السيد متحدثاً إلى «السفير» (فادي ابو غليوم)
«بيلمار والمحكمة الدولية طبّقا عدالة العصابات في الإفراج عن الضبّاط الأربعة»
السـيّد: الشـائعـات عـن قـرب صـدور القـرار الظنـي
ضغوط سياسية للتهويل على البيان الوزاري والحكومة
لا تزال المعركة القانونية بين اللواء الركن جميل السيّد والمدعي العام الدولي القاضي دانيال بيلمار في أوجها بخصوص شهود الزور، ومع أنّ الأوّل سجّل نقاطاً كثيرة في سلّة الثاني باعتراف قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين الذي ألزم زميله في المحكمة بتسليم السيّد مئات المستندات والأوراق، إلاّ أنّ بيلمار المصدوم من خسارته المعنوية الكبيرة، استمرّ في حماية هؤلاء الشهود من الملاحقة لئلا يكشفوا مجنّديهم لتضليل التحقيق وتضييع دماء الرئيس رفيق الحريري، وذلك في إمعانه في التهرّب من تنفيذ القرار الإلزامي، مقدّماً سلوكاً مريباً أقلّ ما يقال فيه إنّه يسيء إلى هيبة المحكمة ومصداقيتها ويؤكّد انخراطه في لعبة تسييسها.
وكلّما أمعن بيلمار في تمييع الحقيقة، ارتكب أخطاء قاتلة أمام لاعب حريف مثل السيّد الذي قلّما يخطئ في تسديد ضربات الجزاء القانونية والسياسية على حدّ سواء، وليس آخرها الممسك المنطقي على بيلمار الذي أوقع نفسه في تناقض رهيب بشأن العلاقة التي كانت قائمة بينه وبين القضاء اللبناني منذ زمن لجنة التحقيق الدولية، إذ كان يسعى دائماً إلى الفصل بينهما للتخلّص من مطالبته بالإفراج عن الضبّاط الأربعة برغم تقييمه السلبي لشهود الزور، ولمّا اشتدّ الخناق عليه لتسليم المستندات، أخذ يتذرّع بأنّه ومدعي عام التمييز سعيد ميرزا جسد واحد ولا يمكنه التفريط بالثقة القائمة بينهما خشية الإضرار بالتعاون المستمرّ بينهما في سبيل الوصول إلى الحقيقة المطلوبة، فجاءه جواب السيّد: «بأنّ الثقة بينه وبين السلطات اللبنانية لا يجوز أن تبنى من خلال التغطية على الجرائم التي ارتكبها ميرزا وغيره في مؤامرة شهود الزور».
وقد أطلق السيّد في مقابلة مع « السفير» رسائل كثيرة وفي مختلف الاتجاهات عن المحكمة والقرار الظني والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وقضية شهود الزور وإنصاف الضبّاط الأربعة وهنا النصّ الحرفي لهذه المقابلة:
حاوره علي الموسوي
÷ يكثر الحديث حالياً عن قرب صدور القرار الظنّي ويتمّ تداول تواريخ في هذا الشأن، كما جرى ربط سفر القضاة اللبنانيين بهذا الموضوع، فما هو رأيك بذلك؟
- أريد أن أوضّح أوّلاً بأنّ سفر القضاة اللبنانيين إلى لاهاي لا يرتبط إطلاقاً بمسألة صدور القرار الظنّي، لأنّه جرى استدعاء هؤلاء القضاة للمشاركة في جلسة غرفة الاستئناف التي دعا إليها رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي من أجل النظر في الاستئناف المقدّم من قبلي ضدّ قرار قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، والمبني على اقتراح بيلمار لمنع تسليم بعض الأدلّة والمستندات الأساسية المتعلّقة بشهود الزور وشركائهم من سياسيين وقضاة وضبّاط وإعلاميين ممن تسبّبوا بالاعتقال السياسي والتعسفي للضبّاط.
وفي هذا المجال، فقد انتهت المراسلات المتبادلة بيني وبين بيلمار في 22 حزيران 2011، وبالتالي أصبح الآن، دور القاضي كاسيزي في عقد الجلسة بحضور القضاة اللبنانيين على غرار جلسة الاستئناف التي عقدتها المحكمة في العام الماضي بناء لطلبنا.
إذن، لا علاقة مطلقاً بين احتمال صدور القرار الظنّي وسفر القضاة، لكن من المؤكّد أنّ إثارة هذا الموضوع في الوقت الراهن ولا سيّما من قبل فريق 14 آذار وتيّار المستقبل بالتحديد، هي إثارة سياسية تتزامن مع مناقشة البيان الوزاري وبند المحكمة الدولية من قبل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تحضيراً لجلسة الثقة في المجلس النيابي.
وبالتالي، فإنّ هدف هذه الإثارة هو الضغط والترهيب السياسي لمنع حكومة ميقاتي من تبّني صيغة حول المحكمة الدولية مخالفة للصيغة التي اعتمدتها في السابق حكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري، بمعنى أن يعود الرئيس ميقاتي إلى التبني الأعمى للمحكمة الدولية ومن دون إثارة المآخذ الدستورية والقانونية حولها ولا سيّما تسييسها الذي ظهر جلياً من خلال رفض محاكمة شهود الزور وشركائهم لديها، وعدم فتح ملفّ تجاوزات لجنة التحقيق الدولية في لبنان.
وبالطبع، فإنّ أسلوب فريق 14 آذار وتيّار المستقبل لاستخدام المحكمة الدولية وقبلها لجنة التحقيق كأداة سياسية في الداخل اللبناني، هذا الأسلوب شهدناه تكراراً في الماضي القريب والبعيد، والكلّ يذكر كيف أنّ بداية تكليف ميقاتي تزامنت أيضاً مع إثارة موضوع القرار الظنّي، وكيف أنّ مناسبتي 14 شباط و14 آذار، أقيمتا هذا العام تحت عنوان قرب صدور القرار الظنّي.
وباختصار، وإذا كان هنالك اتهام من قبل المعارضة السابقة أيّ الأكثرية الجديدة بتسييس المحكمة الدولية، فإنّ سبب هذا الاتهام والشكوك يعود أولاً وأخيراً إلى سلوك فريق 14 آذار في محاولته لاستثمار المحكمة سياسياً في كلّ مناسبة منذ العام 2005 ولغاية اليوم، هذا بالإضافة إلى التجاوزات المرتكبة من قبل لجنة التحقيق والتسريبات التي صدرت عن أوساط المحكمة في ما يتعلّق بالقرار الظنّي واحتمال استهدافه لحزب الله بحسب اتهامات دير شبيغل وما بعدها، علماً بأنّ الرئيس سعد الحريري نفسه قد أثار مثل هذه الاتهامات، وعلماً بأنّه مؤخّراً في اجتماع المعارضة لديه في العاصمة الفرنسية باريس، ألمح إلى أنّ لديه معلومات بأنّ القرار الظني سيصدر بين 10 حزيران و15 تموز 2011.
المحكمة وجرائم لجنة التحقيق
÷ في ظل الأجواء التي ذكرتها والتباينات داخل الحكومة الجديدة حول البيان الوزاري في النصّ المتعلّق بالمحكمة الدولية، كيف ترى المخرج لهذا الموضوع؟
- دعني أقل إنّ الطريقة التي تتمّ فيها مناقشة هذا الموضوع من قبل لجنة إعداد البيان الوزاري ولا سيّما ما تسرّب عن أنّ البعض يريد صيغة السنيورة، والبعض الآخر يريد إغفال المحكمة نهائياً، والبعض الثالث يريد إحالة موضوعها إلى طاولة الحوار، والبعض الرابع يريد صياغة إنشائية يفهم منها الشيء وضدّه في موضوع المحكمة على الطريقة الميقاتية (ضحك)، كلّ تلك المناورات والمماحكات هي ذات طابع سياسي وغير مجدية لا للفريق المؤيّد للمحكمة، ولا للفريق المعارض لها، لأنّ مواجهة المحكمة تكون بسلاحها نفسه، وليس بالسلاح السياسي، أيّ أنّنا جميعاً نعرف وندرك بالأدلّة والوثائق من داخل المحكمة، ومن داخل لجنة التحقيق، ومن خارجهما، أنّ هنالك مخالفات دستورية حصلت منذ إنشاء المحكمة وأنّ هنالك ارتكابات وجرائم ليس أقلّها مؤامرة شهود الزور وقد ارتكبت في كنف هذه العدالة الدولية التي كان اسمها في السابق لجنة التحقيق وأصبح اسمها حالياً محكمة دولية، لكون هذين الجهازين منبثقين من مجلس الأمن الدولي، والخلل في أحدهما يحسب على الآخر حكماً، ولا يمكن تبرئة المحكمة من جرائم اللجنة، كما أنّه لا يمكن فصل جرائم اللجنة الدولية عن جرائم سعيد ميرزا، و إلياس عيد، وصقر صقر، وأشرف ريفي، ووسام الحسن، في مجال خرق القانون، وتجاوز قانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان، لتسهيل الاعتقال السياسي للضبّاط بواسطة شهود الزور.
إذن، يجب أن تبنى المواجهة السياسية على المعطيات القانونية والدستورية وأن نقول: لدينا محكمة دولية بموجب قرار دولي، ولدينا في المقابل، مخالفات دستورية وخرق للقوانين منذ العام 2005 وحتّى اليوم، ولدينا مؤامرة شهود زور، وأن نضع كلّ ذلك في سلّة واحدة، وفي نصّ واحد في البيان الوزاري، لا أن يقتصر الصراع حول الصيغة الإنشائية للمحكمة الدولية في البيان الوزاري، خصوصاً وأنّ المعارضة السابقة، أيّ الأكثرية الحالية، قد أثارت هذه المواضيع كمواضيع أساسية جوهرية في مواجهة حكومات السنيورة، ثمّ سعد الحريري، وأنّ موضوع شهود الزور كان من بين المواضيع الأساسية التي أطاحت حكومة هذا الأخير، فكيف يمكن لهذه الأكثرية الجديدة أن لا تضع هذه المواضيع في إطار البيان الوزاري وإخضاعها بالإضافة إلى إخضاع المحكمة الدولية، لتشريح قانوني ودستوري لاحقاً عبر المؤسّسات اللبنانية، وعندها فقط يمكن الطعن بالمحكمة الدولية وإسقاطها بالتجاوزات التي ارتكبتها هي ولجنة التحقيق الدولية من خلال مخالفة القانون والدستور اللبنانيين، وأن نواجه أيضاً المجتمع الدولي من هذا المنطلق طالما أنّ المحكمة الدولية وقبلها لجنة التحقيق الدولية قد خالفت المعايير الدولية، ولا تزال تصرّ على طمس قضيّة شهود الزور، وعلى حماية الرؤوس اللبنانية السياسية والقضائية والأمنية المتورّطة فيها حسب ما ظهر في المساجلات مع مدعي عام المحكمة دانيال بيلمار، في حين أنّ كلّ ما أطلبه حتّى الآن من هذه المحكمة لا يتعدّى تسليم الأدلّة عن شهود الزور وشركائهم، كي أتمكّن من ملاحقتهم أمام القضاء المختص في بلدانهم.
مزحة بيلمار سمجة
÷ ولكنّ المحكمة أصدرت بياناً قالت فيه إنّها سلّمتك 297 مستنداً حول قضيّة شهود الزور فكيف تفسّر ذلك؟
- بالطبع، لا أريد في هذه المقابلة، أن أخرق قواعد السرّية التي طلبها مني القاضي دانيال فرانسين، لكن ما ينبغي أن يعرفه الرأي العام اللبناني، هو أنّه مع الأسف، وبعدما اطلعت على هذه المستندات الـ297، وجدت أنّها كلّها عبارة عن مراسلاتي القانونية والشخصية التي سبق لي أن أرسلتها إلى لجنة التحقيق الدولية، والقضاء اللبناني، والأمم المتحدة، خلال فترة اعتقالي بين العامين 2005 و2009، بالإضافة إلى بعض المقالات الصحافية، وإلى أوامر التوقيف، ومحاضر التحقيق التي حصلت معي شخصياً، وكلّ ذلك لا علاقة لها مطلقاً بالأدلّة المتعلّقة بشهود الزور وشركائهم الذين تورّطوا في تضليل التحقيق وفي الاعتقال السياسي.
للوهلة الأولى، اعتبرت أنّ ما جرى تسليمي إيّاه من قبل المحكمة الدولية هو عبارة عن مزحة سمجة بعدما كان قد مضى سنة ونصف السنة على مطالبتي بتسليمي تلك الأدلّة، وإذ بي أرى أنّ بيلمار لا يسلّمني سوى ما يعود إليّ أصلاً.
بصراحة، اعتبرت أنّ بيلمار وبهذه الطريقة يهزأ بي، وبالرأي العام اللبناني والعربي والدولي الذي يتابع عن كثب هذه القضيّة، لكنّني حتّى الآن، لا أعتبر نفسي خاسراً، لأنّ الخاسر الأكبر في هذه القضيّة هو المحكمة الدولية وصدقيتها ونزاهتها وحياديتها، والخاسر الأكبر من الأكبر، هو القاضي بيلمار نفسه شخصياً وأخلاقياً وقانونياً، إذ كيف يمكنه الادعاء بأنّه سيصدر قراراً ظنّياً نزيهاً وقانونياً وحيادياً، في حين أنّه ثبت لي وبما لا يقبل أيّ شكّ، أنّه منذ البداية وإلى اليوم، يقاتل بأقصى الشراسة لحماية شهود الزور، ولحماية شركائهم في السلطة اللبنانية، وعلى رأسهم مدعي عام التمييز سعيد ميرزا، وأيضاً سعد الحريري، وفؤاد السنيورة، وشارل رزق، وغيرهم ومن وراء ميرزا.
من المؤسف جدّاً مثلاً أنّني وجدت من بين الحجج التي قدّمها بيلمار لمنع تسليم الأدلّة على شهود الزور، هو أنّه لا يريد أن يسيء إلى الثقة المتبادلة بينه وبين السلطات اللبنانية وسعيد ميرزا. وقد رددت عليه خطّياً بأنّ الثقة بينه وبين ميرزا ينبغي أن تقوم على القوانين والأصول والحقائق ولا يجوز أن تبنى هذه الثقة بينه وبين السلطات اللبنانية على حساب جميل السيّد، ومن خلال التغطية على الجرائم التي ارتكبها ميرزا وغيره في مؤامرة شهود الزور.
بيلمار وجريمة إخفاء الأدلّة
كما أنّه لا يجوز أن يبني بيلمار ثقته بالسلطات اللبنانية على قاعدة الاحتفاظ بالأدلة الجرمية، لأنّه من جهة غير قادر على استخدامها أمام المحكمة الدولية طالما أنّ المحكمة الدولية نزعت صلاحيتها عن ملاحقة شهود الزور، كما أنّه في المقابل، لا يريد تسليمي تلك الأدلّة لملاحقتهم لدى القضاء اللبناني وغيره، إذاً النتيجة العملية لهذا الموقف، هو أنّ بيلمار يريد الاحتفاظ بتلك الأدلّة الجرمية من دون ملاحقة أصحابها وهذا يسمّى في القانون جريمة إخفاء الأدلّة، فكيف يمكن بالتالي أن يحظى أيّ قرار ظنّي صادر عنه بالثقة من قبل عموم الناس؟
سيسون وفيلتمان ليسا أحقّ مني بالإطلاع على الملفّات
والحجّة الأخرى التي صدمتني من قبل بيلمار، هي قوله بأنّ تسليم الأدلّة قد يعرّض الأمن اللبناني والدولي وسلامة شهود الزور للخطر، علماً بأنّه سبق لبيلمار أن أبلغ السفيرة الأميركية في لبنان ميشيل سيسون بحسب وثائق ويكيليكس بأنّ السلطات اللبنانية ترغب منه ومن المحكمة الدولية بالإبقاء على الضبّاط الأربعة قيد الاعتقال حتّى لا تتأثّر حكومة السنيورة سياسياً، خصوصاً أنّ الإفراج عن جميل السيّد، والقول لبيلمار في تلك الوثائق، سيؤدّي إلى ترشّحه للانتخابات النيابية في حزيران 2009.
كما أنّ برامرتز، وقبل بيلمار، أبلغ السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان في العام 2006، وبحسب وثائق ويكيليكس أيضاً بأنّ اعتقال الضبّاط لا يستوفي أيّاً من شروط المعايير الدولية، وكان تعليق فيلتمان إلى إدارته حينذاك، بأنّ الإفراج عن جميل السيّد سيهزّ حكومة السنيورة وسيشكّل خطراً على السفارة الأميركية والعاملين فيها، في حين أنّ الأمن العام تحت قيادتي، كان من ضمن الأجهزة المسؤولة عن أمن السفارة الأميركية وغيرها، وكان فيلتمان يردّد أمامي وأمام غيري «إنّ جميل السيّد، وبصرف النظر عن قناعاته السياسية الشخصية، هو الشخص الأكثر احتراماً في الإدارة اللبنانية»( he is the most respectful man in the Lebanese administration).
وهنا السؤال الذي وجّهته إلى القاضي بيلمار: هل أنا كمعتقل سابق لديكم أحقّ بالاطلاع على ما تقوله، أم أنّ السفير الأميركي أكثر حقّاً مني وفقاً للقوانين اللبنانية والدولية؟ وهي قوانين كلّها تلزم بإطلاع المعتقل على كامل ملفّه من دون أيّ نقصان، لأنّ ذلك من حقوق الدفاع المقدّسة والمعترف بها دولياً. وهل حقوقي في الاطلاع على تلك الأدلّة بعد تحريري، هي أقلّ مما لو كانت عليه في فترة الاعتقال؟ إلاّ إذا كان بيلمار يعتبر أنّ تحريري كان عقوبة تحرمني من حقّ الاطلاع وملاحقة شهود الزور وشركائهم، علماً بأنّ القانون لبنانياً كان أم دولياً، وعندما يحتّم حماية الشهود، فإنّه لا يقصد شهود الزور، بل الشهود الحقيقيين في التحقيق، لأنّ شاهد الزور هو شخص يعرّض نفسه بنفسه، ومنهم من ظهر على شاشات التلفزيونات مثل محمّد زهير الصدّيق، وهسام هسام، فلماذا هذا الحرص على حماية هؤلاء الشهود المجرمين إلاّ إذا كان توقيفهم والتحقيق معهم سيعرّض ميرزا والحريري وريفي وغيرهم للملاحقة، وهنا فقط يمكنني أن أفهم هذا الاستقتال من قبل القاضي بيلمار لحمايتهم من خلال منع تسليمي الأدلة ممّا يؤدّي بالتالي إلى منحهم حصانة دولية ضدّ القانون.
اللجنة والقضاء جسم واحد لمنع أدلّة الشهود
÷ هل هناك من حجج أخرى صدمتك في مراسلات بيلمار؟
- نعم، أذكر الآن حجّة إضافية، وهي قوله بأنّ لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني كانا جسماً واحداً خلال التحقيق (one party). وقد استند بيلمار إلى هذه الحجّة للقول بأنّ المراسلات بينه وبين القضاء اللبناني والمتعلّقة بالتوقيف، وبجميل السيّد، كانت مراسلات داخلية في الجسم الواحد (internal correspondence)، وأنّ القوانين الدولية تمنع تسليم المراسلات الداخلية.
وخلص بيلمار إلى الاستنتاج بأنّه على هذا الأساس، يجب عدم تسليم تلك المراسلات إلى جميل السيّد بما فيها الآراء والتوصيات التي أرسلها بيلمار وقبله برامرتز إلى ميرزا حول تقييم شهود الزور، والتي كان يفترض على أساسها الإفراج عن جميل السيّد ورفاقه منذ السنة الأولى للاعتقال، لكنّ ميرزا رفض تنفيذها بالتنسيق مع القاضيين إلياس عيد وصقر صقر، متذرّعاً بأنّ الاعتبارات السياسية وسعد الحريري يمنعانه من ذلك، وحيث يعتبر كلّ هذا الموضوع من الأدلّة الجرمية التي تسمح للواء السيّد بملاحقة ميرزا ورؤسائه ومرؤوسيه في مؤامرة شهود الزور، فما كان من بيلمار إلاّ أن اخترع «حجّة وحدة الجسم» بين اللجنة الدولية والقضاء اللبناني للتبرير بأنّ تلك المراسلات داخلية ولمنعها عنّي، علماً أنّ الرأي العام اللبناني كلّه، ومن دون استثناء، لا يزال يذكر أنّ بيلمار وقبله برامرتز، قد أرسلوا إلى اللواء السيّد، منذ العام 2006 وحتّى العام 2009، ستّ مذكّرات رسمية جواباً على طلبات من اللواء السيّد، يبلغونه في كلّ واحدة منها أنّه لا دخل للجنة الدولية في مسألة الإفراج عنه، وأنّ القضاء اللبناني لديه الصلاحية الحصرية المستقلّة عن اللجنة للبتّ في هذا الموضوع، فكيف تكون اللجنة والقضاء اللبناني جسمين منفصلين عندما يتعلّق الموضوع بالإفراج عن جميل السيّد؟ وكيف تصبح اللجنة والقضاء في نظر بيلمار نفسه، جسماً واحداً لمنع الإفراج عن الأدلّة المتعلّقة بشهود الزور والتي يملكها بيلمار حصراً؟
عدالة العصابات
÷ ألا تعتقد بأنّ المحكمة قد أنصفتك بالإفراج عنك؟
- العدالة لا تتجزأ، ونصف عدالة تعني لا عدالة، ونصف حرامي يعني حرامي، ونصف آدمي يعني أزعر. في الحياة أمور لا تقبل النصف. العدالة هي رفع الظلم ومحاسبة الظالم والتعويض على المظلوم. في قضيّتنا، أيّ في الاعتقال السياسي بناء لشهود الزور، هنالك مظلومون وظالمون وخسائر.
وقد اكتفت المحكمة الدولية برفع الظلم، أيّ تحرير الضبّاط، لكنّها تمنّعت عن محاسبة الظالم، أيّ شهود الزور وشركائهم في الدولة اللبنانية، وبالطبع تمنّعت عن كلّ مسؤولية تتعلّق بهذه القضيّة، وبالتالي هذا ليس إنصافاً وليس عدالة. يسجنونك عشر سنوات، ثمّ يقولون لك مع السلامة ويكون عليك أن تشكرهم؟ فما الفرق في هذه الحالة بين توقيفي لدى القضاء اللبناني واللجنة الدولية، ثمّ الإفراج عني بهذه الطريقة، وبين توقيفي، والإفراج عني من قبل ميليشيا أو عصابة؟ الإفراج فقط، هو عدالة العصابات، لكنّ الإفراج والمحاسبة والتعويض هي عدالة الدول والمحاكم التي تحترم نفسها. المحكمة الدولية وبيلمار، عندما أفرجوا عنا من دون محاسبة شهود الزور وشركائهم ومن دون التعويض، فإنّهم طبّقوا علينا عدالة العصابات وعاملونا تماماً كمخطوفين جرى الإفراج عنهم. لذلك أقول إنّ المسؤول عن هذه الحالة بالأمس واليوم وغداً هو القاضي بيلمار قبل أيّ شخص آخر، ويليه بالطبع على المستوى اللبناني، كلّ من سعد الحريري، وسعيد ميرزا، وأشرف ريفي، ومن لفّ لفّهم.
÷ على هذا الأساس يكون مطلوباً أيضاً، من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إنصاف الضبّاط الأربعة والقضاة وبعض الشخصيات التي جرى الاعتداء عليها والتشهير بها تحت مظلّة شهود الزور؟
- ليس من أحد يستطيع أن ينصف الضبّاط وعائلاتهم بالنسبة لما جرى، لأنّه يكون المطلوب في هذه الحالة إعادة أربع سنوات من عمر هؤلاء جميعاً، ولا أحد يستطيع استعادة الزمن والعمر الذي خسروه. لكنّ الإنصاف من زاوية التعويض، هو مسألة حقوقية وطبيعية في هذه القضيّة، حيث للتعويض أشكال عديدة تبدأ من التعويض السياسي والقانوني وصولاً إلى التعويض المعنوي والوظيفي والمادي.
ولعلّه من صدف القدر أو العناية الإلهية، أن يكون الرئيس نجيب ميقاتي اليوم هو نفسه الذي كان في العام 2005 رئيساً للحكومة التي ظلمت الضبّاط الأربعة والقضاة وعائلاتهم تحت ضغط الاتهامات السياسية، ومن دون أيّ شاهد، أو دليل وقبل حصول أيّ تحقيق. وبالطبع في هذا المجال، فإنّ الرئيس ميقاتي مسؤول شخصياً وأخلاقياً ودينياً وقانونياً وسياسياً عن هذا التعويض بكلّ ما للكلمة من معنى، خاصة أنّه بات يملك كلّ الوقائع المتعلّقة بها وهو يرأس حالياً، حكومة بأكثرية جديدة لديها كامل الاطلاع القانوني والاقتناع بهذه القضيّة التي حالت حكومات السنيورة وسعد الحريري دون إنصاف الضبّاط والقضاة فيها.
وأذكر شخصياً أنّه قبل إقالة الضبّاط في العام 2005 اتصل بي يومها الرئيس نجيب ميقاتي، وأبلغني بأنّ الضغوط التي تمارس عليه ستجبره على وضع الضبّاط بالتصرّف، ويومها قلت له بأنّه لا يمكن أن يفعل ذلك من دون تحقيق، وأنّه يجب في كلّ الحالات حفظ حقّ الضبّاط بالعودة إلى وظائفهم.
لكنّ جواب ميقاتي آنذاك لم يكن جازماً لجهة الحفاظ على تلك الحقوق، ممّا دعاني إلى تقديم استقالتي قبل جلسة مجلس الوزراء التي وضع خلالها الضبّاط الآخرون في التصرّف.
وبالتالي، فإنّ التعويض السياسي لهؤلاء يتحمّل مسؤوليته الرئيس ميقاتي قبل أيّ شخص آخر، وبالأخص لكون حكومته السابقة هي التي عيّنت القاضي سعيد ميرزا، واللواء أشرف ريفي اللذين ثبت لاحقاً، أنّهما كانا مع معاونيهما، من أركان مؤامرة شهود الزور بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاعتقال السياسي للضبّاط الأربعة.
أمّا بالنسبة للتعويض القانوني، فيكون كما قلت، من خلال إدراج موضوع شهود الزور في البيان الوزاري في مرحلة أولى، ثمّ أن يحال هذا الموضوع على المجلس العدلي، وأن يوضع الضبّاط والقضاة المتورّطون في مؤامرة شهود الزور، بتصرّف التحقيق خارج وظائفهم في مرحلة ثانية، ثمّ أن يحاكموا ويحاسبوا في مرحلة ثالثة.
أمّا عن التعويض الوظيفي والمادي، فيتوجّب قانونياً وأخلاقياً على الرئيس نجيب ميقاتي وفور الحصول على الثقة، الجلوس مع كلّ واحد من هؤلاء الضبّاط الأربعة لسؤال كلّ واحد منهم عن الطريقة التي يرغب فيها الحصول على مثل هذا التعويض، ثمّ أن يطرح الموضوع على مجلس الوزراء لاتخاذ القرارات التي تعوّض على هؤلاء بأقصى سرعة، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان نفسه وفي مناسبات خاصة سابقة، كان مطلعاً على كلّ هذا الموضوع، لكنّه كان مقيّداً بحكومة سعد الحريري و14 آذار، ولم يعُد هنالك من عذر يحول دون إنصاف الضبّاط في ظلّ وجود الأغلبية الحكومية الجديدة.
جنبلاط ينصاع
لمن يعتبره أقوى منه
÷ ماذا لو تمنّع أعضاء حكومة الرئيس ميقاتي كوزراء النائب وليد جنبلاط مثلاً،
عن الموافقة على إنصاف الضبّاط، أو إقصاء القضاة والضبّاط الذين تسبّبوا باعتقالكم وبمؤامرة شهود الزور؟
- لا أتصوّر أنّ النائب جنبلاط الذي هو أكثر الشخصيات اطلاعاً على مؤامرة شهود الزور وتفاصيلها، وأكثر من تبّناها وأراد على أساسها تعليق المشانق للضبّاط وجعل عائلاتهم تبكي دماً، لا أتصوّر، أنّه سيكون بإمكانه أن يتمادى سياسياً وقانونياً بهذا الموضوع، خصوصاً أنّه كان رأس حربة في مؤامرة شهود الزور، ولم تبدر منه حتّى هذه اللحظة أيّة إشارة ندم، أو اعتذار، إلاّ تجاه سوريا وحزب الله، وهذه نقطة ضعف في أنّه ينصاع لمن يعتبره أقوى منه، في حين أنّ عليه أن يعترف بالحقّ حيث ما كان، وأن لا يكتفي بالقول مثلاً إنّ هؤلاء الضبّاط كانت لديهم ممارسات وتجاوزات، إذ لو كان هذا صحيحاً، فإنّه كان يجب محاسبة هؤلاء الضبّاط على تلك التجاوزات ومحاكمتهم بدلاً من تدبير مؤامرة شهود الزور للاعتداء عليهم وعلى عائلاتهم من قبل جنبلاط وغيره، خصوصاً أنّه لو كانت تلك التجاوزات صحيحة، ونحن بقينا قيد الاعتقال ما يقارب الأربع سنوات، فلماذا لم يجدوا ملفّاً صحيحاً واحداً يتهمّوننا فيه بدلاً من اللجوء إلى مؤامرة؟
شخصياً أعتقد بأنّ الوزير جنبلاط يدرك ذلك جيّداً، وأنّه لن يمانع في إقصاء الضبّاط والقضاة المتورّطين في مؤامرة شهود الزور تحت عنوان عدم الكيدية والانتقام، لكون المطلوب محاسبة، وليس انتقاماً، وهؤلاء، وبالأخصّ ميرزا وريفي والحسن، يعترفون علناً بأنّهم ينتمون إلى شخص سعد الحريري وإلى توجيهاته وأوامره، وليس إلى الدولة والقانون. فاللواء ريفي قال إنّه من نسيج 14 آذار كمدير عام لقوى الأمن الداخلي، وبأنّه جاء معهم وسيذهب معهم، وكذلك وسام الحسن هو مستشار شخصي لسعد الحريري، وميرزا نفسه أبلغني في مناسبات عدّة بأنّه لا يستطيع أن يضع في ظهره سعد الحريري حتّى ولو كان ملفّ التحقيق تجاهي فارغاً. فليكن بالتالي، لهؤلاء شرف وضع أنفسهم بتصرّف التحقيق والاستقالة فوراً قبل أن يُقالوا، بدلاً من اللجوء إلى سياسة التوسّل، أو الضغوط أو التلويح بالشارع، أو الاحتماء، أو الضغط على الرئيس نجيب ميقاتي، أو الاحتماء بوليد جنبلاط أو غيرهما في الحكومة الحالية، خاصة أنّ تلك المواقع ستعود إلى ضبّاط وقضاة من الطائفة السنّية الكريمة بعد استقالتهم، أو إقالتهم منها، وأنّ الدستور اللبناني لا يقيّد أيّة حكومة في إقالة من تشاء من زاوية القرار السياسي، وهذا ما سبق وشهدناه سواء عند تغيير عهود الرؤساء، أو عند تغيير السياسات في العهد نفسه، وقد حصل ذلك في عهد الرئيس إميل لحود أيضاً، ومن الضروري والطبيعي أن يحصل في عهد الرئيس ميشال سليمان باعتبار أنّ سياسة البلد قد انتقلت جذرياً من 14 آذار إلى أكثرية كانت معارضة سابقاً.
الحفاظ على دولة
السنيورة والحريري
وفي خلاف ذلك يكون مطلوباً من الرئيس نجيب ميقاتي عبر حملة التهويل والضغوط التي يمارسها فريق 14 آذار، أن يحافظ على كلّ مواقع السنيورة وسعد الحريري ورموزهما في الدولة، وأن لا يمسّ أحداً حتّى الذين ارتكبوا مؤامرة شهود الزور، أو تجاوزات أخرى، وعندها يتوجّب طرح السؤال التالي: هل جاءت الأغلبية الجديدة بالرئيس ميقاتي وحكومته لتستمرّ من خلالها حكومات السنيورة وسعد الحريري؟ وهل المطلوب من الرئيس ميقاتي أن يحافظ على العصابة التي أنشأها تيّار المستقبل داخل الدولة اللبنانية في مواقع الأمن والقضاء والمال والإدارة والخدمات؟ في هذه الحالة من الأفضل أن يذهب ميقاتي إلى بيته وأن تطلب الأغلبية الجديدة إعادة سعد الحريري أو السنيورة كرئيس أصيل للحكومة بدلاً من إداراتها بالوكالة... هذه تسمّى هرطقة دستورية، إذ لا يمكن لفريق 14 آذار الذي أصبح أقلية أن يفرض شروطاً تقيد قرارات حكومة الأغلبية الجديدة وحكومة الرئيس ميقاتي، كما أنّه ليس هنالك من موظّف لا يستغنى عنه، وليس من حقّ الشارع، ولا الطائفة، ولا المذهب، أن يحتجّ على إقالة موظّف وتعيين آخر، طالما أنّ البديل هو من الطائفة نفسها للموظّف المنتهية ولايته بالاستقالة، أو بالإقالة، أو بالتقاعد، وهذا ينطبق على ميرزا وريفي والحسن، وعلى مسؤولين آخرين من مذاهب وطوائف أخرى.
تعليقات: