«القرع».. مذاقه طيب واستعمالاته كثيرة وقصصه مثيرة
مذاقه طيب واستعمالاته كثيرة وقصصه مثيرة
لندن:
القرع من النباتات الجميلة والغريبة، فهي جميلة بألوانها الأرجوانية والبرتقالية والخضراء والحمراء، وغريبة لأن حجمها أكبر من حجم بقية الخضراوات والفاكهة بشكل عام. ولذا مثلت منذ قديم الزمان شيئا غريبا للناس، لجأوا لاحقا إلى استغلاله في المهرجانات الوثنية قديما. ومع هذا يلقى القرع احترامه ومحبته عند الناس؛ فطعمه طيب، ويستخدم في المطبخ، وتسهل زراعته في البيئة الحارة مع الكثير من المياه. فالناس في الكثير من الدول والمناطق يستخدمون زهره، ويأكلون هذه الزهر مقليا بعد غمره بالطحين والماء كـ«مازة» طيبة جدا، كما يحشون الزهر كما يفعل بعض الأتراك واليونانيين بالأرز واللحم كما هو الحال مع الكوسا وورق العنب، ويطبخونه تماما بنفس الطريقة. ويتم استغلال قشرته اللحمية السميكة لصناعة صلصة خاصة بعد سلقها، ويلجأ البعض إلى استخدام المعلبات أثناء الفصول التي يتعذر فيها الحصول على القرع الطازج لإنتاج مختلف مآكلهم من القرع. وعادة ما يمكن للناس أن يقوموا بسلقه وشويه وتبخيره وتحميصه وهلم جرا عندما يكون طازجا. وفوق تنعيمه كالبطاطا بعد سلقه، وجد القرع طريقها خلسة إلى شتى أنواع الحساء وخصوصا في الولايات المتحدة. وفي الولايات المتحدة أيضا والمكسيك والكثير من دول العالم يتم استغلال بذوره إلى أقصى حد؛ أقلها تحميصها وأكلها، وأحيانا ما يصنعون منها صينية بالفرن كما هو الحال في كندا في عيد الشكر. وفي الشرق الأوسط، وعوضا عن استخدامه في الطبخ، يستخدم القرع كثيرا في صناعة الحلوى وأشهرها «حلاوة اليقطين» . وعادة ما يعثر على حلو القرع في جميع محلات الحلوى الخاصة في لبنان وسوريا وفلسطين وتركيا، وعادة ما تكون شرائحه مكللة فوق بعضها بعضا على شكل هرم يفتح القابلية ويملأ العين بلونه الجميل والهادئ مع القطر والعسل. أما في آسيا، فالهنود يقومون بقليه مع الزبدة والسكر والمطيبات من البهارات والتوابل ويطلقون عليه اسم «كادو كا حلوى». وفي كينيا في أفريقيا وإقليم غوانغخي في الصين يستخدمون أوراق القرع في الطبخ العادي كالسبانخ والسلق ويصنعون منها أحيانا الحساء أيضا. وفي أستراليا يحمصون القرع مع أنواع أخرى من الخضراوات. أما في اليابان شمالا فيستخدمون القرع في الأطباق الشهية والطيبة التي نعرفها بالمازة. إضافة إلى صناعة شتى أنواع الحلوى. وفي تايلاند يستخدمون القرع لصناعة طبق حلوى خاص مع الكاسترد، لكنهم يستخدمون القرع الصغير لهذه الغاية كما يفعل أهل لبنان وفلسطين وسوريا مع الكوسا والخيار. أما في إيطاليا فيحشون به المعجنات الصغيرة في الكثير من الأطباق الخاصة والشهية، وما يعرف بالـ«رافيولي». كما يستخدم القرع لتطييب شتى المشروبات سواء أكانت كحولية أم عادية. وبشكل عام يتم استغلال حبوب القرع لاستخراج زيوته التي تستخدم بكثرة لتطييب السلطات والطبخ والقلي بشكل عام، خصوصا في أوروبا الشرقية والنمسا التي تكن له مكانة خاصة. ويستخدم زيت حبوب القرع لصناعة الأدوية. فالقرع مفيد جدا للشرايين والأعصاب ويحارب البروستات. وتشير الموسوعة الحرة بهذا الإطار إلى أن القرع مفيد جدا للكثير للعلاجات، وأهمها، معالجة أمراض الجهاز البولي ويطرد الدود، وهو منشط للثة ومكافح لأوجاع الاسنان، والأهم من هذا أن القرع يلين المعدة وينشط الكبد ويهدئ الاعصاب ويمنع الصداع واليرقان، كما أن القرع مدر للبول ومفتت للحصى والرمل ويحمي من التهابات الكلى.
القرع أو «بمبكين» (Pumpkin) بالإنجليزية من النوع «كيوكاربيتا» (Cucurbita) النباتي التابع لعائلة «كيوكاربيتاكيا» (Cucurbitaceae) التي تضم الخيار وتعود إلى مجموعة الـ«غراوند» (gourd)، وهو الاسم الذي يطلق على النبتات أو الثمار أو الخضار التي تكون فارغة عندما تجف كالوعاء. ويشمل القرع أيضا جميع أنواع الكوسا (Squashe)؛ الأصفر أو الاخضر والأزرق والبرتقالي التي تزرع لاستغلال الثمرة والبذور على حد سواء. وتحتاج هذه النبتة العظيمة، التي انتشرت باتجاه العالم على الأرجح، من من أميركا الشمالية وأميركا الوسطى والمكسيك إلى أنواع خاصة من النحل لتلقيحها في بعض مناطق أميركا الشمالية والوسطى. كما تعيش على هذا النوع من النبتات أي البطيخ والقرع والخيار والكوسا حشرات مهمة، مثل قشريات الجناح (Lepidoptera) واليرقة (larva). ومن القرع العادي الذي نعرفه هناك عدة أنواع، أهمها: «كيوكاربيتا بيبو» (Cucurbita pepo) الكوسا الخضراء الداكنة اللون و«كيوكاربيتا ميكستا» (Cucurbita mixta) القرع الأحمر و«كيوكاربيتا ماكسيما» (Cucurbita maxima) القرع الثخين القشرة ذات اللون الباهت والمائل إلى البياض، و«كيوكاربيتا موسكاتا» (Cucurbita moschata) القرع العادي الذي يكون برتقالي اللون كبير الحجم أو طويل الحجم. وعادة ما يقصد البريطانيون على أنواعهم والأستراليون بالقرع (pumpkin)، الكوسا الأميركي الشتوي (Winter squash) وهو متوسط الحجم برتقالي اللون وينمو طوليا ولا يتكور كالطابة كما هو القرع التقليدي الكبير والضخم أحيانا.
على أي حال، فإن اسم القرع الإنجليزي (pumpkin) يتدرج من الاسم اليوناني «بيبون» (pepon) الذي يعني «بطيخة كبيرة». وقد بدأ بتحويرها الفرنسيون قديما عبر استعمال كلمة «بومبون» (pompon)، ثم غيره البريطانيون إلى «بومبيون» (pumpion). وأخيرا غير الاسم المستعمرون البريطانيون في أميركا إلى اسم «بمكين» (pumpkin) المستخدم حاليا. وقد جاءت النبتة بالأصل كما ذكرنا من الأميركتان؛ الوسطى والشمالية، ولا يزال هناك جدل حول هذا الموضوع كما هو الحال مع الكثير من النباتات وأصولها وسبل انتشارها، إذ إن أقدم البذور التي عثر عليها علماء الآثار والنبات ويعود تاريخها إلى 7000 سنة قبل الميلاد كانت في المكسيك.
وقد درج الناس في أميركا الشمالية والجزر البريطانية، على استخدام القرع منذ أكثر من قرنين خلال الاحتفالات بعيد جميع القديسين، وما يعرف بـ«الهالوين» في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، التي تعود أصوله إلى أيام الحضارة السلتية وربما الفراعنة. فهو مهرجان تراثي شعبي وثني الأصول تتم خلاله إقامة الحرائق الكبيرة لطرد الأرواح الشريرة ولبس الاقنعة لتمثيل الموتى الذين يعيشون بين الأحياء كما تقول الخرافات القديمة. وخلال المهرجان أو الاحتفال يتم وضع الشموع المضاءة في القرع الجاف، وإقامة فتحات فيه تمثل أشكالا مختلفة، يحملها الأطفال ويطوفون بها في الشوارع، كما يفعل الكثير من الأطفال في لبنان مع البطيخ المكور. لكن في الولايات المتحدة ارتبط اسمه عادة بالفصول قبل أن يرتبط بالهالوين. كما يلجأ الكثير من سكان البلدان الأوروبية بشكل خاص إلى إقامة المنافسات الخاصة والتباري في قذف القرع بالمدفعيات والقاذفات الكبيرة والمقالع الضخمة. ويلجأ البعض إلى زراعة أنواع خاصة من القرع لهذه المناسبات الرياضية التي تستغل النباتات. والأهم من هذا أن الكثير من الدول والولايات في أميركا، وخصوصا المناطق الزراعية في أوهايو وكاليفورنيا، تقيم سنويا وموسميا مباريات مهمة لعرض أكبر وأضخم قرعة، ومنها بطولة العالم في القرع. وخلال هذه المناسبات يعرض المزارعون من شتى المناطق أكبر قرعة زرعوها، ويتبادلون خلالها الخبرات وتطوير زراعة القرع الضخم. ويصل وزن أكبر قرعة مسجلة حتى الآن إلى أكثر من 700 كيلوغرام. وأكثر الولايات المتحدة شهرة بالقرع وعالمه هي بلدة مورتين في الينوي، التي تعتبر عاصمة القرع في العالم. وتقيم البلدة مباريات للقرع من العام 1966. ولا يزال القرع في أميركا والكثير من الدول أيضا جزءا لا يتجزأ من احتفالات عيد الشكر عند المسيحيين.
على أي حال فإن هناك ارتباطا تاريخيا كبيرا بين القرع والعالم الآخر أو الخارق للعادة، مثل سحر وتحويل الناس إلى قرع والشياطين والموتى وغيره. فقد حولت العجوز الخرافية في قصة ساندريلا القرعة إلى عربة ثم إلى قرعة. وفي روايات هاري بوتر، كان عصير القرع وسيلة من وسائل استقطاب تلاميذ مدرسة هوغارت للساحرات، والكثير الكثير في الروايات والأفلام الأوروبية والأميركية.
ويزرع القرع في جميع أنحاء العالم باستثناء القطب المتجمد الشمالي على الارجح؛ لأن بذوره لا تنمو في التربة الباردة، وأهم منتجي القرع في العالم هي الولايات المتحدة والمكسيك والهند والصين بالطبع. ولا يزال القرع يعتبر من أهم المنتجات الزراعية أو المحاصيل في الولايات المتحدة الأميركية منذ فترة طويلة. وتنتج أميركا سنويا ما لايقل عن 1.5 مليار طن عادة، يأتي معظمها من إلينوي واوهايو وكاليفورنيا وانديانا وبينسيلفينيا. ويتم زراعة نحو 95 في المائة من القرع المسخر لغايات إنتاجية والتعليب في إلينوي عادة. وتعتمد شركة «نستله» المعروفة على الحقول الأميركية لتحصيل قرعها الذي تستخدمها في منتجاتها المختلفة.
تعليقات: