مدخل بلدة لاسا
وجدت محطة «أم تي في» بلدة لاسا في منطقة جبيل قضية جديدة للحديث عن دويلة «حزب الله» في لبنان.
لم تكتف المحطة ببث تقرير واحد أو اثنين، وإنما اتخذت من خلاف عقاري في البلدة عنوانا لتحويله إلى مسلسل يومي من أجل إبراز تعدي «السكان الشيعة» وحاميهم «حزب الله» على «الموارنة المظلومين» في المنطقة.
ومن أجل الترويج لتلك المظلومية، استضافت القناة أشخاصا هم من الساعين سلفا إلى التخويف من دويلة «حزب الله»، وكان آخرهم النائب بطرس حرب الذي وصف منع مصور المحـطة من التصوير في لاسا بأنه يتناقض مع مفهوم الديمـوقراطية، لكن القصة كما قال أخطر من مــسألة الاعــتداء «إذ يوجد في لبنان أناس لديهم ثقــافة الاعتداء على من يخالفهم الرأي، وهؤلاء لا يؤمنون بالتعددية».
وأعلن حرب أنه سيوجه سؤالا إلى الحكومة يتعلق بالاعتداء، لكنه لا يراهن على الحصول على جواب، سوى ربما من بعض الوزراء الذين لا يزال لديهم الحـد الأدنى من ثقـافة الديموقـراطية، مترسخة في عقولهم. وأكمل قائـلا انــه حصل على حريته من المنصب الوزاري كي يعود للتعبير عن آراء الناس.
لو نظر معد التقرير بشكل سريع إلى تصريح ضيفه، حتى من دون تكلف عناء إجراء قراءة لمضمونه، لوجد فيه تعصباً وادعاء، لكنه بدلا من ذلك سمح للنائب حرب بالقول إنه يملك دون الآخرين، ثقافة الديموقراطية، ولم يذكره باقتراح القانون الشهير الذي قدمه إلى مجلس النواب، ويقترح فيه منع بيع العقارات المبنية وغير المبنية بين الطوائف المختلـفة في لبنان، كما سها عن باله أن التوزير هو طموح جميع السياسيين، وبينهم حرب.
أما النائب سعيد الذي استضيف ضمن التقرير نفسه، فقد مارس تزويرا في الــتاريخ، عندما تحدث عن قيام الجمهورية اللبــنانية بالمساحة في العام 1939، وحينها كان لبنان جمــهورية الانتداب الفرنسي، وكل الباحثين في تاريخه يعرفون كيف قامت الكنيــسة المارونية عنــدما كانت صاحبة السلطة الأولى في لبنان بمــسح آلاف الدونمات في مختلف المناطق اللبنانية، عبر استخدام المخاتير والشــهود من أهل القرى. وقد حرم بموجب ذلك المسح عدد كبير من أصحاب الأراضي من أملاكهم، ولا شك بأن سعيد أكثر العارفين من هم سكان منطقة جبيل، وكيف طردوا منها؟
مع ذلك سمح إعلاميون جاهلون في التاريخ لأنفسهم ولضــيوفهم بإطلاق معــايير قيــمية على غيرهم، بعدما جيروا حـادثا عقاريا في بلدة إلى عنوان ضخم اسمـه: خطر دويــلة «حزب الله».
ويعرف هؤلاء ومعهم القيمون على المحطة أن الخلافات العقارية والبناء على الأملاك العامة هي من المسائل الخلافية في كل قرية وبلدة في لبنان تقريبا. لكن تم اختيار لاسا لأن الخلاف هو بين مذهبين مسلم ومسيحي، مثلما فعلت سابقا محطات إعلامية أخرى في قضية البناء على الأملاك العامة في صور بين السنة والشيعة، بينما حصل خلاف عقاري حاد مثلا بين بلدتي السلطانية ودير انطار في الجنوب، لكن المحطات التلفزيونية لم تجد فيه مادة إعلامية «دسمة» لأن المختلفين ينتمون إلى مذهب واحد.
وعدا ذلك، لا تتناول المحــطة وغيرها من وسائل الإعلام، الدويلات العـقارية في كل لبــنان، لــصالح أصحاب النفوذ، من المنتجعات السياحية، إلى المجمعات التجارية، مرورا بدويلة وسط بيروت، وصولا إلى الاستيلاء على الشواطئ البحرية، كي يستقر التشاطر على السكان في غالبية الأحيان.
ومع التذكير بأن «أم تي في» لا تمارس وحدها الانحياز الإعلامي والطائفي والمذهــبي، وإنما يسري ذلك على جميع المحطات التلفزيونية في لبنان، لكن ما فعلته هو تحويل لاسا إلى مسلسل درامي، عنوانه تجاهل تاريخ المنطقة أو ادعاء التجاهل، فجمعت الجهل مع الانحياز، بدلا من فتح باب الحوار بين المختلفين لحل المشـكلة، وذلك يعتبر من أخطر التوجهات الإعلامية التي تُلقى في وجه مواطنين لا ينقصهم لا تحريض طائفي ولا مناطقي.
زينب ياغي
تعليقات: