الحريري يخسر معركة الطابق الثاني

نجح ريفي في تحويل المديرية إلى جهاز أمني يواكب ما بعد الوصاية السورية
نجح ريفي في تحويل المديرية إلى جهاز أمني يواكب ما بعد الوصاية السورية


انتهت قضية الطابق الثاني في مركز الاتصالات بخسارة محور الحريري ــ ريفي، معركة شبكة الخلوي الثالثة، مقابل محور عون ــ نحاس ــ بارود المدعوم من رئيس الجمهورية والأكثرية الجديدة، والمعزّز بصمت مسيحيّي قوى 14 آذار الرافضين ضمناً تصرف ممثّل حليفهم في قوى الأمن

وفي اليوم الثاني على اشتعالها، انتهت قصة الطابق الثاني بتسلم الجيش طابق معدّات شبكة الخلوي الصينية، وبالتالي إنهاء حال الاستنفار غير المعلن بين عناصر الفرع والجهاز: عناصر فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي داخل مبنى مركز الاتصالات في منطقة العدلية، وعناصر جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات العامة في قوى الأمن الداخلي أيضاً، خارج المبنى.

قبل الوصول إلى هذا المخرج، كان نهار أمس يوماً عصيباً أمنياً وسياسياً وقضائياً، بدءاً بالوضع في مبنى العدلية ومحيطه، الذي تحوّل إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، لأنّ كلّاً من عناصر الفرع والجهاز بدا كأنه تلقّى أوامر تشي بأزمة طويلة، فتزوّدوا جميعاً بالفرش والمعلبات وكل ما تتطلبه الإقامة الطويلة، وخصوصاً بعدما ارتفع عديد جهاز أمن السفارات في المنطقة، حيث علم أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي كان قد أرسل عند اندلاع الأزمة إلى قائد الجهاز بالوكالة العميد محمود إبراهيم، طلباً بسحب العناصر المساندين لحرس المبنى، فردّ إبراهيم بإصدار مذكرة تقضي بعدّ هؤلاء العناصر جزءاً أساسياً من قوة حماية المبنى.

على المستوى السياسي، بدا كل طرف على موقفه، من جهة أعطى تكتل التغيير والإصلاح ما يشبه المهلة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان تحديداً، حتى بعد ظهر غد الأحد، لمعالجة الأمر وفق القوانين والدستور، وإلّا فسيتجه العماد ميشال عون إلى إعلان مجموعة تحركات شعبية نحو مبنى الاتصالات في العدلية. وأرفق الوزير المعنيّ شربل نحاس هذا الموقف بتقديم شكوى إلى مفوض الحكومة العسكرية، يتهم فيها العناصر الأمنيين بالاعتداء على مركز الاتصالات دون علم وزارتي الاتصالات والداخلية، وبرفض أمر وزير الداخلية بإخلاء المركز، وباستخدام العنف مع استعمال السلاح، راجياً اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة، ولا سيما رفع حالة التعدي عن المركز.

وفي المقابل، لفت أمس أن ريفي، بعد تغطية رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ونواب تيار المستقبل لموقفه، تصرف على طريقة «الأمر لي»، ليس في مواجهة وزيرين وحسب، بل وصولاً إلى رئيس الجمهورية، فتصرّف إعلامياً وفي اتصالات المعالجة كأنه رأس سلطة سياسية، حيث بدأ يومه بحديث إلى محطة المؤسسة اللبنانية للإرسال، بالقول إنه لن يسمح بنقل شبكة الخلوي إلى القطاع الخاص، أو إلى أي جهة غير رسمية إلا بقرار من مجلس الوزراء. وحتى عندما توصلت الاتصالات بين رئيس الجمهورية وعون والوزراء المعنيين وقائد الجيش العماد جان قهوجي إلى اقتراح فكرة دخول الجيش مبنى مركز الاتصالات وتسلّم حراسة الطابق الثاني، رفض ريفي وفريقه هذه الفكرة رفضاً قاطعاً بذريعة أن لا شأن للجيش بحماية المؤسسات الرسمية التي هي من مهمة قوى الأمن. وطرح ريفي فكرة وضع معدّات الطابق الثاني في عهدة القضاء، فرفض عون هذه المرة، لأن من شأن قبول ذلك أن ينقل القضية من «تحت دلفة وسام الحسن إلى تحت مزراب سعيد ميرزا»، فضلاً عن احتمال أن يكلف ميرزا فرع المعلومات بحراسة الطابق الثاني، أي إعادة الأزمة إلى بدايتها.

ومع تواصل الاتصالات، بدا أن قضية الطابق الثاني بلورت اصطفافات خاصة، فإضافةً إلى رفض سليمان وعون وجود فرع المعلومات في هذا الطابق، ومن خلفهما كل قوى الأكثرية الجديدة، لفتت مصادر سياسية واسعة الاطلاع إلى أنّ القوى المسيحية في قوى 14 آذار لم تبادر كحلفائها في تيار المستقبل، إلى التضامن مع ريفي، عازيةً ذلك إلى أسباب عدة أبرزها أنها لا تريد أن تعارض موقف رئيس الجمهورية، الذي رأى في تصرف ريفي مخالفة صريحة للقانون، فضلاً عن أنها ضمناً غير راضية عن تصرف المدير العام لقوى الأمن الداخلي.

ويبدو أن هذا الاصطفاف هو الذي أدى إلى تراجع الطرف السياسي الداعم لريفي، لجهة قبول مخرج الجيش، وخصوصاً أن قهوجي أبدى خلال التواصل المفتوح بينه وبين رئيس الجمهورية، أمس، استعداده لتحمل المسؤولية، وتنفيذ أيّ مهمة تكلف المؤسسة العسكرية بها. وهكذا عاد ريفي و«سمح» بدخول الجيش، وأصبح الأمر رسمياً عبر بيان مقتضب من مديرية التوجيه أعلنت فيه أن وحدة من الجيش تسلمت مساء أمس «من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، المبنى التابع لوزارة الاتصالات في منطقة العدلية، وقد باشرت هذه الوحدة مهمة تأمين حراسة الطابق الثاني من المبنى المذكور، وتوفير الأمن في محيطه».

وهكذا أُنهيت حالة التمرد، ليبدأ المسار القضائي والسياسي لمعالجة ما جرى أول من أمس في مركز الاتصالات، حيث ذكر المكتب الإعلامي في قصر بعبدا، أن سليمان تابع مع كل من وزراء الدفاع والداخلية والعدل والمدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا «مسألة تكليف القضاء التحقيق واتخاذ الإجراءات المناسبة في موضوع عدم تنفيذ قوى الأمن قرار وزير الداخلية إخلاء مخفر الحراسة، الذي وضع على الطبقة الثانية في مبنى وزارة الاتصالات»، مشدداً على اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعاقبة المخالفين ومنع تكرار ما حصل.

وكان تكتل التغيير والإصلاح قد عقد أمس اجتماعاً استثنائياً حضره نوابه ووزراؤه والقاضي سليم جريصاتي، وترأسه العماد عون الذي شبّه ما فعلته مديرية قوى الأمن الداخلي بالتصرّف الميليشاوي، وبأنه خطر جداً و«جريمة مشهودة متمادية انقلابية». و«بكل مودّة» سأل رئيس الجمهورية: «هل يجوز أن يطيح مدير قوى الأمن الداخلي وزيرين، أي وزير الداخلية، الذي ذهب الى منزله، ووزير الاتصالات، الذي بقي في المواجهة لكي ينقذ الدستور؟»، متمنياً عليه اتخاذ الإجراءات المناسبة وفقاً للتقاليد القانونية والإجرائية وهي: كفّ يد مدير قوى الأمن الداخلي، إزالة المخالفة الأمنية، سحب قوى فرع المعلومات من مبنى الاتصالات، ثم إحالة المدير على القضاء العسكري بصفته المسؤول عن مخالفة العسكريين وكل المخالفات المنصوص عنها في القانون. ثم طلب من رئيس مجلس النواب الاستعانة بصلاحيات المجلس، مشدداً على ضرورة معالجة هذا الموضوع «بكل مسؤولية في إطار وطني». وأعلن إبقاء التكتل في حال اجتماع دائم، محدداً ما يشبه المهلة، بدعوته الإعلام إلى جلسة مناقشة يوم الأحد عند الساعة الثالثة والنصف حيث «سنعلن النتائج التي سنحصل عليها، فإما أن تبقى الجلسات مفتوحة أو تقفَل. نتمنى إقفال جلساتنا قبل الأحد»، ملوّحاً بأن «لدينا جميع الخطوات التي تلي الخطوات القانونية».

وقال إن القضية كانت تقنية، لكن بعد «ارتكاب المخالفات لمنع المسؤولين من الدخول الى المبنى، أصبحت لدينا شكوك عدة في استعمال الشبكة الإضافية التي يجب أن تدخل من ضمن وزارة الاتصالات». ودعا الجهات التي تتهم نحاس بأنه كان يريد نقل المعدّات «إلى مصادر أمنية غير شرعية»، إلى أن تعلن مسؤولياتها عن الكلام «وإلا «ستنفك» رقبتها، اليوم سنضع حدا للشائعات وطق الحنك. اليوم هناك جريمة متمادية ومشهودة وتمثّل عملاً انقلابياً، وخصوصاً أننا قرأنا تصريحاً لإحدى الوكالات يقال فيه إن هذا العمل الانقلابي مغطى من رئيس حكومة تصريف الأعمال. القصة إذاً كبرت، ونستطيع أن نأخذ إجراءات ليبقى النظام الديموقراطي قائماً، ويجب احترام القانون والدستور، وهذا ما سنعمل عليه ونقاتل من أجله. وسنعالج الموضوع في جميع الميادين، وإلا فلن تستقيم الأمور، ونقول للذي يسرق أنت تسرق، والذي يتعدى نسميه معتدياً. وإذا قلنا هذا يتهموننا بالبذاءة. يريدون منّا أن نقول للسارق برافو أنت تستفيد. يريدون أن نراعي خواطر اللصوص والسارقين والذين يهدرون أموال الدولة والذين يقومون بانقلابات».

وإلى تكتل التغيير، صدرت ردود فعل عديدة تستنكر تصرف مديرية قوى الأمن الداخلي، أبرزها لحزب الله، الذي وصف ما حصل في مركز الاتصالات بأنه اعتداء خطير وغريب ارتكبه فرع المعلومات و«أظهر الدولة كأنها تنقلب على نفسها»، سائلاً عن الأجهزة الأمنية هل هي أجهزة رسمية أم أنها دويلات وجزر أمنية تابعة لمسؤولين سياسيين لا للدولة، وولاؤها للزعماء لا للوطن؟ أضاف: «إن رد فعل بعض الأجهزة على النحو الذي رأيناه لناحية منع الوزير المختص من ممارسة صلاحياته ورفض الجهات المختصة الانصياع لأوامر وزير الداخلية، يضعاننا أمام ريبة وشك كبيرين في وظيفة شبكة الاتصالات الثالثة وجهة استخدامها: هل هي لتحقيق أرباح مالية أو تآمرية، أم هي شبكة خاصة بقوى 14 آذار أو بعض الأجهزة المعينة بمعزل عن الدولة ومؤسساتها». ورأى أنه بعد ما حصل في العدلية «صار من الواضح تماماً من هو الفريق الذي يهدم وجود الدولة، ومن هو الفريق الذي يريد بناء دولة حقيقية»، وإذ طالب المسؤولين بإطلاع اللبنانيين على حقيقة ما جرى، أشاد بموقف الوزير نحاس، معلناً دعمه الكامل له «في خطواته التي يقوم بها لإعلاء القانون وسيادة مبادئه ونصوصه على أي طروحات أخرى». كذلك رأى أن موقف بارود «يمثّل صرخة شريفة ومسؤولة تنذر بحجم الخطر الذي يتهدد الدولة وقد يؤدي إلى انهيارها».

وعُلم أن رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب حسن فضل الله سيدعو إلى عقد جلسة للجنة للبحث في قضية الشبكة الثالثة ومعرفة المستفيدين من تشغيلها.

كذلك برز أمس موقفان لمرجعيتين دينيتين، حيث رأى البطريرك الماروني بشارة الراعي أن «كل واحد فاتح دولة على حسابه»، وتوسع المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بالقول إن «كل مسؤول فاتح على حسابه، من الوزير، والنائب والمدير العام، والضابط، والموظف»، مشخّصاً الوضع بـ«إننا الآن في اللادولة».

..

..

الأمن الداخلي في عهد ريفي: ثمرة الحريريّة وذراعها

ليست المرة الأولى التي يتمرّد فيها المدير العام للأمن الداخلي على قرار وزير الداخلية، فقيادة المديرية لم تعتد وجود رقيب عليها، لكونها، منذ عام 2005، حظيت بغطاء سياسي وفّر لها العمل خلافاً للقانون، والقفز من الأمن إلى السياسة برشاقة فائقة

حسن عليق

ثمانون رجل أمن، في مقابل ثمانين آخرين من زملائهم. هكذا كان الميدان داخل المبنى التابع لوزارة الاتصالات في منطقة العدلية خلال اليومين الماضيين. المشكلة لم تكن فقط في أن أفراداً من جهاز أمني رسمي واحد كانوا على وشك ارتكاب مجزرة بعضهم بحق بعضهم، بل إن الخطورة الأكبر تكمن في الانقسام الطائفي لهؤلاء. والتوتر المذهبي بين الفريقين كان على أشده، في حادثة يندر أن تشهدها الأجهزة الأمنية اللبنانية، لكن هذا التوتر (الذي جرى تداركه سريعاً) يصبح طبيعياً في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، التي لم تُراعَ فيها القوانين ولا الأنظمة طوال السنوات الخمس الماضية.

المدير العام الحالي، اللواء أشرف ريفي، هو أحد أقرب الضباط في لبنان إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ونجله الرئيس سعد الحريري. وريفي لا «يُلَوْفِك» في تحديد موقعه السياسي. يقولها صراحة: «نحن ثمرة قوى 14 آذار. وأتينا إلى مواقعنا من ضمن خط سياسي، وسنغادر متى تغيرت موازين القوى».

منذ وصوله إلى المديرية عام 2005، كانت مهمة ريفي مواكبة عمل لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في تلك المهمة، اختلط السياسي بالأمني، وامّحى الحد الفاصل بينهما. وفي عهد ما بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، تدفقت المساعدات من الدول العربية (الخليجية خاصة) والغربية على القوى الأمنية اللبنانية، التي صارت تلهج بلغة «مكافحة الإرهاب». وفي ظل غطاء سياسي غير مسبوق تحظى به المديرية من الرئيس سعد الحريري، بدأ فريق تيار المستقبل في قوى الأمن الداخلي تنفيذ مشروعه: تغيير طبيعة المديرية وتحويلها من مؤسسة شرطة مغرقة في التقليدية، إلى جهاز أمني يواكب ما يصفه ريفي في مجالسه الخاصة بـ«الانقلاب السياسي» على سلطة الوصاية السورية.

وضع هذا الفريق لنفسه هدفين: بناء جهاز استعلامات وتحقيق، وتعزيز قوة ضاربة تواكب هذا الجهاز. سريعاً بدأ التنفيذ: فرع المعلومات والقوى السيارة (من ضمنها سرية الفهود). ومن أجل تحقيق الهدفين، لم يقف أحد أمام النصوص القانونية ليسأل عما إذا كانت المديرية تلتزمها أم تخرقها، فـ«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». هذا ما يقوله لسان حال ريفي وفريق المستقبل في المديرية. لا همّ إذاً إن أنشِئت أجهزة وعُدِّلت أنظمة من دون نيل موافقة مجلس الوزراء عليها. ولا ضير في عودة مستشار رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري، العقيد المستقيل وسام الحسن، عن استقالته ليتولى رئاسة فرع المعلومات، قبل تحويلها إلى شعبة، من خارج النص القانوني. ومعه، بدأت المديرية تخوض غمار عمل أمني لم تعتده سابقاً. أثمر الجهد سريعاً. فإنجازات الجهاز الوليد ظهرت في عدد كبير من الملفات الأمنية الحساسة، وخصوصاً في مجال «مكافحة الإرهاب»، في ظل تطور تقني نوعي في عمله، أتاحته عوامل متداخلة، أبرزها الدعم المالي الكبير والغطاء السياسي غير المحدود والكفاءة التي تميزت بها مجموعة صغيرة من الضباط والرتباء والمجندين الذين مَنحوا عملهم كلّ جهد ووقت ممكنين.

لكن ما حققته المديرية خلال السنوات الماضية، لم يُستَثمر لإزالة الصبغة السياسية التي طغت على قيادتها، على حد قول متابعين لشؤون المديرية. وبالأصل، فإن ريفي وفريق «المستقبل» لم يبذلا أي جهد يُذكر من أجل التخفيف من وقع تلك الصبغة. فريفي والحسن مارسا دوماً دور مستشارين للحريري. ورغم أن هذا الدور وفّر قناة اتصال مع خصوم الحريري لم تنقطع في عز الانقسام السياسي الذي شهدته البلاد، لم يستطع الأمنيان، اللذان حكما المديرية منذ عام 2006، المحافظة على وحدتها (يصعب توزيع المسؤوليات بدقّة في هذا الصدد على فريق ريفي ـــــ الحسن وخصومه في المؤسسة). فالمديرية أشبه بـ«رسم تقريبي» لواقع القوى السياسية في لبنان. وكلما سعى فريق تيار المستقبل إلى السيطرة على زمام القيادة، كانت لمعارضيه القدرة على النقض. وبناءً على ذلك، ارتضى الثنائي المستقبلي تقاسم النفوذ مع الآخرين من ممثلي المِلل والطوائف والقوى السياسية في المؤسسة، مع احتفاظهما باليد العليا في معظم القضايا، بسبب الواقع الإداري الذي يمنح المدير العام صلاحيات واسعة من جهة، ولأن فرع المعلومات توسّع يوماً بعد آخر واشتد عوده، ليفرض نفسه جهازاً مكتمل المعالم.

لكن المديرية بقيت تسير بتعثّر منذ عام 2007، حين شهد مجلس قيادتها أول انقسام جدي إلى فريقين يمكن وضعهما بسهولة في خانة 8 و14 آذار. وضمن فريق 14 آذار، بقيت «النقزة» مسيطرة مدةً طويلة على نظرة مسيحيي هذا الفريق إلى أداء ثنائي الحريري في المديرية، وخصوصاً لناحية ما رأوه «محاولات لتحويل المؤسسة إلى ذراع أمنية للطائفة السنية»، على حد ما ورد في عدد من البرقيات الصادرة عن السفارة الأميركية في بيروت.

وعندما حاول رئيس الجمهورية ميشال سليمان ووزير داخليته زياد بارود إعادة توحيد المؤسسة خلال النصف الثاني من عام 2008، باءت محاولتهما بالفشل الذريع. وبالعكس من ذلك، فإن الشرخ تعمّق داخل المديرية، ووصل الخلاف بين المدير العام اللواء أشرف ريفي وقائد الدرك العميد أنطوان شكور إلى حد الانفجار عام 2009. ولم يستجب الرجلان لطلب وزير الداخلية التراجع أحدهما أمام الآخر. وفي ذلك الحين، كان تصرف ريفي شبيهاً بما فعله خلال الأسبوع الجاري في وزارة الاتصالات. أمَرَ قوة من وحدة القوى السيارة بالتمركز في ثكنة المقر العام للمديرية بهدف منع قائد الدرك العميد أنطوان شكور من دخول مكتبه، لأن الأخير رفض الانصياع لعقوبة أصدرها ريفي بحقه، بعدما رفض المدير العام الاستجابة لطلب وزير الداخلية عدم معاقبة شكور. تمرّد وتمرد مضاد، وسط عجز بارود عن ضبط المديرية. فثنائي الحريري يعرف جيداً حجم قوته السياسية، ويدرك أن رئيس الجمهورية لا يريد إغضاب الرئيس سعد الحريري، وبالتالي، فإن سليمان سيضغط على بارود للتنازل أمام المدير العام.

يوماً بعد آخر، ترسّخت قاعدة مخالفة القانون والأوامر داخل المديرية. وعندما طلب بارود تسوية الوضع القانوني لـ«شعبة» المعلومات، سقط اقتراح ريفي القاضي بتشريعها كما هي داخل مجلس القيادة، إلا أن ذلك لم يمنع ريفي من المحافظة عليها أمراً واقعاً. وبموازاتها، بدأ ريفي تعميم قرارات فصل الضباط التي تصدر عنه، من دون موافقة مجلس القيادة، مع ما يعنيه ذلك من أن معظم ضباط المديرية موجودون اليوم في مراكزهم خلافاً للقانون. وكلما حاول بارود إعادة بعض التوازن إلى المديرية، من خلال تعيين قادة أصلاء للوحدات الشاغرة بسبب تقاعد رؤسائها، كان يُواجَه برفض الرئيس سعد الحريري. فالأخير، أصرّ طوال وجوده في السرايا على عدم تعيين أعضاء جدد في مجلس قيادة الأمن الداخلي، إلا وفقاً لمشيئة الثنائي ريفي ـــــ الحسن.

الرقابة المفقودة

لم يعتد المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن، وجود وزير وصيّ عليهما. ففي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، لم يكن ثنائي ريفي ـــــ الحسن يعاني أي مشكلة مع وزير الداخلية (الأصيل حسن السبع والوكيل أحمد فتفت) الذي كان ينتمي إلى فريقهما السياسي. وكان العقيد وسام الحسن «أقوى من الوزير نفوذاً في الدائرة المحيطة بالحريري»، بحسب ما يؤكد عدد كبير من المقربين من الحريري. وبالتالي، فإنّ حاكمَي المديرية لم يعانيا قبل منتصف عام 2008 عوارض الرقابة السابقة أو اللاحقة على عملهما. وفي عهد الوزير زياد بارود، لم يكن الوضع أفضل حالاً. فبارود، وبحسب فريق ريفي ـــــ الحسن، لم يدافع يوماً عن المديرية التابعة له عندما تعرضت للهجوم السياسي، وبالتالي، «لم يعد له حق في منعنا من الدفاع عن أنفسنا، ولو اقتضى ذلك دخولنا في معارك سياسية».

تعليقات: