الفنانة ريما خشيش
رقص وموسيقى.. أغان وملصقات من أفلام صباح.. في «مهرجان ربيع بيروت»
تُختتم الدورة الثالثة لـ«مهرجان ربيع بيروت» مساء اليوم، في صالة «أسامبلي هول» في «الجامعة الأميركية في بيروت»، بحدثين متكاملين: أمسية غنائية لريما خشيش تُقدّم فيها مجموعة من أغنيات الفنانة اللبنانية صباح، غنّتها في بعض أفلامها السينمائية (التاسعة مساء)، ومعرض ملصقات خاصّة بأربعة وأربعين فيلماً من أفلامها تلك (السابعة مساء). بهذا الاحتفال، يمتزج صوت ريما خشيش بصُوَر سينمائية مفتوحة على زمن جميل ولّى، ومشغولة بحرفية أناس صنعوا من الصورة سحراً، ومن الفن إبداعاً، ومن اللغة طريقاً إلى متعة القلب والروح معاً. بهذا الاحتفال، تقف ريما خشيش مجدّداً على خشبة مسرح، لتغنّي بعض أجمل ما أنشدته صباح في زمنها المتجذّر في ذاكرة جماعية، وفي لحظتها المنفلشة إلى الراهن. وذلك أمام ملصقات سينمائية تعيد إلى الانفعال أعواماً من حرفية السينما الغنائية العربية، ومن براعة المزيج الفني المتنوّع في كتابة فصل بديع من الفصول الجميلة القليلة في التاريخ العربي.
قبيل الاستماع إلى صوت ريما خشيش يستعيد شيئاً من النبرة الإبداعية لصباح، يُشاهد المهتمّون بالفنون الجميلة ملصقات سينمائية لأفلام أسهمت في تثبيت مكانة صباح، التي أضافت، بمشاركتها التمثيلية والغنائية في الأفلام تلك، شيئاً من سمات مرحلة غنية بالإبداع والتنوّع، مع أنها مثيرة لنقاش نقدي مختلف. مع ريما خشيش وملصقات عبّودي أبو جودة، تكتمل دائرة الاحتفال بصباح.
..
ريما خشيش
للسينما الغنائية العربية، المصرية أولاً واللبنانية المطعّمة بالنكهة المصرية ثانياً، حضورٌ فاعل في التاريخ الإبداعي لصناعة الصورة العربية. حضورٌ لم تنجح الخطوات اللاحقة في كسره أو تجاوزه أو إلغائه، على الرغم من «نجومية» مطربين دخلوا عالم التمثيل السينمائي من دون أن يثبتوا فيه طويلاً. لريما خشيش اختبار سابق في هذا المجال: اختيار أغنيات مُنجَزة خصيصاً بهذا النوع السينمائي، المازج طرباً وحيوية شعبية وقصصاً عاطفية ومسارات حياتية مختلفة. اختيار أغنيات لكبار أثروا الذاكرة الجماعية بنتاج بديع، لحناً ونصوصاً وأداءً وصوتاً ونبرة، وجعلوا اللحظة السينمائية نوعاً من تمرين إضافي على تواصل حسّي مع مستمعين، انجذبوا إلى الصورة لمُشاهدة من يعشقون نتاجه، وللاستماع إلى نتاجه هذا أيضاً. ريما خشيش، المتفرّدة إلى حدّ كبير بين أقرانها بالتزامها تراثاً طربياً واشتغالاً ميدانياً لتفعيل هذا الشقّ الإبداعي بأدوات عصرية، ظلّت أمينة إزاء اللغة التراثية، وإن طعّمتها بما يتناسب وروح اللحظة الراهنة أحياناً.
غنّت ريما خشيش مختارات من أعمال صباح، في أمسية نُظِّمت في إطار برنامج تكريم الفنانة اللبنانية الكبيرة في الدورة السابعة (12 ـ 19 كانون الأول 2010) لـ«مهرجان دبي السينمائي الدولي». وتغني اليوم مختارات من أعمالها السينمائية، إلى جانب معرض يضمّ أربعةً وأربعين ملصقاً لأربعة وأربعين فيلماً: «إنه البرنامج نفسه الذي وضعته خصيصاً بمهرجان دبي»، قالت ريما خشيش، مضيفة أنها اختارت أعمالاً منتمية إلى المرحلتين المصرية واللبنانية لصباح، كاشتغالها لبنانياً مع الأخوين عاصي ومنصور الرحباني وفيلمون وهبي وغيرهم من عمالقة الفن الغنائي اللبناني والعربي: «حاولت اختيار أغنيات تُشبهني، سواء كانت لمحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، أم لمنير مراد ومحمد الموجي. وهذا ناتجٌ ليس من حساسية تلك الأغنيات بالنسبة إليّ فقط، بل لأني أردتُ تقديم بعض العناوين غير المعروفة كثيراً لصباح. ثم إن حريتي في وضع البرنامج أتاحت لي التحكّم بعملية الانتقاء. أودّ القول إني لا أعرف أغنيات كثيرة لصباح. لهذا، ولأني مُطالبة بالتزام أغنيات خاصّة بأفلام سينمائية مثّلت فيها صباح، وجدت نفسي أغوص في هذا العالم، وأبحث عن المختلف. أمضيتُ شهرين اثنين كي أحضّر البرنامج. وأيضاً، كي أحفظ الأغنيات المختارة».
أعادت ريما خشيش اختيار صباح لتكريمها في «مهرجان ربيع بيروت»، تزامناً مع بدء تصوير مسلسل تلفزيوني خاصّ بسيرتها، إلى «الصدفة». أكّدت أن الاحتفاء الأول بها كان في مهرجان دبي: «انطلق تنفيذ المشروع التلفزيوني في تلك الفترة تقريباً. وبعد إبداء منظّمي «مهرجان ربيع بيروت» رغبتهم في تكريم الفنانة، أُعلن عن تكريمها في مهرجانات بيت الدين أيضاً. أعتقد أن صباح تستحقّ هذا. أو أكثر من هذا». في مهرجان دبي، اعتاد منظّموه تكريم فنانين مختلفي الأمزجة والاتجاهات والأعمال: «يومها، اختاروا صباح لأنها مثّلت في نحو ثمانين فيلماً. إنها جزء أساسي من صناعة السينما الغنائية. مرّ وقتٌ طويل لم ينتبه أحدٌ إلى هذا الجانب في سيرتها. لم أتخيّل نفسي يوماً وأنا أقدّم أمسية كاملة عنها ولها ومنها». في الأمسية هذه، تُغنّي ريما خشيش اثنتي عشرة أغنية: «منها ما هو منتم إلى الطرب الشعبي. اخترتُ أعمالاً من أفلام عدّة، منها «لحن حبّي» (1953) لأحمد بدرخان، و«ازّاي أنساك» (1956) لبدرخان أيضاً، و«إغراء» (1957) لحسن الإمام، و«شارع الحبّ» (1958) لعز الدين ذو الفقار، و«العتبة الخضراء» (1959) لفطين عبد الوهاب، وغيرها. اخترتُ لفريد الأطرش لأني أحبّ نمط اشتغاله. لأن في أعماله طرباً شعبياً. اخترتُ لمنير مراد، لأن فيه شيئاً «مودرن»، «رومبا» وإيقاعات غربية».
..
عبودي أبو جودة
منذ زمن بعيد، أولى الناشر عبودي أبو جودة اهتماماً كبيراً بملصقات الأفلام، اللبنانية والمصرية أساساً. سعى إلى جمعها والاحتفاظ بها. ملصقات قديمة جداً، وطبعات أولى لعدد كبير منها في معرض. اليوم، يُطلّ أبو جودة ومختارات من ملصقاته بفضل صباح. بفضل «مهرجان ربيع بيروت»، الذي اختار الاحتفاء بها، من خلال ملصقات أفلام مُنجزة بين العامين 1945 («القلب له واحد» لبركات، تمثيل صباح وأنور وجدي) و1980 («ليلة بكى فيها القمر» لأحمد يحيى، تمثيل صباح وحسين فهمي).
لتحقيق هدفه هذا، جال عبّودي أبو جودة على صالات سينمائية كثيرة في مصر ولبنان تحديداً. سأل عن الملصقات. صناعة الملصق تمّت في مصر، وليس في بيروت. حتى مرحلة الستينيات اللبنانية نفسها، كانت تُصنع الملصقات في القاهرة».
لم يكتفِ عبودي أبو جودة بتقديم ما لديه من ملصقات إلى منظّمي «مهرجان ربيع بيروت». فهو، بفضل خبرته في هذا المجال، ساهم في عملية الاختيار، «إنها مختارات من المرحلتين المصرية واللبنانية لصباح. اخترتُ الطبعات الأولى للملصقات. أي الملصق الأصلي. طبعاً، هناك تكييف للاختيار مع الأغنيات التي ستقدّمها ريما خشيش». رأى أبو جودة أن هذا الفن لم يأخذ حقّه من الاهتمام: «هؤلاء الفنانون الذين صنعوا الملصقات مهنيون ومحترفون بشكل راق جداً. هذا النوع من الفن محتاج إلى وقت وجهد ومثابرة ودقّة، في عملية صنعه. الناس جميعهم يحكون عن صباح. حاضرةٌ هي في ذاكرتهم بصورة معينة. بالنسبة إليّ، أرى أنها امرأة عصرها. الآن، في المعرض هذا، إذا نظرتَ إلى الملصقات بشكل متسلسل، تكتشف ما يُشبه سيرة حياتها، بين ملصق أول فيلم (القلب له واحد) وملصق آخر مسرحية لها «الأسطورة». إنه خطّ حياتها. هناك نقص في ملصقات أفلامها الكاملة. لكن التسلسل يُقدّم صورة عن سيرتها». أضاف عبّودي أبو جودة: «إذا سألتني شخصياً عن فيلم عربي ما، فإني أتذكّر أولاً ملصقه، أكثر مما أتذكّر الفيلم وحكايته. أول انطباع لديّ هو الملصق. في المقابل، غالبية المنتجين ممثلين ومطربين، كفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وشادية وعبد الحليم حافظ وغيرهم، وكل واحد من هؤلاء يريد من الملصق أن يُبيّن صورته وشخصيته في الفيلم، أكثر من مضمون الفيلم. هناك أمرٌ آخر: ملصق «ثورة المدينة» (1953) لحلمي رفلة (صباح ومحمد فوزي) مثلاً منقول عن ملصق «ذهب مع الريح» (1939) لفيكتور فلمينغ. لكن، لا توجد ثورة في الملصق ولا أي شيء من هذا القبيل. ملصقات عديدة منقولة عن مثيلاتها الغربية. ثم إن الملصق في تلك الفترة عاملٌ جاذبٌ لدخول الصالة ومشاهدة الفيلم، إذا كان من بطولة سعاد حسني أو فريد شوقي أو رشدي أباظة، أو غيرهم من الأبطال الشعبيين».
تحقيق فيديو مصوّر للتلفزيون الجديد حول ريما خشيش 26MB
تحقيق فيديو مصوّر للتلفزيون الجديد حول ريما خشيش 63MB
تعليقات: