الاستنسابية تحمي بعض المخالفات (مروان بوحيدر)
عندما يخالف ضابط الأمن القانون الذي يُفترض به السهر على تطبيقه، تُصبح المحاسبة أكثر من ضرورة. الهدف يُصبح تقويم الإعوجاج الحاصل لمنع تحوّله إلى نهج. هنا غيض من فيض مخالفات ارتكبها ضباط ورتباء في قوى الأمن فأساؤوا استعمال السلطة الممنوحة لهم
في الأسابيع القليلة الماضية، طفا إلى الواجهة الإعلامية كباش طرفاه القوى الأمنية والمواطنون، وخلفيته إزالة الأبنية المخالفة. يومها تذرّع الأمنيون بغطاء سياسي يوفّره مسؤولون وجهات حزبية يحول دون قيام عناصرهم بواجبهم في إزالة المخالفات. وفي مقابل ذلك، تحدث مواطنون عن رشى تُدفع لعناصر وضباط تؤدي إلى الاستنسابية في قمع المخالفات. تطوّر الكباش، حينها، إلى احتجاجات واشتباكات سقط خلالها ضحايا من المواطنين والقوى الأمنية على حدّ سواء.
هدأت حمأة الكباش اليوم، لكن صدى الأصوات التي ارتفعت منذ أسابيع لم يخفت بعد. فقد تسرّبت معلومات عن ضبّاط ورتباء في سلك قوى الأمن الداخلي، عاملين ومتقاعدين، يملكون أبنية مخالفة ويُشيّدون أُخرى، مستخدمين نفوذهم لمنع إزالتها أو الاقتراب منها. وفي هذا السياق، نقل شهود الى «الأخبار» أن العميد المتقاعد محمد م. دخل مخفر المريجة، قبل أيام، صارخاً يسأل عن اسم رئيس المخفر، ويحتج على إزالة عدة أعمدة بناء تعود إليه، علماً أن ما يتحدث عنه العميد المذكور بناء مخالف مؤلف من خمس طبقات، لم تُزل منها غير الأعمدة المشيّدة في الطبقة الأخيرة. وتردد أن العميد اتّصل، ليحتج على إزالة مخالفته، بكل من قائد سرية الضاحية الرائد محمد ضامن ورئيس مخفر المريجة الملازم أول بسام خوري، ورئيس مفرزة استقصاء جبل لبنان الرائد يوسف المقداد. وعلمت «الأخبار» أنه كلما كان عناصر القوى الأمنية يحاولون إزالة أي من مخالفات العميد المذكور، يتدخّل الأخير معرّفاً عن نفسه قبل أن يتوسّط لدى أحد الضباط لوقف إزالتها. لكن في المرّة الأخيرة لم تسلم الجرّة، فقد وردت برقية من مفرزة استقصاء جبل لبنان تفيد عن حصول المخالفة، فتلقّف عناصر في مخفر المريجة الخبر قبل أن يقصد عدد منهم المكان، وتمكنوا من إزالة المخالفة بسرعة مستغلّين غياب العميد المخالف.
مخالفة العميد المتقاعد ليست الوحيدة، فقد ذكر مسؤول أمني لـ «الأخبار» أن هناك مخالفة بناء تعود إلى أحد العمداء العاملين، هو عبارة عن بناء مؤلف من سبع طبقات، فشلت محاولات القوى الأمنية في إزالته مراراً بفعل علاقات العميد الواسعة، كما أن عقيداً يقيم في إحدى قرى البترون، شيّد غرفة إضافية على نحو مخالف، ومن دون الاستحصال على إذن من البلدية. استدعت المخالفة حضور دورية من قوى الأمن لمحاولة إزالتها، لكنها جوبهت باعتراض العقيد، الذي رشق أحد أقربائه عناصر الدورية بالحجارة.
ولا تقتصر مخالفات البناء على الضباط فقط، بل تتعداهم أيضاً لتصل إلى صفوف الرتباء والعناصر. فقد علمت «الأخبار» أن الرتيب ح. ط. شيّد منزلاً في محلة العمروسية بطريقة مخالفة، وعمل في الأيام القليلة الماضية على «صب» سطح تبلغ مساحته نحو 180 متراً مقابل معمل النفايات، لكن أحداً لم يجرؤ على الاقتراب منه باعتبار أنه «مسنود»، ولا سيّما أن مركز خدمة الرتيب المذكور في فرع المعلومات، وهو كان يحرر عشرات البرقيات للإبلاغ عن مخالفي البناء، كما يتحدث متابعون أمنيون للملف عن ضابط كان مشرفاً على ملف قمع مخالفات البناء تمكن من جمع ثروة من الرشى التي حصل عليها، نتيجة غض النظر عن المخالفات، فضلاً عن أن منزل عائلته شُيّد على نحو مخالف. ويتردد أن الضابط المعني يشيد اليوم قصراً في محلة المشرف بلغت كلفته حتى الآن مئات آلاف الدولارات!
..
«معايير» الإزالة
غالباً ما يعتدي مواطنون على عناصر القوى الأمنية أثناء قمع مخالفات البناء. اعتداءات ينتج منها تحطيم آليات عسكرية وإصابة عناصر الدوريات بأذى. السيناريو تكرر كثيراً في الآونة الأخيرة، إلا أنه اتّفق على عدم التهاون في قمع المخالفات. ونجم عن عدم التهاون سقوط قتلى في صفوف المواطنين. ويردّ من يقيمون في المناطق التي شهدت «ثورة» في مخالفات البناء أخيراً سبب اعتراضهم على عمل القوى الأمنية الى سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها هذه القوى التي «تستنسب في إزالة مخالفة البناء بين مواطن وآخر، وفق معياري المبلغ المدفوع والواسطة، وبالتالي يشعر بعضهم بالظلم حين يُطبق القانون عليهم، فيما يشيّد ضباط ومسنودون المخالفة بحمى القانون.
تعليقات: