نازحون في إحدى مدارس العاصمة (أرشيف ــ مروان طحطح)
عاشت المؤسسات التربوية عاماً دراسياً استثنائياً، بعدما نالت نصيبها من التضرر والتدمير جراء حرب أجهزت على مقومات الحياة. فقد أصاب عدوان تموز ـــــ آب 2006 المدارس الرسمية والخاصة في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع بالعمق، ووصلت الأضرار في بعض المؤسسات إلى حد التدمير الكلي. وإذا كانت مدارس بيروت وجبل لبنان والشمال قد سَلِمَت من العدوان فهي لم تنجُ من الأضرار، بعدما لجأ إليها النازحون من المناطق المستهدفة.
لم يكد العدوان يضع أوزاره حتى تجنّدت وزارة التربية والتعليم العالي، بالتعاون مع الدول العربية والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والأجنبية، لإعادة بناء ما تهدّم من المدارس وترميم ما تضرر منها. وعلى الفور، أجرت الوحدة الهندسية في الوزارة (ECU) مسحاً ميدانياً للأضرار التي لحقت بالمدارس الرسمية في مختلف المناطق المتضررة (ما عدا محافظتي الجنوب والنبطية حيث قامت إحدى المؤسسات بهذا العمل ومن ثم أجرى البنك الدولي دراسة تقويمية خلص بنتيجتها إلى وضع خطة وأسلوب للعمل المطلوب). وكشفت الوحدة الهندسية بالتعاون مع مكاتب استشارية لهذه الغاية على 505 مدارس تضرّرت من جراء النازحين، و40 مدرسة في الضاحية الجنوبية والبقاع أصيبت بالقصف.
ثم تابعت الوحدة الهندسية مع المعنيين ترميم وإعادة بناء المدارس الرسمية والخاصة المتضررة التي بلغ عددها 791 مدرسة. وقد مُوّلت 438 مدرسة بمنح ومساعدات من مختلف الدول العربية والمؤسسات الأجنبية والمحلية، فيما تولّت الهيئة العليا للإغاثة إصلاح 353 مدرسة تضررت من النازحين في المناطق اللبنانية كافة. وواكبت الوحدة الهندسية تركيز الوحدات الجاهزة المؤقتة المقدمة هبةً من الدولة التركية للمناطق اللبنانية المتضررة، وهي عبارة عن 28 وحدة تعليمية بمساحة 314 م2 للوحدة، و12 وحدة بمساحة 564 م2 للوحدة (مع إمكانية إضافة 20 وحدة أخرى لم تُحدّد مساحتها في مرحلة ثانية). واشترط الواهب استخدام الوحدات مدارسَ رسمية. يذكر أنّه وصل إلى لبنان حتى الآن 28 وحدة، فيما لا تزال 12 وحدة أخرى قيد الشحن حالياً وقد وزعت الوحدات وفقاً للأولويات والحاجات الملحة.
بالعودة إلى مشاريع الترميم وإعادة البناء، فقد تبنّت دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن «المشروع الإماراتي لدعم وإعمار لبنان»، ترميم وإعادة بناء جميع المدارس التي تضررت بفعل العدوان في محافظتي الجنوب والنبطية (268 مدرسة)، متعهدة بإصلاح الأضرار الناتجة من العدوان. من جهتها، التزمت دولة قطر إعادة إعمار أربع قرى في الجنوب هي الخيام، عيتا الشعب، عيناتا، وبنت جبيل، وكان من ضمن ما تعهد به المشروع القطري ترميم 25 مدرسة رسمية وخاصة وتحسين مواصفات هذه المدارس عما كانت عليه وذلك في القرى الأربع. ثم وسّعت قطر مهمتها لتشمل خمسة أبنية مدرسية في قرى متفرقة في كفرشوبا وحاصبيا ومروحين وأم التوت ويارين، ليصبح المجموع 30 مدرسة. وعملت الجمعية القطرية أيادي الخير نحو آسيا ( Rota: reach out to Asia) على تأثيث هذه المدارس (توفير الأدوات والتجهيزات المكتبية).
وبالنسبة إلى الدور الإيراني، يشير ممثل الجمهورية الإسلامية المهندس حسام خوش نويس إلى اصطدام الهيئة الإيرانية للمساهمة في إعمار لبنان بعدم تجاوب الحكومة اللبنانية بشخص رئيسها فؤاد السنيورة مع الاستعداد الإيراني لإعادة إعمار المراكز التربوية والمساجد ودور العبادة والطرقات والجسور وإزالة الألغام. ولم تفضِ الجلسات التي عقدها موفد رئيس الجمهورية الإيرانية آنذاك مع رئيس الحكومة إلى أية نتيجة، ما دعا الهيئة إلى التواصل مع الوزراء المعنيين. فعلى الصعيد التربوي، وجّهت الهيئة كتاباً إلى وزير التربية والتعليم العالي خالد قباني أبدت فيه رغبتها في ترميم وإعادة بناء 200 مدرسة في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع. وهنا يقول خوش نويس: «لقد منعونا من العمل في الجنوب». بدوره، يوضح قباني أنّ الهيئة أتت في وقت متأخر حيث كانت الإمارات العربية المتحدة قد أخذت على عاتقها كل الجنوب وبدأت بالعمل الميداني، مؤكداً «أننا رحبنا بمبادرة الإيرانيين بترميم وإعادة بناء المدارس الخاصة في الضاحية الجنوبية والبقاع».
وحتى أواخر شهر أيار الماضي، كانت الهيئة قد أنجزت 86 مركزاً تربوياً من أصل 200. ولا يزال هناك 60 مركزاً قيد الإنشاء، والباقي قيد الدراسة والطلب. ويلفت خوش نويس إلى «أنّ التكلفة بلغت حتى الآن 7 ملايين و365 ألف دولار أميركي».
ومن المؤسسات التي عملت في مجال الترميم وإعادة البناء وكالة التنمية السويسرية التي تسلّمت 63 مدرسة في المناطق المتضررة كافة، ما عدا الجنوب والنبطية، ومؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية (10 مدارس في الضاحية الجنوبية)، كاريتاس (مدرستان)، Mercy Corps (40 مدرسة)، الجمعية الأرثوذكسية المسيحية الخيرية IOCC (22 مدرسة)، فرح العطاء (3 مدارس).
وفي مرحلة لاحقة أقرت الحكومة الكورية مبلغ 6 ملايين دولار أميركي، بموجب باريس ـــــ3، وستنفّذ مجمعاً مدرسياً رسمياً في بلدة تبنين الجنوبية وثانوية رسمية في بريتال ــــــ قضاء بعلبك.
وفي ما يتعلق بمؤسسات التعليم المهني والتقني، فقد مسحت مؤسسة ألمانية (KFW) الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بهذا القطاع، وأنجزت ترميم 30 مدرسة مهنية، تضررت اثنتان منها بشكل أساسي في الهرمل وسير الغربية. ويساعد الفريق الألماني مكتب استشاري على بناء مدرسة مهنية جديدة في سير الغربية وإعادة بناء مهنية في الهرمل.
على صعيد آخر، تلقت وزارة التربية والتعليم العالي عروضاً للمساعدة ما بعد الحرب، أبرزها المشروع الذي تقدمت به جمعية Architectes D Urgences الفرنسية لتمويل بناء ثلاث مدارس جديدة وترميم ثلاث مدارس موجودة. وقد قُدّرت كلفة المشروع بحوالى 4,5 ملايين دولار أميركي.
وهكذا أنهت المؤسسات المساهمة أعمال الترميم وإصلاح الأضرار في بداية تشرين الأول الماضي حيث سلّمت المباني لوزارة التربية، على أن تتسلم هذه الأخيرة المدارس المهدمة كلياً خلال الأشهر القليلة المقبلة، بعدما استغرقت الأعمال فيها سنة كاملة. أما التلامذة الذين كانوا يدرسون في المدارس المهدمة في الجنوب، فوُزّعوا على المدارس والمهنيات التي رممت في المنطقة نفسها، بمعنى أنّ الوزارة لم تغيّر في البيئة المدرسية لهؤلاء التلامذة.
من جهة ثانية، تعاونت الوزارة مع المنظمات الدولية والأهلية ولا سيما منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) والمنظمة الدولية للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للأولاد الذين تعرضوا لمخاطر العدوان، إما عبر التشريد أو مشاهدة الدمار أو حتى من خلال التعرض لإصابات مباشرة، فنُظمت للغاية دورات تأهيل ودعم نفسي واجتماعي.
وانطلق العام الدراسي في 9 تشرين الأول في المدارس الخاصة وفي 16 تشرين الأول في المدارس الرسمية، متحدياً إرادة العدوان في شلّ الحركة التربوية وضرب السنة الدراسية. وقد أعلنت وزارة التربية 9 تشرين الأول يوم تضامن وطني لكل مدارس لبنان الرسمية والخاصة، وحرص قباني في 16 تشرين الأول على تفقد مدارس الجنوب للتأكد من جهوزيتها واستعدادها لاستقبال التلامذة.
لم تكن المباني المدرسية التحدي الوحيد أمام العام الدراسي الاستثنائي، فقد كان هناك اهتمام بالرسوم المدرسية، للتخفيف عن كاهل شعب خسر كل مقومات الصمود، ولم يعد قادراً على توفير مستلزمات الحد الأدنى. فتقدمت المملكة العربية السعودية بهبة تقضي بتغطية الرسوم المدرسية في كل مراحل التعليم ما قبل الجامعي لتلامذة المدارس الرسمية في المناطق اللبنانية كافة. بدورها، وفّرت دولة الإمارات العربية المتحدة الكتاب المدرسي المجاني لكل تلامذة المدارس الرسمية. وعمدت إلى جانب بعض الهيئات المحلية والدولية إلى توزيع الحقيبة المدرسية والقرطاسية على التلامذة المتضررين.
وكانت الحصيلة أن استطاعت وزارة التربية، بمساعدة المؤسسات التربوية وأفراد الهيئة التعليمية والطلاب، الانطلاق بسنة دراسية طبيعية. لكنها لم تخلُ من أحداث دفعت وزير التربية إلى إقفال المدارس الرسمية والخاصة والجامعات لأيام قليلة بغية احتواء مفاعيلها، ولتجنيب المؤسسات إمكانية التأثر بالأوضاع السياسية. وتوجه قباني إلى كل القيادات السياسية من أجل تحييد المدارس عن الصراع السياسي القائم وإنقاذ السنة الدراسية. وعُقدت جلسة في مجلس النواب برئاسة النائبة بهية الحريري ومشاركة رؤساء المؤسسات التربوية في الأول من شباط الماضي عقب حادث جامعة بيروت العربية الذي وقع في 25 كانون الثاني. وكان للجلسة أثر في إعادة المسيرة التربوية في المدارس والجامعات.
وفيما كان العام الدراسي يشرف على نهايته، اصطدمت المدارس مرة جديدة بحدث الاعتداء على الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد، إلاّ أنّ وزير التربية رفض إقفال المؤسسات التربوية، وطالب بمتابعة إعطاء الدروس في مختلف المدارس الرسمية والخاصة والجامعات، على رغم الضغوط التي مارسها الأهالي والهواجس التي كانوا يعيشونها. لكنّ الوزير أصر على أن لا يكون هناك تعديل في مواعيد الامتحانات، وتجاوب الأهالي والمدارس مع نداءاته المتكررة، لتتمكن الجهود المشتركة من إنهاء البرامج وإنجاز الامتحانات النهائية والرسمية في موعدها.
الإمارات توزع حقائب مدرسية على الأطفال
تعليقات: