صورة السيد حسن نصر الله محاطة بمصحفين خلال تظاهرة تأييد
للمقاومة في طرابلس خلال العدوان العام الماضي (م. ع. م)
كان ذلك في صباح العشرين من أيار الفائت. مع انتشار أخبار الأحداث الأمنية في طرابلس، رن هاتف رئيسة الجمعية اللبنانية الخيرية للاصلاح والتأهيل فاطمة بدرا مرتين متتاليتين. كانت على الخط الأول فاطمة محبوبة من كفركلا ـ قضاء مرجعيون، وجاء صوت رانيا الحسين من النبطية على الخط الثاني، والمضمون واحد: دعوة بدرا وعائلتها وأعضاء جمعيتها ومن تختار الى الجنوب لاستضافتهم إلى حين انتهاء الأحداث الأمنية في العاصمة الثانية وعودة الامور الى نصابها.
شكل الاتصالان محطة للتطرق لبعض ذكريات النزوح خلال عدوان تموز الماضي، والتأكيد مجددا على «أن منازلنا في كفركلا والنبطية مفتوحة لكم جميعا، وإمكانياتنا موضوعة بتصرفكم في حال قررتم مغادرة مدينتكم، لكم علينا حق الضيافة. نحن لا ننسى أنكم فتحتم قلوبكم لنا خلال محنتنا».
تروي بدرا حكاية الاتصالين لأصدقاء في المدينة فتجد أن معظمهم تلقى دعوات مماثلة.
شكل عدوان تموز وما نتج عنه من نزوح باتجاه مدينة طرابلس التي فتحت ذراعيها لاستقبال النازحين، حالة من الانصهار الوطني والاجتماعي والانساني بين أبناء المدينة من مختلف التيارات السياسية وبين أهل الجنوب والضاحية الجنوبية.
عمل أهالي الفيحاء خلال شهر كامل على تقديم الخدمات اللازمة وتأمين كل المتطلبات والحاجيات لمن وصفوهم بـ«أهلنا، وهم في ضيقة ونحن هنا للوقوف بجانبهم».
أدت الإقامة «الجبرية» والتواصل اليومي الى تحطيم الكثير من الحواجز التي كان الطرفان يظن في السابق انها مرتفعة جدا ويصعب اختراقها، والى نسج سلسلة علاقات اجتماعية ما زالت مستمرة حتى الآن، تجاوزت التواصل بواسطة الاتصالات الهاتفية الى تبادل الزيارات والهدايا في المناسبات المختلفة.
وتؤكد بدرا ان مدة الشهر التي أمضتها مع فريق عملها في تقديم خدمات الاغاثة للنازحين أتاحت لها التعرف على عائلات جنوبية عن كثب، فشهدت عاداتها وتقاليدها وطرق عيشها، من دون ان تشعر أن اختلاف المنطقة أو الدين أو المذهب يمكن أن يشكل حواجز مع الآخرين.
وتقول بدرا: «أصبح بيننا وبين النازحين «خبز وملح»، فعندما كانوا يطبخون الطعام كانوا يحرصون على أن نأكل معهم، وكنا نبادرهم بالمثل، ما خلق جوا من الصداقة الحميمة والعلاقات الاجتماعية التي كسرت حواجز الخوف من الآخر، ودحضت كل المزاعم التي كانت تحاول أن تشوه صورتنا أمامهم أو أن تشوه صورتهم أمامنا. فالتعامل والتواصل على أرض الواقع أثبتا أن لا فرق بين جنوبي أو شمالي أو بين سني وشيعي، بل يتمتع الجميع بالحس الوطني وبالكرم وبالعادات اللبنانية. ومع انتهاء العدوان بقينا حتى اليوم على تواصل مع أكثرية النازحين الذين كنا نشرف على إقامتهم في طرابلس، وهم يحرصون على المشاركة في نشاطاتنا»، تقول بدرا.
ومؤخرا، قامت مجموعة من الأصدقاء «النازحين» بزيارة مركز الجمعية في طرابلس وقدموا لهم درعا تقديرية عربون امتنان.
بدورهم، قام أعضاء الجمعية بزيارة السيدة نجيحة مشيك في منزلها في الضاحية وأصرت على دعوتهم مجددا لزيارتها في منزلها في بعلبك.
فراغ العودة
وتشير فاطمة طراد، وهي إحدى الناشطات في اللجان الاغاثية في طرابلس، إلى أنها شعرت وفريق العمل الذي كان يساعدها بفراغ كبير لدى عودة النازحين الى مناطقهم، كونها اعتادت عليهم وعلى شرب الفنجان القهوة الصباحي معهم، وعلى سماع شروحات مفصلة عن مناطقهم وعن بطولات المقاومة وإنجازاتها وإنتصاراتها.
وتقول طراد: «كنا لا نبخل بأي جهد في تقديم الخدمات للنازحين وتأمين كل مستلزماتهم وكانوا في بعض الاحيان يساعدوننا في تنفيذ البرامج، ورغم كل المعاناة التي كانوا يرزحون تحت وطأتها كانت الابتسامة وكلمات الشكر لا تفارق شفاههم».
ساهم ذلك، برأي طراد في «بناء صداقات وعلاقات قوية جدا. وأذكر أن أحد الأشخاص ويدعى علي قام بشراء نحو 20 وردة حمراء ووزعها على فريق العمل ضمن المدرسة قبل مغادرته الى بعلبك تعبيرا عن الشكر والامتنان على الاهتمام الذي لقيه وعائلته من قبلنا».
وتلفت طراد إلى زيارة شخصين من النازحين هما حسن حسين وشقيقته ياسمين (من بلدة القلعة) حضرا لمعايدتها وعائلتها في مناسبة عيد الفطر الماضية «وقد أقاما في منزلنا بطرابلس يوما واحدا ومن ثم انتقلنا جميعا الى بلدة بيت الحوش في عكار حيث أمضينا يومين إضافيين».
ما تزال طراد على اتصال دائم مع كثير من الذين دخلوا الى طرابلس لاجئين و«خرجوا منها أهلا وأصدقاء وأحبابا، وأعتقد أن هذه العلاقات لن تنقطع بل هي ستتطور في الايام المقبلة خصوصا انها قائمة على المحبة والإخاء».
وتؤكد نورما (20 سنة) وهي إحدى الناشطات في مجال حماية الطفولة، أن التجربة التي خاضتها الى جانب النازحين «كانت ممتازة».
تعلمت نورما من الضيوف، كما تسميهم ،«الإصرار وقوة العزيمة والتضحية بكل ما هو غال من أجل تحقيق الاهداف». كما أنها نسجت علاقات مميزة مع الاطفال الذين كانت تنظم لهم برامج وحلقات ترفيهية وتثقيفية في كل يوم وتعمل مع المعــــنيين على تأمين بعض الهدايا، لافتة الى ان كل نشاطاتها كانت تجري بمساعدة شبان وشابات من النازحين الذين ما يزالون على تواصل معها ويدعونها الى زيارة بلداتهم وقراهم الجنوبية وهي تنتظر فرصة سانحة لتمضي بعض الأيام في ضيافتهم.
أما هنا معاليقي، الناشطة ضمن جمعيات أهلية عدة، فقد رسّخت لديها تجربة العمل مع النازحين فكرة عدم وجود فوارق بين لبناني وآخر وبين الطوائف والمذاهب ولا بين المناطق في لبنان، وان كل ما يحصل من توترات وما يشاع من خوف لدى هذا الطرف أو ذاك، سببه السياسة وبعض السياسيين الذين يعيشون على نشر مثل هذه الاضاليل».
عاشت معاليقي وتعاملت طيلة فترة عدوان تموز مع أشخاص من مناطق جنوبية ومن مذهب آخر دون أن تشعر «بأي فرق»، أو تجد «أي اختلاف»، «بل على العكس ما حصل كان مناسبة للتعرف أكثر ولنسج الكثير من الصداقات التي بتنا نعتز بها، ونحرص عليها».
يذكر ان نحو ستة آلاف نازح جنــــوبي أمضوا في طرابلس خلال عدوان تموز نحو شهر كامل وتوزعوا على المدارس والشقق السكنية، وعملت الهيئة العليا للاغاثة وجمعية العزم والسعادة ومؤسسة الصـــفدي وتيار المستقبل والتكتل الطرابلسي، وبلدية طرابلس وبيت الزكاة وعدد من المنظمات الانسانية الدولية والعربية والجمعيات الكشــــفية والأهلية والنسائية والاجتماعية والرياضــية على تقديم كل أنواع الخدمات إليهم وذلك حتى مغادرتهم المدينة عند انتهاء العدوان الإسرائيلي.
تعليقات: