
ونشر على صفحة الـ«فيس بوك» بيان لجمع تواقيع المعترضين، شرح أهداف الحملة، وطالب بفتح باب التنافس بين الشركات الخاصة، ومنحها فرصة الاستثمار وتطوير الخدمة. ويشرح ضو أن شركته كانت تدفع 15000 دولار شهريا لتستطيع تأمين الإنترنت لنحو 50 موظفا، وانخفض السعر إلى 2700 دولار، لكن ذلك لا يزال ثمنا باهظا، علما بأن التكلفة الحقيقية بالنسبة للدولة لا تتجاوز 300 دولار، أي إن الضريبة تصل إلى 1350%. وهنا يشرح ضو «نحن لا نقول إنه لا يحق للدولة أن تجني الأرباح، لكننا نريد أن نشرح لهم أن تخفيض الأسعار سيجلب لهم المزيد من الأرباح، لأن عدد المستخدمين سيرتفع، وبالتالي نضرب عصفورين بحجر واحد، بحيث نوصل الخدمة للفقراء كما الأغنياء، دون أن نقع في التمييز الطبقي السيئ الذي نحن فيه اليوم، بحيث لا يستفيد من الإنترنت إلا القادرون على دفع تكاليفه العالية، ومن ناحية أخرى تستفيد الدولة ربما بشكل أكبر بفضل زيادة عدد المشتركين».
الاجتماعات لن تتوقف، بحسب ضو، بل بالعكس هناك موعد جديد فبل التحرك الميداني لتحديد الخطوات والإجراءات الفورية التي يمكن اتخاذها، ونوعيتها. ومع الأسف، كما يقول مارك ضو «أن لبنان هو أول دولة في المنطقة عرفت الإنترنت عام 1996، وذلك عبر شركة فتحت بمبادرة خاصة. الآن تراجع لبنان بشكل لا يمكن السكوت عليه، فقد أنشأت الدولة الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، التي يفترض أن تكون المسؤولة، وتم الترخيص لـ23 شركة تبيع خدمة الإنترنت بشكل مؤقت، بمعنى أنها لا تشعر بالأمان لتستثمر، وحاولت شركتان تركيب معدات جديدة وتمديدات لتطوير الخدمة لكنها منعت من ذلك، أي إن الدولة لا تعمل، ولا تفسح المجال للقطاع الخاص ليقوم بدوره، مما يغلق الباب على الحلول. وهذا ما نريد أن نلفت النظر إلى خطورته في تحركاتنا المقبلة. ولا أرى مصلحة لأي أحد كي نبقى في الوضع الذي نحن فيه».
23 شركة تعمل على تشغيل الإنترنت في الوقت الحالي في لبنان تقوم بتشغيل 1000 موظف، هذا معناه أن قطاع الإنترنت في حال تم الاستثمار فيه لن يجعل لبنان يتقدم على خريطة الدول التي تؤمن بالتواصل الإنترنتي الملائم فقط، لكنه سيزيد من فرص العمل بشكل كبير، ويشجع الاستثمارات التي باتت مرتبطة بشكل أساسي بقوة الشبكة العنكبوتية وقدرتها على توفير التواصل اللازم مع العالم أجمع.
والأسوأ من ذلك كله - كما يشرح ضو - أن نحو 50% من المشتركين في خدمة الإنترنت في لبنان، يصلون إليها بطرق غير شرعية وعبر أساليب ملتوية، لا تستفيد الدولة منها قرشا واحدا، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار».
تعليقات: