الحاج محمد ضاهر غزاوي- أبو حسن، كان يتجاوز عمره الخامسة والسبعين عاماً، قُتِل قرب منزله في حارة الميسة
في ذكرى التحرير نستعرض بطولات المقاومين والأهل الصامدين، ونستذكر أيضاً من أسّس لتلك البطولات وأرفدها بروح معنوية قتالية، ونعني بهم شهداء المجازر الإسرائيلية في العقود الأخيرة التي خلت... ومجزرة الخيام واحدة منها.
تتعدّد الروايات، تبعاً للشهود، حول تفاصيل المجزرة وما حصل في أروقة البلدة أثناء تنفيذ الإسرائيلي لمجزرته عبر عملائه المسعورين. كان هؤلاء العملاء كالكلاب المطيعة التي تنفّذ أوامر المحتلّ وتسهّل له خططه ومآربه.
تتعدّد الروايات، لكنّ القاسم المشترك يبقى واحداً: مقتل ما لا يقلّ عن سبعين معمّراً بوحشيّة قلّ نظيرها في التاريخ الحديث...
ومجزرة الخيام واحدة من سلسلة مجازر قام بها الصهاينة عبر تاريخ دولتهم اللاشرعيّة، مقلدين بها مجازر النازية بحق يهود أوروبا دون وجود أي سبب أو أي رابط تاريخي بين الاثنتين أو تحت أيّ عنوان آخر، باستثناء الكذب بادّعاء الحق التاريخي بفلسطين وبدولةٍ لضحايا النازية!
إنها مفارقة مذهلة وفاضحة اشتركت فيها دول العالم قاطبة، ولما تزل تساهم في مدّها بالأوكسجين اللازم لإطالة عمرها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، والسبب الوحيد هو استعمار حديث لبلادنا، مرفق بكرهٍ للعرب.
المهمّ أنّ مجزرة الخيام كانت عنواناً للظلم والإجرام. لقد أسرّ لنا بعض من التقيناهم من الأهل، ومنهم من سمع وشاهد عن كثب بعض ما حصل حينها، بأنّ الإسرائيليين جمعوا من استطاعوا جمعه من رجال ونساء، كبار السن، في ساحة "البِركة" عبر مكبّرات الصوت (حضر من صدّق أنّ الإسرائيلي سيكون رحوماً معه، وتمنّع من تمنّع ليشاهد عن كثب ما سيحصل حينها). طُلِب من الذين تجمّعوا حينها أن يفرغوا ما في جيوبهم على الطاولات الموضوعة أمام الجنود. ثمّ وجّهوا إليهم تهمة التعامل مع الفلسطيني، وأوعز الجنود إلى عملائهم الملثمين، الذين قد يكونون جنوداً إسرائيليين، القيام بما اتفقوا عليه: تصفية الجميع. كانت مشاهد مروّعة؛ هناك من ضُرِب على رأسه فانشطر نصفين، ومعظمهم تمّت تصفيته من الأمام أومن الخلف عبر إطلاق الرصاص عليه، وقد التحفوا الأرض بعد موتهم معانقين إياها بقبلة لا تنتهي. أمرأة مسنّة تمّت تصفيتها في مكان آخر(ودائماً حسب الشهود) وهي تركض خائفة وتحمل بعض الأشياء التي تخصّها تحت إبطها...
حصل هذا الشيء في اليوم الأوّل من المجزرة على أن يُستكمل في اليوم التالي الإجهاضُ على من بقي حيّاً ومختبئاً في دهاليز البلدة الكبيرة التي تحتاج إلى عدّة أيام لمسحها ولتنفيذ المهمة! أما ما رواه أحد المراسلين الأجانب كشهادة حيّة عن المجزرة فنتركه إلى مناسبة أخرى.
استطاع من بقي حيّاً من الأهالي، بعد معرفتهم بما حصل، التسلل في جنح الظلام خارج البلدة ركضاً غير آبهٍ بالأشواك والمشاق والمتاعب ومعاناة الطريق الوعرة، فالهدف هو النجاة.
الرجل الوحيد الذي أفرج عنه الإسرائيليون هو من آل "أبو عباس". لم يكن الإفراج عنه وليد طيب خاطر الجنود الذين طلبوا منه، وبكل صراحة ووقاحة، أن يذهب إلى بيروت ليرويَ ما حدث، ربّما لإثارة الرعب في نفوس الجميع، وربّما للإشارة إلى أنّ الإسرائليين لا دور لهم فيما حصل، بل أنّ من قام بهذا القتل هم لبنانيون، مما يترك في الرؤوس فكرة الانتقام والانقسام! وهناك ناجٍ آخر طلب منه الجنود أن يذهب إلى بيروت ليُقتلَ على يد عربيّ! (نترك لكم التعليق).
أما جدّي لوالدي الحاج "محمد ضاهر غزاوي- أبو حسن"، الذي كان يتجاوز عمره الخامسة والسبعين عاماً، فقد قُتِل قرب منزله في حارة "الميسة"، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ولا يستطيع حراكاً، طلب من جارته الحاجة "سكنة قانصو- أم علي" أن تحضر له أبريقاً من الماء كي يتوضأ ويصلي، حسب ما روت لنا المذكورة، والتي كانت مختبئة في مكان ما من منزلها قبل أن تشاهد كل شيء وتكلم جدّي المرحوم، وتهرب خارج الخيام باتجاه بيروت. تخيّلوا طهارة وعمق إيمان جدي وأمثاله الذين لا يحول بينهم وبين عقيدتهم شيء!
كان بحوزة جدّي مبلغ خمسة آلاف ليرة لبنانية، وهو مبلغ لا بأس به في حينه، سلبها منه الإسرائيلي والعملاء قبل أن يسلبوه روحه التي أودعها الخالق أمانة في جسده الطاهر.
أما جارتنا الحاجة "سكنة" فقد استطاعت الهرب في جنح الظلام مع الذين هربوا بعد أن قُتِل زوجها الحاج "أبو علي حسين قانصو" في المجزرة.
لم نستطع الوقوف على تفاصيل كثيرة من المجزرة، وقد يأتي ذلك تباعاً، فالمهمّ هو إبقاء هذا الحدث ينير الذاكرة كضوء الشمس كي لا ننسى، ولأنّ لهؤلاء الأبرياء حق علينا بتخليدهم في تاريخ هذا الوطن المجبول بالبطولات والمآسي على حدّ سواء! أما بخصوص الشكوى الدولية بحق إسرائيل فهي أقلّ الإيمان، وواجب علينا وعلى الدولة اللبنانية من خلال مساهمتها في إيصال تلك الشكوى ودعمها بما يجب لفضح الكذب الدولي الداعم لدراكولا الإسرائيلي الذي يقتات من جثث ودماء شهدائنا وأحبّائنا ومآسينا، ليروي بها عطشه العنصري قبل أن يتهمنا بالإرهاب والتخلف كي تبقى كذبة دولة إسرائيل قائمة ومستمرّة.
لذا نحن نقترح أن يقوم كل من يملك معلومات عن المجزرة وأسماء شهدائها (ولا سيّما أهل الشهداء) أن يرسلوها إلى موقع الخيام الألكتروني (Khiyam.com) مع نسخة عن الصورة الشمسية لشهيد المجزرة (إذا وُجِدت تلك الصورة)، أو الاتصال برقم هاتف يُوضع في تصرّفهم لتكوين ملف كامل عن المجزرة كما يقتضيه منطق الأمور كشاهد للتاريخ، ولتقديم الشكوى ضد إسرائيل كي تطمئن نفوس الشهداء حيث يرقدون.
تعليقات: