الأغنام والماعز ترعى على أعشاب المجاري في وادي الكفور
يعيش عدد من قطعان الأغنام والماعز، والأبقار المعروفة بـ «البلدية»، على ضفتي مجرى الصرف الصحي لمدينة النبطية ومنطقتها، الذي يتدفق في وادي الكفور، والنميرية وصولاً إلى تفاحتا بطول حوالى عشرة كيلومترات، بطريقة مكشوفة، منذ أكثر من عشرين سنة. وترعى تلك القطعان على المزروعات والأعشاب المروية بالمياه الآسنة. وتشرب منها يومياً مرات عدة، قبل أن تذبح ويباع لحمها في المدن والقرى والبلدات ويتناوله المستهلكون من دون حسيب أو رقيب، ومن دون أي فحص أو مراقبة من قبل الطبيب البيطري المختص. ويتباهى الجزارون أمام المواطنين ببيع اللحم البلدي، وبأنه «لا يأكل سوى علف القمح، والشعير، والعدس، أو الباقية والكرسنّة، والعشب الطــبيعي الأخــضر»، مؤكدين على أنه «ليس كالمستورد، الذي يأكل الأعلاف المركبة والمطحونة»، ليبرروا لهم ارتفاع سعره مقارنة مع الأخير.
كما يبتاع المستهلكون ألبان تلك الماشية وحليبها الطازج من المحال والمؤسسات التجارية، ومعامل الأجبان والألبان بشكل عشوائي، ما يعرضهم للإصابة بأمراض خطيرة ومتنوعة، يجهلون مصدرها ويختلف الأطباء في تشخيصها ومعرفة أسبابها، ويكلفهم علاجها الكثير من الأعباء المادية الباهظة. ويدل ذلك، بحسب تعبيرهم، على أن «الكثير من الإنتاج الزراعي والحيواني المحلي أو البلدي، ليس خالياً من الأمراض والجراثيم، التي تسببها المبيدات الحشرية والأدوية الكيماوية، ومياه الصرف الصحي التي ترويه، لا سيما التي تصيب الحيوانات والمواشي والدواجن، التي يتهافتون على تناول لحمها وحليبها ولبنها على أساس أنها بلدية، كذلك شتى أنواع الخضار والفاكهة»، كما يقول الطبيب البيطري الدكتور يحيى بدر الدين، الذي يرى أن «رعي المواشي في الأماكن التي تصب فيها مجاري الصرف الصحي، يشكل خطورة كبيرة على صحة الحيوانات، وبالتالي على صحة الإنسان المستهلك للحوم والحليب وألبان تلك المواشي»، لافتاً إلى «حالات التسمم الغذائي، التي يمكن أن تصاب بها الحيوانات، نتيجة لتناولها الأعلاف من المراعي الموبوءة، وهنالك الكثير من الأمراض التي يمكن أن تتعرض لها كالتيفوئيد، والأمراض الجلدية، والطفيليات الداخلية والخارجية، ما يسبب على المدى المتوسط هزال تلك الحيوانات ونفوقها».
ويعتبر بدر الدين أن «الحديث عن الموضوع ليس دعاية ضد الإنتاج الزراعي والحيواني البلدي، بل للتنبيه والتحذير من عواقب المشكلة المتفاقمة، وتسليط الضوء على ما يجري من انتهاكات تحت لافتة الإنتاج البلدي»، معتبراً أن ذلك «يستدعي على نحوٍ عاجل تحرك المسؤولين المعنيين، لمراقبة ما يحصل في مختلف المناطق اللبنانية رحمة بالناس».
ويصف رئيس مصلحة الزراعة في النبطية المهندس هادي مكي ما يجري في وادي الكفور ـ النميرية ـ تفاحتا بـ «الكارثة، حيث مجرى الصرف الصحي لمنطقة النبطية»، مشيراً إلى تفقده الوادي المذكور في السابق، لافتاً إلى أن «المصلحة قد رفعت تقريراً فنياً لوزارة الزراعة، أوضحت فيه ملابسات ما يجري فيه بغية اتخاذ الإجراءات المناسبة»، معتبراً أن «الحلّ الجذري للقضية، يكمن في منع ريّ المزروعات الصيفية في الوادي بمياه الصرف الصحي، منعاً باتاً، وتحذير أصحاب المواشي والحيوانات التي تربى في المنطقة من بيعها للمواطنين، والعمل على اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المخالفين».
ويلاحظ المواطنون تقاعس المسؤولين المعنيين عن مكافحة تلك الظاهرة الخطيرة، بالرغم من وجود تعميم رسمي أصدرته وزارة الصحة العامة بذلك الشأن بتاريخ 26 نيسان 1994، يقضي بمنع ومكافحة ريّ المزروعات بمياه الصرف الصحي والمجاري وإطعامها للحيوانات والمواشي. وجاء فيه أنه «نظراً للمخاطر الصحية التي تنجم عن ريّ المزروعات بمياه المجاري، ومخلفات الجور الصحية، أو المياه الجارية الممزوجة بمياه المجاري، وتناولها من قبل المواطنين أو إطعامها لمواشيهم، تحذر وزارة الصحة العامة المواطنين والمزارعين وتحت طائلة المسؤولية من ريّ المزروعات والخضار، وعلى الأخص التي تؤكل نيئة بمياه المجاري العمومية، أو بمياه الجور الصحية أو بأي مياه مبتذلة أو مجار مائية شتوية مختلطة مع مياه المجاري، منعاً للأضرار الصحية التي تتأتى منها، وعلى الأخص الأمراض المعوية والديدان والكوليرا». كما يحذر التعميم «المخالفين من المواطنين بإحالتهم على القضاء وتلف منتوجاتهم الزراعية بإشراف الإدارات المعنية وبمؤازرة الأجهزة الأمنية المختصة».
تعليقات: