مياه نبع الطاسة لا تصل إلى القرى البعيدة
30 ألف متر مكعب من المياه تذهب هدراً ونبع الطاسة استهلك بنسبة 95 ٪
تروي مياه نبع الطاسة معظم أهالي منطقتي النبطية وإقليم التفاح. وتعدّ «مصلحة مياه نبع الطاسة وتوابعه»، قبل دمجها منذ حوالى سبع سنوات ضمن «مصلحة مياه لبنان الجنوبي»، ثاني أكبر مصلحة للمياه العذبة في لبنان، بعد «مصلحة مياه بيروت»، لكونها تغطي نظرياً حوالى 180 بلدة وقرية في مناطق صيدا، والنبطية، وجزين، والزهراني، وقسماً من البقاع. وهي تعتمد على 132 نبعاً، وبئراً، ومصدراً للمياه، يأتي في طليعتها نبع الطاسة الذي يضخ مع بعض توابعه 25 ألف متر مكعب في ذروة طاقته في فصل الشتاء، و15 ألف متر مكعب في فصل الصيف. ويغذي النبع قسماً من مدينة النبطية وحوالى 25 بلدة في منطقتي النبطية وإقليم التفاح، بالإضافة إلى «مشروع آبار تفاحتا» (22 ألف متر مكعب)، و»مشروع آبار فخر الدين» (15 ألف متر مكعب)، و»مشروع آبار جزين» (6 آلاف متر مكعب)، و»مشروع آبار مجدليون»، و»مشروع عين القبي» في جباع، إلى «مشروع البراك» في الصرفند، الذي لم ينتهِ تجهيزه بعد لأسباب تقنية، ومن المفترض أن تصل طاقته إلى عشرة آلاف متر مكعب. وتستثمر تلك المشاريع وعدد من الآبار التي حفرها «مجلس الجنوب» و»مجلس الإنماء والإعمار»، جميعها من قبل المصلحة المذكورة.
ويزيد عدد المشتركين في «مصلحة مياه نبع الطاسة وتوابعه» عن 60 ألفا، يستفيدون من 61 ألف متر مكعب، فيما تضخ المصلحة حوالى 90 ألف متر مكعب، حيث تذهب الكمية المتبقية هدراً في رشح القساطل والأنابيب والشبكات القديمة، وخاصة في قسم من «شبكة الأترنيت الفخارية»، وفي تبخر ورشح الخزانات الكبيرة والمتوسطة التي يقارب عددها حوالى 300 خزان، فضلاً عن التعديات على الشبكة من قبل مستفيدين غير شرعيين يستعملون المياه في ريّ المزروعات الصيفية في عدد من القرى والبلدات، الأمر الذي يؤثر سلباً منذ سنوات عديدة على تغذية عدد من القرى البعيدة والأماكن المرتفعة بالمياه، ما يضطر أهاليها لشراء المياه طيلة فصل الصيف، مع ما يترتب عليهم من أعباء مادية مضاعفة في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية التي يعانون منها. ويبلغ بدل الاشتراك السنوي في المتر المكعب الواحد من المياه 221 ألف ليرة، في الوقت الحالي، بعدما كان 121 ألف ليرة قبل العام 2003.
المشتركون والتعديات
في محاولة منها لمنع التعديات على شبكة المياه، يوضح مصدر في المصلحة أنها «دعت مراراً المستفيدين غير الشرعيين للتقدم من صناديقها لتشريع اشتراكاتهم، بحسم يصل إلى خمسين في المئة، لكن الكثيرين لم يعيروا الأمر أي اهتمام يذكر، إضافة إلى محاولة المصلحة قمع المخالفين والمعتدين بواسطة فرق قمع المخالفات، وتحرير محاضر ضبط بحقهم، وتحويلها إلى الجهات القضائية المختصة. وهي تتراوح بين مليون وثلاثة ملايين ليرة»، مشيراً إلى أن «حجم الجباية يصل إلى 75 في المئة، تغطي من خلالها المصلحة رواتب الموظفين والإداريين، وفواتير مؤسسة الكهرباء، والصيانة، والمحروقات، والمشاريع المستحدثة».
ويكمن الحل الجذري لمنع التعديات، وفق المصدر، من خلال «القيام بتبديل الشبكات القديمة الرئيسية والفرعية في القرى والبلدات»، مشيراً إلى «قيام وزارة الطاقة والمياه بتنفيذ قسم من المشروع في أجزاء من مدينة النبطية وقرى وبلدات كفرتبنيت، والنبطية الفوقا، وكفررمان، وحبوش وزبدين، على أن يعقب ذلك خطوات مماثلة في مختلف المناطق التي تتغذى من المصلحة، لكي يصار إلى القضاء نهائياً على التعديات على الشبكة والتخلص من رشح الأنابيب القديمة، عندها يمكن تغذية كافة المشتركين بالمياه».
وفي محاولة لسد النقص الحاصل في المياه إبان فصل الصيف، يوضح المصدر أن «المصلحة لجأت منذ فترة إلى حفر أربعة آبار ارتوازية وتشغيلها في محيط المركز الرئيسي لنبع الطاسة»، لافتاً إلى أنه كان «بإمكان الخط الجديد البالغ قطره 24 إنشاً وطوله 18 كيلو متراً، والذي كان سينقل الفائض من مياه نبع الطاسة إبان فصل الشتاء إلى خزانات المصلحة في بلدة شوكين، والتي قررت وزارة الطاقة والمياه تنفيذه بدعم أوروبي تبلغ كلفته ثلاثة ملايين يورو لحساب مصلحة مياه نبع الطاسة، أن يحل معضلة القرى والبلدات العطشى في أقاصي منطقة النبطية نهائياً، إلا أن اعتراض اتحاد بلديات منطقة إقليم التفاح، وأهالي المنطقة حال دون تنفيذه». ويعتبر المصدر أن «تلك الاعتراضات لم تكن في محلها، لأن الكميات التي ستسحب من النبع هي من المياه التي ستفيض عنه في فصل الشتاء بدلاً من ذهابها هدراً إلى البحر، وبإمكان القرى والبلدات المحتاجة في منطقة النبطية الاستفادة منها طيلة 6 أو 7 أشهر من السنة، وبذلك توفر المصلحة مبلغاً لا يقلّ عن ثلاثة مليارات ليرة سنوياً بدلاً من تكاليف الكهرباء، والصيانة، والمحروقات، وتشغيل المحركات، جراء اضطرارها لضخ مياه آبار فخر الدين».
وحول المشاريع البديلة لتأمين مياه الشفة في المستقبل يشدد المصدر على «وجوب التركيز على استعمال المياه السطحية بدلاً من المياه الجوفية المتمثلة في الآبار الارتوازية، التي يجب أن تبقى مخزوناً احتياطياً للمستقبل على مدى السنين المقبلة». فمياه نبع الطاسة «الذي يستفاد منه سنوياً بكمية 25 ألف متر مكعب من أصل 175 ألف متر مكعب، يذهب منها 150 ألف متر مكعب هدراً إلى البحر في فصل الشتاء، جراء عدم وجود السدود والبحيرات اللازمة، على الرغم من إنجاز الدراسات اللازمة من قبل وزارة الطاقة والمياه».
ويذكر أن «اتحاد بلديات إقليم التفاح» قد عارض بشدة تنفيذ مشروع خط الـ 24 إنشاً بطول 18 كيلو متراً، لما سيعكسه من آثار سلبية على جميع الأصعدة البيئية، والسياحية، والاقتصادية، والزراعية، لكون وادي مجرى نبع الطاسة من أجمل الأودية والمنتزهات في منطقة الجنوب، وهو المتنفس الوحيد لأهالي إقليم التفاح. وأشار الاتحاد إلى «سحب ما نسبته 95 في المئة من مياه النبع حتى اليوم، خلافاً لكل القوانين والأعراف الدولية والمحلية، الأمر الذي أضر كثيراً بالبيئة والطبيعة الجميلة في الوادي وحوّلها من الاخضرار إلى اليباس، ومن خلال المشروع يحاولون سحب الخمسة في المئة الباقية، لتنضب مياه النبع كلياً خلال فصل الصيف». وطالب الاتحاد «المسؤولين المعنيين في الجنوب وفي طليعتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري بالوقوف ضد تنفيذ المشروع المذكور»، مقترحاً بديلاً عنه «إنشاء عدد من السدود والبحيرات في منطقة الوادي الأخضر بين قرى وبلدات عربصاليم، وجرجوع، وكفررمان، وحبوش».
وكان مكتب «الدلتا للدراسات الهندسية» قد أعدّ سابقاً بناء على طلب بلدية عربصاليم دراسة عن تطوير مياه نبع الطاسة في منطقة الوادي الأخضر، خلصت إلى إنشاء ثلاث بحيرات بواسطة بناء سدود صغيرة في الوادي المذكور، وتبين من خلال الدراسة وجود كمية 25 مليون متر مكعب من المياه بين عامي 1965 و1975 في المنطقة، وفق «الراصد المائي» لمصلحتي نبع الطاسة والليطاني، أي قبل الاستغلال الكامل لمياه نبع الطاسة. وبحسب الدراسة تبين أنه يمكن حفظ كمية مليون متر مكعب من المياه من خلال بناء سدّين أو ثلاثة سدود صغيرة في عدد من الأماكن المناسبة في وادي مجرى نبع الطاسة بكلفة لا تزيد عن مليوني دولار أميركي.
وتحذر رئيسة «جمعية نداء الأرض» في بلدة عربصاليم زينب مقلد نور الدين من «الآثار البيئية والمناخية المدمرة التي قد تترتب على سحب مياه نبع الطاسة بكاملها»، مطالبة بـ «إعادة النظر في كل المشاريع التي تستفيد من مياه نبع الطاسة ضمن دراسة منظمة وتخطيط يراعيان حقوق السكان وحرمة البيئة». كما طالبت بـ «إقامة عدد من السدود على مجرى النبع للاستفادة من مياهه في فصل الشتاء، بدلاً من ذهابها هدراً إلى البحر».
تعليقات: