يوم دخل تشافيز قلوب العرب

هوغو شافيز
هوغو شافيز


في ذكرى مرور مئتي عام على الانتصار على الإسبان، ألقى هوغو تشافيز خطاباً أدخله إلى قلوب العرب. وكان قد وصل في اليوم نفسه من جولة دولية خصّصها للترويج لترشيح فنزويليا إلى مقعد في مجلس الأمن الدولي، جعلته يبدأ خطابه بنوع من التقرير عن هذه الجولة التي تزامنت مع العدوان الإسرائيلي شعلى لبنان. وفي هذا الخطاب، أعلن تشافيز تضامنه مع الشعبين اللبناني والفلسطيني، وسحب السفير الفنزويلي من إسرائيل. حدث ذلك في الثالث من آب 2006. وما أن انتهت الحرب، حتّى ارتفعت صور تشافيز إلى جانب صور السيّد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية

الخميس 3 آب 2006 في فيلا دي أورو - وتعني الشراع الذهبي - احتفلت فنزويلا بمرور مئتي عام على الإنزال البحري... والانتصار العسكري على الإسبان... الذي قام به فرانسيكو ميراندا، «السبّاق» كما يسمى هنا في فنزويلا، لتمييزه عن «المحرر» سيمون بوليفار.

ميراندا هو جنرال فنزويلي شارك في السياسة والح روب في فرنسا وإنكلترا والولايات المتحدة، وعرف جورج واشنطن ووليام بيت ونابليون بونابارت، الذي قال عنه إنه «دون كيخوط، لكن من دون جنون»، لأن ميراندا كرس حياته لفكرة وحيدة هي استقلال أميركا الجنوبية، التي كان يسميها «كولومبيا الكبرى». وقد وضع علمها الأحمر والأصفر والأزرق - الذي يبقى حتى اليوم علم كولومبيا وفنزويلا والإيكوادور - ودستورها، الذي سيُعتَمَد بعد ثلاث سنوات، عندما دعته انتفاضة كاراكاس من المهجر ليترأسها. وقد استمرت مغامرة فيلا دي أورو عام 1807 عشرة أيام، فيما صمدت انتفاضة كاراكاس سنتين قبل أن يستعيد الإسبان السلطة عام 1812. اعتقله بوليفار وسلّمه للإسبان. وتوفي ميراندا في المعتقل عام 1816.

بعد ذلك، نجح بوليفار في ما فشل به ميراندا، أي تحرير القارة من الإسبان. ومن الأكيد أنه تعلم الكثير من تجربة ميراندا السياسية والعسكرية، وقد خاض بوليفار أول معركة تحت أوامره. عاد بوليفار إلى فنزويلا من المهجر عام 1817 وسيطر على كولومبيا عام 1819 وترأس «كولومبيا الكبرى» التي صارت تضم كولومبيا وفنزويلا وباناما والإيكوادور عام 1822 ثم بوليفيا، التي تحمل اسمه الذي سيبقى يترأسها بعد تفسخ الاتحاد الإقليمي حتى منفاه ووفاته عام 1930. وينسب لبوليفار المحبط في أواخر حياته عبارة «حاولت طوال حياتي حراثة البحر...».

عشر سنوات بعد وفاة ميراندا، كرّمه بوليفار قائلا عنه: «كان أكثر الفنزويليين أممية».

بعد مئتي عام بعد الإنزال في فيلا دي أورو، يزايد هوغو تشافيز على بوليفار: «كان أكثر الأميركيين أممية»، ويضيف: «لو يعدل التاريخ، لسميت هذه القارة ميراندا أو على الأقل أميركا الميراندية». تحدث تشافيز، الضليع بالتاريخ، أكثر من ساعة عن مزايا ميراندا،

و«دوليته».

كان تشافيز قد وصل في اليوم نفسه من جولة دولية خصصها للترويج لترشيح فنزويليا إلى مقعد في مجلس الأمن الدولي، جعلته يبدأ خطابه بنوع من التقرير عن هذه الجولة التي تزامنت مع العدوان الإسرائيلي على لبنان، المتواصل خلال خطبة

شافيز:

«.... إلى حاكم الولاية الأميرال خوليو فورتيس، وإلى كل الذين عملوا ليحولوا هذا التكريم واقعاً... وهذا التمثال... وهذا الوجه الأبدي لـ«سبّاق» الثورة في أميركا الجنوبية وبحر الكاريبي... وهذه الراية التي ترفرف في هواء الوطن الحر، هنا على بحر الكاريبي، هنا على شاطئ فنزويلا المغرم بالحرية والبطولات... إليكم جميعاً أريد أن أقول إني وصلت فجر اليوم من رحلة أدت إلى نتائج في غاية الأهمية لفنزويلا، لحكومتنا ولشعبنا، في إطار السياسة الخارجية للثورة البوليفارية، التي تتميّز كل مرة أكثر بشفافيتها وإشعاعها... إنها جولة شملت قارات عديدة كما تعلمون خلال 14 يوم فقط...

مررنا بجزء من أميركا الجنوبية، في الشقيقة الأرجنتين - بوينس آيرس، وكوردوبا، قمة المركوسور - وبعد ذلك ذهبنا مباشرة إلى البرتغال وروسيا البيضاء ثم روسيا. ومن هناك إلى الشرق الأوسط، قطر وإيران، ومن هناك إلى آسيا، فيتنام لنختم أمس بيوم حافل في أفريقيا الشقيقة... هي الأم أكثر منها الشقيقة، بلى هي أفريقيا الأم ... في جمهورية مالي، ثم أمضينا الليلة في جمهورية بنان لنستيقظ هنا والحمد لله على الأراضي الفنزويلية...

جولة نتائجها السياسية استثنائية، كونوا على ثقة بأن موقف فنزويلا يقوى، أن موقفها يشعّ في آفاق العالم، في جميع القارات... ومن إنجازات هذه الجولة الاعتراف بشرعية فنزويلا في تبوء عضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي... ودعم واضح وصريح كدعم الاتحاد الروسي يرسخ طريقنا لشغل مركز في مجلس أمن الأمم المتحدة...

موقف دول مركوسور الداعم بالإجماع، أي الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي والباراغواي يقوي اندفاعتنا، مع أننا جميعنا نعلم أن الإمبراطورية الأميركية شنت حملة عالمية بكل قدراتها على الابتزاز والضغط والتعقيب لمنع دخول بلدنا إلى مجلس أمن الأمم المتحدة... من الواضح أن الإمبراطورية الأميركية الشمالية لها أسبابها لكي تفعل كل ما هي تقوم به ولتتحاشى انتخابنا لهذا المركز... أحد هذه الأسباب يظهر اليوم بشكل مأساوي.. وأستطيع أن أقول بشكل شرس وفجّ أمام أعين العالم أجمع... لأن حكومة الولايات المتحدة ترفض السماح بأن يأخذ مجلس الأمن تحديداً أية خطوة قادرة على كبح الإبادة التي تقوم بها إسرائيل بحق شعب فلسطين وبحق شعب لبنان... مرة أخرى تقع الأقنعة، الإمبراطورية الأميركية الشمالية هي إمبراطورية إبادية، ولا أستطيع أن أسكت عن هذه الحقيقة... وعليّ أن أعلنها، لأنكم تعلمون أننا شفافون، وقد أمرت بسحب سفيرنا من إسرائيل...

للحقيقة ما يولد الغيظ، نعم الغيظ، هو أن ترى كيف أن دولة إسرائيل مستمرة في تعسفها، في قصفها، في قتلها، معتمدة لذلك على طائرات الـ«غرينغو» (الأميركية) التي تملكها، وعلى قدرتها العسكرية التي بنتها بدعم من الولايات المتحدة. مستمرة في تمزيقها لهذا الكم من الأبرياء - أطفالاً ونساء ولاجئين بعائلاتهم وباولادهم - الذين يقصفون بطائرات معروفة بدقتها وبقدرتها التدميرية... والواحد لا يستطيع أن يفهم كيف يقف العالم ينظر إلى هذا المشهد مكتوف اليدين، والواحد لا يفسر كيف لا يقام شيء لوقف هذه الفظاعة... أقل ما نستطيع أن نفعله هو أن نرفع صوتنا - الواضح والشفاف دائماً - لمصلحة السلام ولمصلحة الحياة ولمصلحة العدالة... وهذا سبب يجعل حكومة الولايات المتحدة الإمبريالية تقوم بهذه الحملة المفتوحة والمكشوفة واللاأخلاقية لمنع دخولنا إلى مجلس الأمن... لأنهم يعلمون أن في مجلس الأمن سيكون لفنزويلا صوت يدافع عن حقوق الفقراء، يدافع عن حقوق الذين لا صوت لهم، يدافع عن حقوق الملايين والملايين على هذا الكوكب الذين هضمت حقوقهم الإمبريالية ونخب القارات الخمسة... لذلك أيضاً يتصلّب كل يوم الدعم لترشيح فنزويلا في المركوسور وفي أوروبا وآسيا وأفريقيا» (مقتطفات من خطاب تشافيز... في 3 آب 2006 في فيلا دي أورو).

تعليقات: