سيشهد اللبنانيّون في الأيام القليلة المقبلة تطوراً هائلاً في خدمة الانترنت بالتزامن مع تحرّر السعات الدولية (هيثم الموسوي)
عبد المنعم يوسف ينفّذ قرارات نحّاس خوفاً من المحكمة
بعد نحو 8 أشهر من حرمان اللبنانيّين سعات الإنترنت الضرورية، رغماً عن قرارات وزير الاتصالات، أفرج رئيس هيئة «أوجيرو» عن هذه السعات فجأة، من دون تفسير الأسباب التي دفعته إلى حجزها سابقاً. خطوة تفسّرها مصادر معنية بأنّها تستبق الدعاوى القضائية التي رفعتها الدولة عليه، منها هدر الأموال العامّة وتعطيل القطاع عن سابق تصوّر وتصميم
منذ كانون الأوّل 2010، وقّع وزير الاتصالات السابق (وزير العمل حالياً) شربل نحّاس قرارات عدة لمنح شركات الإنترنت في لبنان سعات إضافية لملاقاة الطلب على الإنترنت (السعات هي الوقود لتشغيل الإنترنت). وحوّل نحّاس هذه القرارات إلى مدير الاستثمار والصيانة في الوزارة ورئيس هيئة «أوجيرو» ومديرها العام للتنفيذ. إلا أنّ عبد المنعم يوسف رفض التنفيذ، وأطلق تهديدات علنية بتعطيل الاتصالات في البلاد لأسباب تبيّن الآن أنها واهية.
فبعد مضي أشهر طويلة عانى فيها المشتركون ومزوّدي خدمة الإنترنت عمليةَ عقاب جماعية، بدأ يوسف ابتداءً من مطلع هذا الأسبوع بتنفيذ القرارات المذكورة من دون تقديم أي تفسير عن أسباب امتناعه سابقاً؛ فالإجراءات لا تزال كما هي، وهو لا يزال في نظر وزير الاتصالات الحالي نقولا صحناوي، متمرداً وملاحقاً قضائياً ومعطّلاً لأعمال الوزارة.
لذا، لا تبدو خطوة المدير العام من باب الحرص على مصلحة المستهلكين والأموال العامّة، وإلّا ما كان قد تعنّت أساساً، نظراً إلى أنّه لم يتغيّر شيء. فالمعلومات المتوافرة تفيد بأنّ خطوة عبد المنعم يوسف هي استباقيّة للدعاوى المرفوعة عليه لدى القضاء اللبناني من الوزارة، بناءً على التصرفات التمرّدية التي قام بها منذ نهاية العام الماضي معانداً تنفيذ قرارات الوزارة التي تندرج في خطة هيكلة القطاع وتطويره. كذلك، هناك إشارات تفيد بأنّ مدير «أوجيرو» قد يسعى عبر تسيير شؤون اللبنانيّين التكنولوجيّة إلى كسب مكانة تحت جناح الرئيس نجيب ميقاتي، أو ربّما ضمان حماية يوفرها له.
ويقول معنيّون في هذه المسألة، وقطاع الاتصالات عموماً، إنّ عبد المنعم يوسف مضطرّ إلى المثول أمام المحكمة قريباً وتقديم الدفوع الشكليّة، «لذا، فهو يحاول قدر الإمكان تحسين موقعه ومحاولة تبرير تمرّده عبر منظور سياسي، لإبعاد نفسه قدر الإمكان عن تهمة تبديد المال العام من دون أي مبرّر منطقي»، أي بمعنى آخر، يحاول المحاججة بأن تصرّفاته جاءت في إطار من المناكفة السياسيّة سيطر على البلاد وفي ظلّ حكومة تصريف أعمال. والدعاوى المرفوعة على عبد المنعم بوسف تتضمّن مجموعة من المسائل: «تملّك أصول ثابتة خلافاً للأصول»، «انتحال صفة وتزوير معنوي واحتيال»، «جرم الاعتداء على أمن الدولة ومكانتها المالية والاقتصاديّة»...
فقد لوّح عبد المنعم يوسف في أكثر من مناسبة بوقف خدمة «DSL» وخدمات المشتركين والصيانة... وكان هذا الترهيب من دون أيّ مبرّر، وسخر الجميع من سلوكه. على سبيل المثال، إنّ توقّف إدارة «أوجيرو» عن طبع البطاقات مسبقة الدفع («كلام» و«تلكارت») وبيعها يرتّب على الخزينة خسائر كبيرة؛ إذ تبلغ إيراداتها نحو 120 مليار ليرة سنوياً. وتزيد الأمور خطورة من وجهة نظر يوسف، بعدما تبلغ الموظّف في «أوجيرو»، جورج أسطفان، أنّ أمامه مهلة 14 يوماً للمثول أمام القضاء الجزائي وتقديم الدفوع الشكليّة في موضوع «التزوير وإساءة الأمانة والاختلاس والغش في أموال الدولة ومحاولة سرقة هذه الأموال وعرقلة سير المصالح العامّة ومصالح المواطنين». وكلّ ذلك «بتوجيه من رئيسه عبد المنعم يوسف»، بحسب الشكوى المرفوعة من الوزارة. فقد أقدم هذا المستخدم على «تزوير مستندين يفيدان بتسلم 3124 كيلوغراماً من الكابلات لزوم وزارة الاتصالات... تمثّل بتمويه التواقيع وشطبها عن وثيقتي التسلم».
بعيداً عن المحاكم (!) تُرجم التحوّل الذي يقوم به يوسف من باب التحوّط القانوني، في بيان أصدره وزير الاتصالات، نقولا صحناوي، أمس؛ إذ سيشهد اللبنانيّون في الأيام القليلة المقبلة تطوراً هائلاً في خدمة الإنترنت، بالتزامن مع تحرّر السعات الدولية على كابلي «IMEWE» و«قدموس».
وفيما تعذّر الاتصال بعبد المنعم يوسف أمس، تمثّل التطوّرات الأخيرة أخباراً طيبّة للجميع؛ رغم أنّ المعركة لا تزال في بدايتها لمحاسبة هذا المدير في كنف الدولة. تلك التطوّرات هي في الأساس نتاج «عمل دؤوب ومتراكم» على مدى نحو 3 أعوام «بذله الوزراء المتعاقبون على الوزارة، وخصوصاً الوزيران جبران باسيل وشربل نحاس» على حدّ تعبير نقولا صحناوي في بيانه أمس.
بداية، وللإيضاح، تحتاج الشركات إلى السعات، وهي الخطوط الدولية التي يُرمز إليها بـ«E1»، لكي تُقدّم الخدمة للمستهلكين. وبعد أسْر تلك السعات خلال الفترة الماضية، بدأت الشركات تحصل عليها. وهناك جو من التفاؤل يسري بين القيّمين عليها نظراً إلى علمهم بتعطّش البلاد كثيراً للسعات الإضافيّة. وبحسب مدير شركة «IDM»، مارون شمّاس، إنّ «ما حصل هو ممتاز»، وتحديداً لأنّ الوزارة «تقول إنّه يُمكن طلب السعات بالقدر الذي نريده... ما سيوفّر الطلب الكبير الموجود حالياً في السوق».
ومقارنة بالسعات التي كانت متوافرة في نهاية عام 2010، يحتاج لبنان إلى 1000 مرّة السعات المتوافرة، وفقاً لتقديرات التي أعدّتها «IDM».
وتعوّل الشركات كثيراً على تشغيل كابل «IMEWE»، نظراً إلى الإمكانات الهائلة التي يوفرها؛ فهو سيرفع نظرياً السعة الإجماليّة إلى 3.8 ملايين ميغابيت في الثانية (Mb/s)، ورغم أنّ الربط به جهز في 30 تمّوز عام 2010، أي منذ نحو عام، بقي تشغيله رهينة عبد المنعم يوسف، رغم أنّ وزارة الاتصالات أصدرت قراراً بتحويل سلطة تشغيل الكابل من «أوجيرو» إليها، بقيت إدارة الهيئة تتحكّم بكلمات المررو (Passwords) وبالإمكانات اللوجستيّة.
من جهته، يرحّب مدير شركة «Terranet»، خلدون فرحات، «بالتطوّر الذي حدث وبالأخبار القادمة من وزارة الاتصالات». وينبع ارتياحه من «وجود طلب كبير في السوق يجب تلبيته».
وبالفعل، بدأت الشركات منذ أوّل من أمس، بالاستفادة من سعات أكبر ورفعت عرضها، «فكان قد قفز الاستعمال من جانب المستهلكين في لحظات بحسب الرسوم البيانات التي تظهر»، على حدّ تعبير فرحات.
والأخبار الجيدة لا تقتصر فقط على السعات، بل الأسعار أيضاً، حيث أعلن نقولا صحناوي، أنّه «سيتقدّم في الأسابيع المقبلة إلى مجلس الوزراء بمشروع مرسوم لخفض تعرفة الإنترنت، في جزء من سلة تعرفات مخفوضة ينوي طرحها على مستوى خدمات قطاع الاتصالات». وللإيضاح، فإنّ كلفة خطّ «E1» تبلغ حالياً 2600 دولار شهرياً، وهي كلفة كبيرة بحسب الشركات، وينوي صحناوي خفضها إلى 300 دولار.
159 خط «E1»
السعات الإضافية التي ستحصل عليها 9 شركات إنترنت وفقاً لقرار وزير الاتصالات، بعدما كانت قد حُرمت الشركات إياها طوال 7 أشهر
140 مليار ليرة
الكلفة الإجمالية لمشروع نشر شبكات الألياف الضوئيّة (Fiberoptics) وتوفير الحزمة العريضة للبنانيّين. وسيجهز كلياً بعد أقل من عام
30 %
المعدّل التقريبي لاختراق الإنترنت في لبنان، وهو ضعيف إجمالاً، ومن شأن مسيرة هيكلة القطاع وخفض الكلفة أن تحسّنه على نحو ملحوظ
التعويض عن القصور
للتعويض عن القصور المقصود الذي طبع الأشهر الأخيرة، بحسب بيان الوزير نقولا صحناوي، فقد دفع القصور الشركات إلى مصادر أخرى (غير سلكيّة) لتلبية الطلب. وهنا يوضح مدير «Terranet» خلدون فرحات، أنّ الشركة «اضطرّت إلى شراء سعات إضافيّة عبر الأقمار الصناعيّة (Satellites) في محاولة للحفاظ على النموّ، غير أنّ هذه التقنيّة لا توفّر اتصالاً بنوعيّة جيّدة».
تعليقات: