المناضلة سهى بشارة: «يجعلون المرأة كسجادة تحت الأقدام»
المعركة الأساسية هي «الداخل».. ولا يمكن فصل حال المرأة عن بناء الدولة
يعملن كالنمل. يحملن آراءهن وأفكارهن كحبات قمح صغيرة، تنتقل من ظهر واحدة إلى ظهر أخرى، ليخلقن تأثيراً ما في مجتمع محقون بالذكورية. هن النساء، اللواتي «كتب عليهن أن يمارسن العمل التعبوي التربوي ليحققن خرقاً (أو تغييراً) ما في إطار قضايا المرأة». يخرج التوصيف المذكور لحراك النساء المطلبي عن مناضلة تُعرف بلقب «زهرة الجنوب»، اسمها سهى بشارة، وقد قالته في أثناء مشاركتها في المسيرة التي دعت إليها حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، خلال زيارتها الحالية للبنان.
لا تغيّر سهى بشارة وجهة عدوها، وهو إسرائيل، لكنها في الآن ذاته لا تعيش من خلاله. تقصد بشارة أنه «عندما نقاوم ونقاتل، لا يجب أن ننسى الداخل والعمل على إخراج لبنان من الأزمة الإقتصادية، وتنظيم المؤسسات، وإقرار القوانين المدنية. وهو ما نحن بعيدون عنه كل البعد، إذ نعيش في ظل آفة شعبية أساسية تتجلى عبر هواية وحيدة: التصفيق لكل شيء، للمغنين، للراقصات، لرجال السياسة والطوائف».
وبذلك، تضع بشارة، التي تعيش مع زوجها وولديها (تالا وجاد) في سويسرا، إطاراً واسعاً لوضع المرأة في لبنان وحقوقها بالمساواة والمواطنة الكاملة، وبقانون يحميها من العنف. هي التي تجد أنه «لا يمكن الفصل بين حال المرأة وبناء الدولة الديموقراطية القائمة على العدالة والمساواة والعدالة. الدولة التي سعت «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»، منذ انطلاقتها، إلى العبور إليها بصفتها الحلم الأكبر».
شاركت بشارة في تحركات حقوقية نسائية، وتشرح إنها «أولاً، أنا أشارك كوني إمرأة، وكوني إنسانية بالدرجة الأولى، ذلك من دون أن أدعي أني ناشطة دائماً، إنما لا يمكن أن أفهم كيف تكون حقوق المرأة في لبنان «مدعوسة»، ومهمشة، وخياراتها في كل مجالات الحياة محدودة، فهي تخضع لنوع من العرف الذكوري الذي يمنع وصولها إلى مناصب عليا في العمل، في الدولة، ولا سيما في السياسة، إذ في تاريخ لبنان لا وجود للمرأة كقائدة».
وتعود بشارة لتخصص كلامها في موضوع منح المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها، الموضوع الذي يعنيها على الصعيد الفردي أيضاً كلبنانية متزوجة من أجنبي، وتقول إن «التعامل مع هذا الملف يتم بلا - إنسانية تامة، وذلك باسم التوازن الطائفي، وباسم حجج مختلفة تسرق من المرأة اللبنانية أولادها من لحمها ودمها. حجج تجعل أولادها موجودين وغير موجودين (في الوقت نفسه) في بلدها». وترى بشارة أنه «لم يعد من قضية في الكون إلا وتم حشرها كذريعة لمنع الأم اللبنانية من منح جنسيتها لأولادها، وبهذا يسحقون كرامة أطفالها قبل أن يولدوا كرمة لتوازناتهم وحسابات الستة والستة مكرر».
ما يضع المرأة في لبنان أمام خيارات محددة، تبدو كخطوط نارٍ يتوجب عليها المرور عبرها، إذ بحسب بشارة، «على المرأة، وقبل أن يدق قلبها أو تلفظ الهمسة الأولى باتجاه شريك حياة محتمل، أن تطلب سجلاته كاملة، وجنسيته، وطائفته ومذهبه.. فجعلونا نحب على جواز السفر، والهوية، وحتى إخراج القيد، بل إنهم لا يترددون في إهانة خياراتها، مرددين: شو هبلة تتزوج أجنبي؟، وشو الله جابرها؟!». وتضيف: «يوم اخترت الزواج، سألت عن معايير تعني لي أكثر، معايير إنسانية وتتعلق بمبادئي، ولم أسأل عن جنسيته. أما أولادي اليوم، فأحاول آلا أعيشهم الكذبة وأشرح لهم لماذا أنا لبنانية وهم لا، علما أني أمهم».
وتعود بشارة لتسأل: «أين هو الإنفتاح الذي يتغنى به لبنان؟ وأي هي الأديان التي تتغنى بالتسامح؟ هل التسامح يعني أن يجعلوا المرأة التي تشكل نصف المجتمع، تنجب أولاداً يتعذبون في حياتهم وتعليمهم وأوراقهم الثبوتية وميراثهم؟ هل تقبل الأديان، في حال موت الزوج أو رحيله لسبب ما، أن يعيش هؤلاء الأطفال داخل لبنان إنما خارج القانون؟». وتذكر أن «عددا من النساء اخترن الدخول من باب الخيار الوحيد الذي أفسحه القانون ليجعلوا أولادهن يعيشون معهن في لبنان، وهو أن يسجلوهم كأولاد دعارة! وهو خيار شبه وحيد للتلاعب على القانون، إنما في الوقت عنيه، هو قرار جريء ويحتاج إلى وعي الزوجين».
ولا تنسى بشارة أن تذكّر «بملايين اللبنانيين الذين هاجروا إلى أصقاع العالم، وحملوا جنسيات مختلفة، وباتوا المادة التي نغنى بها بلبنان كطاقة مهاجرة». وتسأل: «هل عُذب هؤلاء كما تعذب المرأة في لبنان؟ كم من لبناني كسب الجنسية زوجته الأوروبية أو الأميركية أو الآسيوية بمجرد أن تزوجها، وعاد ليمنحها جنسيته اللبنانية بلمح البصر؟». وتعود لتقول أنه «في لبنان، يتم تضخيم الصورة، وترهيب المواطنين بأن السماح للمرأة اللبنانية بمنح جنسيتها لأولادها سيؤدي للتوطين، علماً بأن الأرقام أثبتت أن الزيجات المحتملة لن تكون فقط من الجنسية الفلسطينية (وبالتالي تؤثر على عدد الطائفة السنية). هذا من دون أن ننسى أنه يمكن إرفاق هذا الحق بدفتر شروط يجب إستيفائه قبل منح الجنسية للزوج».
تحكي بشارة، وتشارك بين الفنية والأخرى في تحركات حقوقية، إنما لا تبدي «أي تفاؤل في قضية تحقيق المواطنة الكاملة للمرأة اللبنانية، إذ لا يبدو في الأفق أي منفذ للتغيير في أي إطار ولاسيما في موضوع المساواة». وتشرح أسباب ذلك بالقول أن «التغيير عادةً يفرض من الأعلى، أو يتم العمل عليه من أسفل الهرم أي من القاعدة الشعبية، وهذا هو دور الأحزاب غير المعنية في هذا الملف وفي ملفات كثيرة في لبنان، ولا تملك أي رؤية شاملة، واختزل عملها في الإنتخابات، وعدد المقاعد التي سيستحصلونها، وانتهى!».
المشاكل السائدة في لبنان، لا تنحصر، بحسب بشارة، في قضايا المرأة، وإنما «من المفترض أن تكون الملفات الحقوقية من البديهيات، ومن المفترض أن يكون احترام الآخر، وحماية المرأة من التعنيف داخل وخارج منزلها، من المسلمات، واليوم نسمع باسم الدين من يحلل على طريقته بحق الزوج تأديب زوجته ولو كان بالضرب. وهناك من يسمح له بأن يجعلها مجرد سجادة تحت الأقدام، ويضربها وقتما شاء».
يدفع ذلك كله بسهى بشارة لأن تقول إنه «منذ انخراطي في العمل المقاوم وحتى اليوم، كنت ولا زلت أؤمن بأن المعركة الأساسية أمامنا هي معركة الداخل، هي المعركة الأصعب لأنها محفوفة بالتعريفات الملتبسة حول هوية الآخر، وحول برنامج ومسؤولية كل طرف عن أخطائه ودوره في الفساد والهدر وعرقلة بناء الدولة. وبمعنى آخر، معركة الخارج كانت «أوضح»، إذ كنا نختلف على قراءة وجود عدونا الإسرائيلي، أو الوجود السوري، إنما كانت هوية كل منهما معروفة، أما معركة الداخل فلا شيء واضح، لا رؤيتنا للمؤسسات ولا نظام الدولة، ولا قوانين الانتخابية، الإدارية، أو المدنية». ومن هنا، «تكون الخلاصة لهذه الفوضى العارمة»، بحسب بشارة، هي «انخفاض منسوب الوعي، وانعدام النية بالتغيير، والحقيقة الوحيدة هي أن البلد ليس إلا عبارة عن شركة مافيات، يحق العيش فيها من دون أي حق آخر، من دون أن نقول كلمة».
تعليقات: