التعدّيات على الأنهار: عيون الدرك لا ترى!

الأبنية والمنشآت الاسمنتية تسبب الفيضانات
الأبنية والمنشآت الاسمنتية تسبب الفيضانات


15 عاماً مرّت على الشكوى التي رفعها المواطن أحمد الميس على صاحبي منشر للأحجار عند إحدى ضفتي نهر الليطاني في بلدة المرج في البقاع الغربي من دون بتّها. الضرر اللاحق بالميس لا يقتصر عليه شخصياً، إذ تؤدي التعديات على الأنهار إلى فيضانات تطاول العديد من الأملاك الخاصة في المنطقة

الدعاوى والشكاوى التي رفعها أحمد الميس (60 عاماً) على صاحبَيْ معمل للبلاط يقيمان منشراً للأحجار عند إحدى ضفتي نهر الليطاني بطريقة غير قانونية، والمراجعات التي دار بها على مختلف المؤسسات المعنية منذ نحو 15عاماً، لم تجد بعد من يبتها، فيقرر وقف عمل المنشر لضرره الصحي خصوصاً أن المنطقة المحيطة بالمنشر «آهلة بالسكان»، وهي تقع على كتف النهر، ما يزيد من تلوّثه نتيجة رمي الفضلات فيه.

عمر شكاوى الميس من سن المرض الخبيث الذي استؤصلت حنجرته بسببه في عام 1996، وأدى إلى فقدانه لصوته فبات يستعمل آلة تبث الإشارات الصوتية من رقبته. لذلك يصرّ الرجل الستيني على مقاضاة المتسببين في مرضه، بعدما «ضربا عرض الحائط طلبي بتخفيف الغبار عني». لم تنفعه الشكاوى التي وصلت إلى أكثر من ثلاثة وزراء داخلية، وإلى وزيرَي النقل والطاقة في الحكومات السابقة، على أساس أن المتسبّبين يقيمان منشراً للأحجار عند ضفة نهر الليطاني، على العقار الرقم 384، في خراج بلدة المرج البقاع الغربي، والتي لا تبعد عن مسكنه سوى أمتار، إذ إن الفاصل بينه وبين «منشر الحجر» لا يتجاوز مسافة عرض مجرى الليطاني.

ينطلق أحمد الميس بعتبه على الدولة اللبنانية التي «تعزّز الفساد والمفسدين»، من اعتباره أن كلّ الإحالات من وزارات الداخلية والنقل والصحة والبيئة والمحافظ، إلى الدوائر العقارية والصحية، لإجراء المقتضى القانوني، كانت تذهب هباءً بمجرد أن تصل إلى المعمل ومنشر الحجر «عندها تضيع حقوقي». فوثيقة إحالة التنظيم المدني، الصادرة في 12 حزيران 2009 تشير إلى أن المخالفة هي أن صاحب المعمل استحصل على ترخيص صادر عن محافظة البقاع، مشروطة بالمادة الرابعة منه أن يستحصل على ترخيص جديد بحسب نوع الصناعة في حال توسيع الاستثمار أو إضافة صناعة جديدة. بدورها وزارة الداخلية، عبر ثلاث إحالات موقعة من الوزير السابق زياد بارود، تطلب من محافظ البقاع الاطلاع وإجراء المقتضى القانوني والإعادة. وبدوره يعود المحافظ ويوقعها طالباً من قائمقام البقاع الغربي الاطلاع والإفادة عن مصير المعاملات وسبب التأخير، والإعادة بالسرعة الممكنة.

دوامة مملة مكرورة، لم تدفع أحمد الميس إلى اليأس أو تمنعه عن المتابعة، لاعتقاده بأنه «سيأتي اليوم الذي أجد فيه مسؤولاً قادراً على تحصيل حقي وحق الدولة من التعدي» يقول. ولكون التقارير لم تذكر مخالفات التعدي على الأملاك العامة، رغم أن نسخة عن خريطة أمانة المساحة للعقار في مديرية الشؤون العقارية، مصلحة المساحة، موقعة من المسّاح نبيل سماقة ومختومة وموقعة من أمين السجل العقاري، تؤكد أن العقار الرقم 384 (المرج)، الذي تدور عليه هذه الدعاوى منذ زمن، أنشئت عليه ثلاثة أبنية، البناء A يتعدى على النهر بمساحة 290 متراً مربعاً، والبناء B بمساحة 186 متراً مربعاً، أما البناء C فمساحة تعدّيه 42 متراً، كما أنه يعتدي على العقار الرقم 383 بما مساحته 112 متراً مربعاً.

أحمد الميس يرى أن حقه عند قوى الأمن الداخلي في فصيلة شتورا التي تحضر الى المكان للمعاينة والاطلاع لاجراء المقتضى. يقول: «آخر مرة قالوا لي اقتلهم، وهيك منخلص منك ومنهم». ويبرز وثيقة إحالة رداً من «الدرك» إلى وزير الداخلية، تنفي وجود مخالفة أو منشار حجر يسبب الضرر! ويعيد الميس سبب تعاطف عناصر قوى الأمن الداخلي مع صاحب المعمل إلى المحسوبيات والمصالح بين الطرفين «سُجنت 5 أيام، وغرّمت بـ500 ألف ليرة لأنني قلت إنه يجب محاكمة المسؤولين في البقاع ومن يغطي المفسدين». كذلك يؤكد أنه خسر، بسبب التعدّي على النهر في عام 2009 ما يقارب 30 ألف دولار، في الأخشاب التي كان يضعها في مستودعه، بعدما فاض النهر عليها. «لا مستأجر يبقى عندي أكثر من شهرين، يهرب من الغبار الذي يسببه المعمل، عندي ستة مكاتب مقفلة في البناية، لا أحد هنا غيري».

مصدر في وزارة البيئة أكد أن التأخير في تنفيذ توقيف المعمل هو بسبب تقاعس قوى الامن الداخلي، لأن هناك قراراً بإقفال المعمل لعدم خضوعه للشروط القانونية والبيئية، ولأنه مخالف في البناء ويحتاج إلى ترخيص جديد حسب المادة الرابعة، وإذ لم تُبتّ القضايا التي هي مصدر خلاف مع جيران المعمل، إلا أن «هناك قطبة مخفية لا ندري من وراءها».

رئيس بلدية المرج عماد الشموري، أكد أن نهري الليطاني والبردوني يتعرضان للتعدي بدءاً بحدود المرج، من مثلث طريق الشام الدولية، باتجاه البقاع الغربي، بأبنية ومنشآت اسمنتية، ما يتسبّب في فيضانات وكوارث تطاول الأملاك الخاصة، من محال تجارية ومنازل وأراض زراعية، «هذه التعدّيات تضيّق مجرى النهرين، ولا تظهر سلبياتها إلا حين تكون كميات المتساقطات عالية، وتحصل الفيضانات». وعن دور البلدية في هذا الخصوص، لفت إلى أن التعديات حصلت في عهد البلديات السابقة، مشيراً إلى أن البلدية الحالية تقدّمت بكتاب إلى وزير الطاقة والموارد المائية، بوصفها السلطة التنفيذية المعنية مباشرة بهذا الخصوص، و«طالبناها بإزالة مختلف التعديات وإعادة حرم النهرين إلى ما كانت عليه في الأساس، وتحديد المساحة لحرم النهرين».

تعليقات: