الحرب على سوريا والنتائج المحتملة

العميد أمين حطيط
العميد أمين حطيط


أـ بعد ستة اشهر من الحراك العربي الذي سمي ثورات او انتفاضات واحتجاجات، بات واضحا الفرز بين القوى الساحة العربية والإقليمية على أساس:

1) القوى الاسلامية وفيها «الاسلامي الحركي» الذي يحتضن المقاومة ضد اسرائيل و«الاسلام السلفي الوهابي» الذي يملك المال والسلطة في دول النفط العربي والاسلام المعصرن المنفتح على الغرب وعماده اليوم «الاخوان المسلمون»، و«الاسلام التعبدي الصوفي» المتعدد الطرائق وأخيرا العامة المتدينة التي تتخذ مواقف سياسية انتقائية بين هذا وذاك وفقا للظرف وقدرة الآخر على الجذب بالترغيب والترهيب. واللافت أن التيارات الثلاثة الاولى هي على قدر من التنافس الذي يبلغ حد العداء والاستعداد للمواجهة في ما بينها في الوقت الذي نجد الآخرين حذرين في الالتحاق بأي فريق يتوسل الشارع والميدان لفرض النفوذ.

2) القوى العلمانية، وهي ايضا متعددة المذاهب من القوميين، والوطنيين، واليسار (وهو متعدد في داخله ايضا) والقوى الليبرالية او النيو ليبرالية البورجوازية.

ب ـ في ظل هذه الخريطة السياسية للقوى العربية نفذت قوى غير عربية لتؤثر في هذا الحراك وتقوده لتحقيق اهداف وسياسات تعنيها فتبلورت في ذلك اتجاهات اساسية اربعة كبرى تتفاوت في اهدافها ووسائلها كالتالي:

1) الاتجاه الاول المحتضن اميركيا والمؤيد اسرائيلياً وهو اتجاه «الاسلام الوهابي» بالقـيادة الســعودية التي تطمح ان تضع اليد على مصر وأن تستـبدل النظام السوري القائم بنظام سلفي يتبع لها ويمكنها من العودة الى لبنان بقوة إلغائية ايضا، وتراهن السعودية على هذا الامر لانه سيعوضها كل الخسائر الاستراتيجية التي نزلت بها في العقد الاخير خاصة في العراق ولبنان وعلى الساحة الفلسطنية ويمكنها من العودة الى تزعم العالم الاسلامي.

2) الاتجاه الثاني المدعوم اميركيا وغربيا وهو الاتجاه الاسلامي الاخواني (الاخوان المسلمون) المعصرن، والذي تصدرت تركيا لتكون الراعي الاقليمي له خاصة بعد التفاهم الاستراتيجي بين اميركا والاخوان المسلمين بمسعى وتشجيع بريطاني. وتطمح تركيا عبر «الاخوان المسلمين» الى وضع اليد على الحكم في سوريا ومصر وإنتاج سلطة شبيهة بالسلطة المدنية التركية القائمة على شكل اسلامي وجوهر مدني عصري، مستند الى تفاهم مع الجيش ومستفيد من قوته. وهنا يبدو المشهد التناحري بين تركيا والسعودية كدول اقليمية وبين الحركة السلفية والاخوان المسلمين كتيارات اسلامية، حيث يظهر التنافس على الارض ذاتها، ولتحقيق اهداف متناقضة، مع انخفاض في سقف امكانية التفاهم واللقاء على منطقة مشتركة في ظل النزعة الالغائية الانكارية التي يبديها التيار السلفي في وجه الآخـرين ومنهم «الاخوان المسلمون».

3) الاتجاه الثالث المحتضن ايرانيا، وهو «الاسلام الحركي»، والذي ينتظم في قوى المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين وله بعض الامتدادت في دول عربية اخرى (من غير الوصول الى التسلح)، ويسعى هذا التيار الى مواجهة الهيمنة الغربية على المنطقة ومواجهة اسرائيل ولا يتردد بالقول إن هدفه إزالة اسرائيل والنفوذ الاميركي من الوجود في المنطقة. ويتحالف هذا التيار استراتيجيا مع النظام العلماني في سوريا ويدعمه الى الحد الاقصى لانه يرى فيه ضرورة استراتيجية بالغة الاهمية له لا يمكنه ان يفرط بها لان في خسارتها ضربة قوية للمشروع «السيادي الاقليمي» الذي عمل له قد تؤدي الى اجهاض الكثير من مكتسباته وإنجازاته في العقود الثلاثة الماضية وتعرقل مسيرته المستقبلية.

4) اما الاتجاه الرابع وفيه القوى العلمانية فيسجل غياب الدعم الخارجي المنظور له، وكذلك تشتت هذه القوى، برغم ما تحاول ان تظهره من تفاهمات بينها. وتحاول هذه القوى عبر تفرعاتها ان تحجز لنفسها موقعا في السلطة في مصر، وأن يكون لها اليد الطولى في سوريا، سواء مع استمرار النظام القائم او في حال تغييره. لكنها تخشى في سوريا من التغيير الجذري، ووقوع السلطة بيد احد التيارين الاسلاميين المدعومين اميركيا (السلفي او الاخواني) لانه في هذه الحالة لن يكون للقوى هذه ما يلبي طموحاتها ان لم يكن الوضع اسوأ خاصة اذا استولى التيار السلفي على الحكم.

ج ـ بمراجعة لتلك الخريطة ومجالات عمل الفرقاء فيها، نجد ان سوريا هي ارض مواجهة بين تيارات اربعة يخوض كل منها المعركة دفاعيا او هجوميا مستفيدا مما لديه ومن الدعم المكتسب كالتالي:

1) يخوض النظام السوري الحاكم معركة دفاعية وجودية ضد السلفيين والاخوان المسلمين، ومعركة دفاعية نفوذية في مواجهة العلمانيين، مع استعداده للاصلاح في سقف معقول من دون ان يصل الى اعادة النظر بالسياسة والخيارات الاستراتيجية الاساسية في مواجهة اسرائيل أو في علاقته بجبهة الاسلام الحركي المقاوم. ويعمل النظام مستفيدا في الداخل من اوراق عدة منها الجيش والاكثرية الشعبية عامة وإجماع الاقليات (العلوية والمسيحية والارمنية والكردية والتركمانية والشيعية) على دعمه فضلا عن البورجوازية السورية والسنية خاصة في دمشق وحلب ويستفيد ايضا خارجيا من الدعم الروسي والصيني ومن دعم الاطراف الاخرى في جبهة المقاومة والممانعة التي ترى في الشأن السوري ايضا معركة دفاعية لها لا يمكن ان تقبل بخسارتها وهي كما يبدو عاقدة العزم للذهاب حتى نهاية المطاف في هذه المواجهة. ونعتقد ان بيد النظام من الاوراق الاستراتيجية الكبرى ما يجعل معركته الدفاعية مريحة وشبه مضمونة النتائج لكنها قد لا تكون قصيرة او سريعة الحسم في ايام وأسابيع.

2) اما التيار السلفي الوهابي فإنه يخوض معركته الهجومية مستفيدا من قدرات مالية وإعلاميــة واسعة ومن وجود منظمة اقليمية متنامية (مجلس التعاون الخليجي بعد انضمام الاردن والمغرب) ومن قدرات في لبنان تمكنه من التغلغل في الساحة السورية، ولكن الاخطر في سلاح هذا التيار هو نزعته التكفيرية واستسهال فتوى القتل لديه الى درجة قبول فقهائه بقتل الثلث من الشعب من اجل حياة الثلثين، اي وبالترجمة على الساحة السورية، جواز قتل 8 ملايين من اجل بقاء 16 مليونا، وهنا مخاطر كبرى تحدق بالاقليات في سوريا وعديدها يناهز 8 ملايين. اما الدعم الخارجي فإنه يستمد بشكل اساس من اميركا خاصة ومن العرب عامة التي ترى في الضغط على النظام بمثل هذا التيار امر يمكنها على الاقل من ضبط سلوكه.

3) ومع التيار الثالث - تيار الاخوان المسلمين - نجد انه يخوض في سوريا معركة هجومية ثأرية انتقامية، يبتغي منها الثأر لاحداث 1982، ووضع اليد على السلطة منفردا او بالتعاون مع تيارات فرعية أخرى لا يكون الوهابيون في عدادها. ويدير هذا التيار معركته مستفيدا من قاعدة شعبية (لا يمتلك مثيلها التيار الوهابي) ومن تنظيم وأطر نائمة منذ زمن، ومن دعم اقليمي تمثله تركيا وإمكانات سياسية وإعلامية ومالية وفرتها تحالفاته الاقليمية والدولية بالرعاية الاميركية المباشرة، وإن طموحه الاساس هو استبدال النظام القائم بآخر يكون في قبضته، لكنه لا يوصد الباب امام فرضية استمرار النظام مع اصلاحات تجعله شريكا متقدما عن سواه في السلطة (وهذا ما تعمل عليه تركيا بشكل خفي) وأن تكون له كلمة الفصل في القرار الداخلي والفيتو على السياسات الخارجية.

4) التيارات العلمانية، قد تكون الاوهن بين التيارات الاربعة ميدانيا وهي حاذرت حتى الآن - وأعتقد انها ستستمر- اللجوء الى العنف والقتل كما فعل التيار السلفي والتيار الاخواني، وهي تراهن على القدرة على اجتذاب الجمهور بالكلمة والنظرية والعاطفة. لكن امكاناتها يبدو انها محدودة خاصة في المال والاعلام وقاعدتها الشعبية لا تغري بالقول بإمكان وصولها الى موقع مؤثر في النتيجة التي ستنتهي اليها الحال السورية. وهي ستكون خاسرة كليا مع وصول التيار السلفي، وخاسرة مع التيار الاخواني، وقابلة لتحقيق بعض المكاسب من جراء الاصلاحات التي يعزم عليها النظام العلماني القائم.

وأخيرا اين موقع الشعب السوري من هذا الصراع؟ سريعا نقول إن للشعب السوري الحق بأن يستفيد من اصلاحات مطلوبة، ولكن ينبغي التنبه على المقلب الآخر، وهو ان ما تعيبه المعارضة اليوم على النظام القائم ستقوم هي بأفظع منه ان وصلت الى السلطة، خاصة مع التياريين السلفي والاخواني، فضلا عن ان تمكن احد هذين التيارين من الوصول هو امر بالغ الصعوبة في موازين القوى القائمة، اضافة الى ان تغيير النظام في سوريا يعني وببساطة تغييرا لكل البيئة الاستراتيجية في الشرق الاوسط، لذلك سنجد ان اهل النظام ومحتضنيه سيدافعون عنه دفاعا مستميتا، فإن لم يتمكنوا من الفوز فإنهم بالمقابل لن يتركوا الخصم يحكم، وهنا يعني وبكل بساطة دخول سوريا والمنطقة في احد وضعين: حالة عدم استقرار طويلة تنتشر في المنطقة خاصة لبنان والاردن، او الذهاب الى التقسيم الذي لن يتوقف في سوريا بل يتمدد الى محيطها وقد لا يكون احد في المنطقة بمنأى عنه.

إن فوز النظام في معركته الدفاعية هو الارجح مع معاناة للشعب السوري تطول لاسابيع واشهر معاناة الشعب الذي اتخذه البعض رهينة في معركة ظاهرها من اجله وحقيقتها من اجل خيارات استراتيجـية ودولية بعيدة، اما فشل النظام - وهو في نظر النظام وحلفائه ممنوع - فإنه سيكون كارثة امنية وسياسية واستراتيجية على المنطقة برمتها سيكون المسيحيون ولبنان اول الضحايا فيها.

* العميد أمين حطيط ـ باحث استراتيجي

وقائد كلية القيادة والاركان اللبنانية سابقاً

تعليقات: