لكي تبقى سوريا متألقة بدورها القومي
اذا كانت الحركات الإصلاحية، لا تجد طريقا لها للتعبير عن نفسها إلا عبر إشاعة الفوضى وتهديد استقرار الوطن والمواطنين فبئس هذه الحركات، وبئس مصير من يقودها. نعم، التعبير عن الرأي حق تكفله كل القوانين ومبادئ حقوق الإنسان، والمطالبة بالإصلاح حق للمواطن وواجب على الحكام والأنظمة.
ولكن حين يستظل "المصلحون" بشعارات براقة فيما يحملون بأيديهم معاول لدك عماد الوطن تصبح مناصرة هؤلاء اما تنم عن قصر نظر أو مشاركة بالجريمة ,ومن قال ان التاريخ سيغفر لهم فهم تحولوا إلى شهود زور في لحظة الحقيقة.
فالمسؤولية التاريخية تحتم أن لا نقف على الحياد حين نرى ان الوطن هو الهدف الأول والأخير للذين ينقضون عليه بجلابيب "التغيير والإصلاح" كمجرد وسيلة لتبرير غاياتهم الحقيقية.
وما يجري اليوم في سوريا هو الشاهد على أن المصلحين والتغييريين الذين يطالبون بالإصلاح عينهم على سوريا كنظام ودولة ووحدة أرض وشعب. فسوريا لم تمر في عصرها الحديث بمحنة كالتي تمر بها اليوم فهي مهددة بوحدتها الوطنية الشعبية والخوف على دورها السياسي الإقليمي المنحاز إلى القضايا القومية. ما الذي يحدث في سوريا حاليا يشبه كل اشكال الفوضى، والثورة الإصلاحية براء منه براءة مطلقة وان وراء الأكمة ما وراءها. وكمراقب يدعم ويؤيد بقوة تحقيق المطالب الشعبية أجد أن سوريا مستهدفة بهجوم متعدد الأوجه لهدف واحد هو ايجاد سوريا أخرى معزولة حيادية في قضايا الأمة.
فسوريا كانت ولا تزال قلب العروبة النابض فهي التي حمت لبنان في أحلك الظروف وهي التي أعادت الحياة إليه حين كان ينازع ومعلقا بين الحياة والموت.و هي التي أبقت النبض قويا في شريان الأمة العربية في وجه المؤامرات التي حاولت إسكات القلب الذي نبض وينبض بالعروبة الجامعة التي توحد ولا تفرق يستظل العرب من المحيط الى الخليج العربي بظلالها لأنها ناصرة لحقوق الأمة بكل ما أوتيت من قوة. فسوريا اليوم جريحة بالخنجر ذاته الذي حاولوا نحر لبنان به سابقا ’ لكنها ستتجاوز هذه المحنة على الرغم من شراسة المؤامرة التي تتعرض لها.
ولا يستطيع أحد ان يخفي نور الشمس بغربال ويقول إن كل الذي تشهده سوريا اليوم هو في اطار فعاليات ثورة مطلبية، فلو كان الأمر هكذا لكان الهدوء سادها من اللحظة التي سارع فيها الرئيس بشار الأسد الى إطلاق حزمة إصلاحات قضت بزيادة الأجور والرواتب والمعاشات، إضافة لسلسلة إصلاحات سياسية تستجيب لتطلعات الشعب السوري.
ومن الطبيعي أن تستلزم الإصلاحات وقتا لتنفيذها لأنها تطال مختلف النواحي في سوريا التي تحتاج إلى بناء المؤسسات وتحسين التعليم قبل انفتاح النظام السياسي ولقد حذر الأسد في مقابلة مع وول ستريت جورنال قبل أشهر من أن المطالب بالإصلاحات السياسية السريعة قد يكون لها ردة فعل سلبية في حال لم تكن المجتمعات العربية جاهزة لها.
ودمشق جادة في عملية الإصلاح بما تضمن أمن الوطن والمواطن وإعداد مشروع لقانون الأحزاب والإعلام وإطلاق الحوار السياسي والجماهيري”.
وعلى الرغم من هذه الاستجابة السريعة من الرئيس الأسد والبدء بورشة بإصلاحات كبرى إلا أن مجريات الأوضاع في سوريا أخذت منحى مختلفا تماما عن الطابع المطلبي وسلكت الطابع العنفي المسلح لا بل التمرد والانقضاض على الدولة لاسقاطها من خلال حض الجيش الذي يشكل ضمانة الوطن على الانشقاق، والعمل على جعله جيوشا متناحرة.
والذي لم يذق طعم التشرذم والانقسام وتحويل الجيش الوطني الى جيوش لا يعرف قيمة وأهمية وحدة الوطن والشعب، فنحن كلبنانيين خبرنا ذلك سابقا وشربنا من كأس الاقتتال والاحتراب المر.
وقد يكون النظام السوري قد أخطأ في تعامله مع المتظاهرين سلميا من خلال اللجوء إلى الحل الأمني وعدم التزام التعقل والحكمة معهم إلا أن الخشونة والقسوة لا تبرر رفع السلاح بوجه الجيش والقوى الأمنية محاولة إقامة مناطق خارجة عن سيطرة الدولة وتحويلها إلى إمارات تشكل رأس جسر للانقضاض على الدولة ككل. ومن المؤكد ان ما جرى في سوريا من تمرد عسكري في بعض المناطق قد أحرج المعارضة الوطنية الديمقراطية وإن كانت عاجزة عن بلورة نفسها حتى الآن. فهي إن كانت لا تريد قتل الناطور بل أكل العنب إنما بصمتها وعدم تحديد موقف مما يجري يحولها إلى شريكة صامتة في عملية تخريب الوطن بحيث يجب عليها إعلان انحيازها إلى عملية الإصلاح الجارية تحت سقف سوريا واحدة موحدة. وأن تتلاقى القوى والوطنية، في الخارج والداخل، للوصول إلى صيغة تخرج سوريا من النفق لكي تعود إلى لعب دورها القومي الذي تألقت به على مدى سنين طويلة.
* حسين عبدالله كاتب لبناني.. من الخيام
عن جريدة عمان العمانية .
تعليقات: