البحر حق لجميع الناس.. (مصطفى جمال الدين)
تكلفة الدخول تصل إلى 40 ألف ليرة... واستئجار الشاليه إلى 9 آلاف دولار
تسترخي سيدةٌ، بسلسلة عنقٍ وخلخال قدمٍ ذهبيين، وبتسريحة شعرٍ تلائم السهرة، عند طرف البركة، في المسبح المخصص للمواطنين «المخمليين». تتناسق صورتها مع مشهد رواد المسبح، الممهورة ملابس سباحتهم بتواقيع الماركات العالمية، وقد انتشرت المشروبات فوق طاولاتهم، إلى جانب هواتفهم الخلوية، وماركات حقائبهم، وقبعاتهم، ونظاراتهم الشمسية.. إذ تبلغ تكلفة الدخول إلى المسبح البيروتي في نهاية الأسبوع، قيمة أربعين ألف ليرة لبنانية لسرير (كرسي) عادي، تضاف إليها نسبة 25 في المئة عند حجز سرير كبير تعلوه خيمة خشبية بأشكال هندسية مبتكرة، وتتقدمه «جاكوزي» خاصة بكل «سرير». ولا تشمل التعرفة أي خدمات أخرى غير السباحة، على أن تزداد، بطبيعة الحال، تبعاً لطلبات المأكولات والمشروبات (سعر كوب العصير 13 ألف ليرة لبنانية، وزجاجة المياه خمسة آلاف ليرة، وتصل أسعار الأطباق إلى أربعين ألف ليرة). وتؤجر المنشفة الواحدة بسبعة آلاف ليرة، مثلها مثل كلفة موقف السيارة.
مئة ألف ليرة
لا تقل ميزانية يوم استجمام في مسبح «راقٍ» عن مئة ألف ليرة لبنانية، وهو مبلغ لا يبدو خيالياً بالنسبة إلى الرواد المكتظين في المنتجع البيروتي الموصوف أعلاه، وقد حجز بعضهم «سريره» منذ ساعات الصباح الأولى. وهو رقم تعتبره روزي، الطالبة في إحدى جامعات بيروت الخاصة، «أمراً طبيعياً، إذ إن اللبناني بطبعه يحب البذخ، والاستجمام في منتجعات «مرتّبة»، حيث يلتقي بناس من طبقته الاجتماعية، أو جوّه». إلا أن روزي تعترف بأن «تكلفة الدخول والخدمات الأخرى في هذه المنتجعات مرتفعة نسبياً، في حال ارتاد الزبون هذه المنتجعات على مدى أيام الشهر. أما في حال ارتيادها في نهايات الأسبوع فقط، يعني بمعدل عشر مرات في الموسم الصيفي بمجمله، فتبقى التكلفة مقبولة».
لكن، تبدو حسابات روزي غير مقبولة بالنسبة إلى وسيم، وهو أب لثلاثة أطفال، إذ إن «زيارة واحدة لمنتجع للألعاب المائية الذي تبلغ كلفة الدخول إليه 25 ألف ليرة، يضاف إليها ثمن المأكولات والمشروبات، تكاد تكسر ميزانية عائلة متوسطة الحجم للشهر!». ويشير وسيم إلى أنه «في كل مرة يطالب أولادنا بزيارة أحد المسابح، نقوم أنا وزوجتي بحسابات ضرورية لنقدّر حجم المصاريف التي نستطيع تكبدها في اليوم، فتتراوح ما بين مئتين وثلاثمئة وخمسين ألف ليرة، وبمعنى آخر، يتبين أننا نعجز عن زيارة المنتجعات لأكثر من مرة واحدة في الشهر، أو حتى مرة واحدة في خلال خمسة أو ستة أسابيع». ويعزو وسيم سبب هستيريا الأسعار في المسابح الخاصة في لبنان، إلى انعدام رقابة وزارة السياحة، وطمع أصحاب المنتجعات، واستغلالهم وسائل الترفيه المخصصة للأطفال».
وتتلاقى وجهة نظر أميّة مع تلك التي أبداها وسيم، إذ تعتبر حياة المسابح في لبنان «سرقة علنية»، وتوضح السيدة الأربعينية أن «الارتفاع في تسعيرة المسابح شملت المسابح المخصصة للسيدات، فتبدو كاستغلال للنساء اللواتي لا يملكن إلا خيارات محددة في المسابح ذات الخدمات المقبولة، وشروط النظافة الأساسية». وتقول أمية، وهي أم لابنتين، إن مسبح السيدات الذي اعتادت ارتياده منذ أربع سنوات برفقة ابنتيها وقريباتها، يرفع تسعيرته «بشكل فاضح» في كل موسم، «فقد ارتفعت من 15 ألف ليرة منذ سنتين إلى 18 ألف ليرة السنة الماضية، وأضحت 25 ألف ليرة في هذا العام!».
في المقابل، لا يعني الرقم المذكور شيئاً بالنسبة إلى مارك، وهو صاحب احد الشاليهات في واحد في أضخم المنتجعات في لبنان. يقول الرجل الخمسيني إن «تكلفة الدخول إلى المسابح في لبنان، عادية جداً نظراً للخدمات التي تقدمها، وبالمقارنة مع الأسعار العالمية، وإن كانت تبدو مرتفعة قليلاً إن قورنت بالمعدل الوسطي للمداخيل في لبنان». ويشرح مارك أنه، في حال سفره للاستجمام خارج لبنان صيفاً، يؤجر الشاليه الخاص به بسعر يتراوح ما بين تسعة آلاف واثني عشر ألف دولار للموسم، «وهو سعر مقبول نسبياً، والدليل على ذلك أني أتلقى العديد من العروض لاستئجاره، وأفاضل بينها».
لا دور لوزارة السياحة في التسعير
التسعيرة إذاً متروكة لخيال محدّدها. فماذا عن وزارة السياحة؟ وهل لها دور في التسعير؟ وكيف يمكن أن تحد من ارتفاع تسعيرات المسابح الخاصة التي تصادر بحر لبنان؟
تجيب المديرة العامة لوزارة السياحة ندى السردوك، شارحة لـ»السفير» أن «وزارة السياحة لا تتدخل في تحديد تسعيرة المسبح الخاص في لبنان، ولا في أسعار أي من خدماته ومأكولاته ومشروباته، نحن ندقق فقط في الشروط الملزمة لأصحاب هذه المؤسسات، وهي ضرورة إبراز تسعيرة الدخول إلى المسبح بشكل واضح عند مدخل المسبح، وإبرازها بالليرة اللبنانية بالدرجة الأولى، وتسعيرات الخدمات الأخرى». وتوضح السردوك أن «الوزارة تدقق أيضاً في شروط السلامة العامة، والنظافة، وعمل عاملي الانقاذ، وغيرها من الأساسيات». ولكن، لأنه «يحق لكل المواطنين، من مختلف الطبقات الاجتماعية، التمتع بفصل الصيف، والسباحة والاستجمام.. يتم الاهتمام بالشواطئ الشعبية، حيث نحرص على توفر شروط السلامة العامة فيها»، تقول السردوك.
وفي ظل غياب دور الرقيب عن أداء وزارة السياحة، اتضح من خلال جولة على عدد من مسابح لبنان في الشمال والجنوب وبيروت، أنها بمعظمها رفعت أسعارها عن الموسم الماضي. وعند سؤال القيمين عليها عن أسباب رفع الأسعار، يحكون عن ارتفاع أسعار المواد الأولية، وضروريات تشغيل المسابح، كسعر النفط لتغطية تكلفة الكهرباء والمولدات، بالإضافة إلى المواد الغذائية، علماً بأن تكلفة الدخول إلى المسابح الخاصة في لبنان تتراوح ما بين عشرة آلاف ليرة وخمسين ألف ليرة، وتسجل تسعيرة خمسة وعشرين ألف ليرة كمعدل وسطي.
نقابة المسابح: «الموسم هو الأسوأ على الإطلاق»
على الرغم من ذلك، ينعى نقيب أصحاب المسابح جان بيروتي، الموسم الصيفي، معتبراً أن «موسم هذا العام سيكون الأسوأ على الإطلاق منذ سنوات بعيدة». ويعود ذلك لعوامل عدة، «أبرزها متعلق بالطقس، بحيث شهدنا هطولا للأمطار حتى منتصف شهر حزيران الحالي. وعندما لا تتساقط الأمطار، أتى الطقس غير ملائم للسباحة، في ظل تلبّد الغيوم في معظم نهايات أسابيع شهري أيار وحزيران». ويعود بيروتي ليذكر أن «الفرصة الأخيرة لرزقة المسابح الخاصة التي يصل عددها إلى نحو 140 مسبحاً، هي شهر تموز المقبل، من دون أن يعوض الخسارة التي تكبدتها هذا الموسم، إذ يحلّ شهر رمضان مع بداية شهر آب، ولا نتوقع أن يعود الموسم لزخمه في شهر أيلول، مع انطلاق العام الدراسي وعودة السياح إلى بلدانهم».
وعن ارتفاع تسعيرات المسابح، يقول بيروتي إن «إقبال فئة محددة من اللبنانيين على مسابح النجوم الخمسة أدى إلى تزايد عدد هذه المسابح وارتفاع أسعارها، إذ يحب الللبناني بطبعه أن يدلل نفسه، علماً أن نسبة المسابح التي يمكن للطبقة المتوسطة تحمل كلفة ارتيادها تقارب سبعين في المئة من مجمل المسابح الخاصة في لبنان».
لكن يتوقف بيروتي عند تكلفة تحديث المسابح، ومفروشاتها، وطاولاتها، وصيانتها، التي يعتبرها مرتفعة جداً، «وتتعدى تلك الضرورية للمطاعم والفنادق، وهذا يؤثر على التسعيرة، أضف إلى ذلك أن المسابح تنتظر حركة أشغال تتعدى ثمانين في المئة لتغطية تكلفة أعباء تشغيل المسبح التي قد تبلغ كرقم متوسط لمسبح متوسط الحجم، نحو خمسمئة دولار في اليوم الواحد».
تعليقات: