أسماك غادرت البحر لتتحول إلى وجبات لذيذة

أسماك غادرت البحر لتتحول إلى وجبات لذيذة

الصويرة:

لا يحتار زوار الصويرة كثيرا في اختيار وجبات الأكل، ففي «مدينة الرياح» يتحول السمك، الذي يطلق عليه المغاربة اسم «الحوت»، إلى وجبة يشترك في طلبها الجميع. ولأن الصويرة مدينة بحرية فهي تشتهر بأنها «مدينة السمك» خصوصا السمك المشوي على الفحم.

وعند الوصول إلى الصويرة، هذه المدينة الوديعة التي تنام على المحيط الأطلسي، وتوجد إلى الجنوب من مراكش، على مسافة 170 كيلومترا، تستقبل طيور النورس البيضاء الزائر بأصواتها البحرية، فيما تضفي، بتحليقها المتواصل وانتشارها على جنبات الشاطئ، بهاء ومتعة عند المشاهدة والنظر.

والجميل في الصويرة أن مطاعمها تقترب بك من شاطئها ومينائها، تمنح الزائر متعة المشاهدة، كما تمنحه فرصة تذوق أسماك مشوية غادرت هواءها البحري وعالمها الأزرق للتو.

وفي علاقة بحديث البطن ودفء الأكل، تنتشر في الصويرة، بشكل لافت للانتباه، على طول الشاطئ، مطاعم متخصصة في السمك. وحيث إن للجيوب مقاسات تختلف بحسب المستوى الاجتماعي لأصحابها، فإن اختيارات الأكل في الصويرة توفر فرصا إضافية لتناول وجبة شهية من السمك المشوي، بالقرب من الميناء.

ويعرف زوار وأهل الصويرة أن الأسماك هي طعام الأصحاء والمرضى، على حد سواء، ولذلك يتوجهون نحو المطاعم المنتشرة بالقرب من الميناء لأكل ما لذ وطاب من أنواع السمك الطازج. أما أصحاب المطاعم فيحرصون، من جهتهم، على نظافة المكان، ويحافظون على زرقة اللون والبياض، بالنسبة للكراسي والطاولات، وذلك في تناغم مع أمواج البحر وزرقته، كما أنهم يبدعون في طرق دعوة الراغبين في أطباق تسد الجوع نحو مطاعمهم، مع الحرص على أن يقتنع الزبون بأن السمك طازج، وذلك بالتركيز على مجموعة من المواصفات التي تتطلبها جودته، من قبيل أن تكون رائحته هي رائحة البحر، وعيناه لامعتين، ولحمه متماسكا وصلبا عند اللمس ويصعب الفصل بسهولة بين لحمه وعظمه، والخياشيم ذات احمرار طبيعي، والزعانف صلبة. ولأن معظمهم لا يستطيع التمييز بين السمك الطازج والسمك الفاسد، فإن الزبائن يتركون أمرهم بيد العاملين بالمطاعم، مع ثقة كبيرة في أن شهرة هذه المطاعم الشعبية لا يمكن إلا أن تكون دليلا ومقياسا على الأكل الجيد. ولا يتدخل العاملون وأرباب المطاعم في شرح جودة معروضاتهم السمكية، فقط، بل يقترحون على الزبائن طبيعة الخليط السمكي والكمية التي يحتاجونها والثمن الذي قد يتماشى و«جهدهم المادي».

وبعد أن يقتنع الزبون بالمطعم الذي سيتناول فيه وجبته، يقوم العامل بوزن كمية السمك المعروض على ألواح خشبية مفروشة بالثلج، تعرض كل أنواع السمك، قبل أن يدفع بها للمكلف بشيِّها على الفحم، مقترحا على الزبون براد شاي منعنع أو مشروبا غازيا، بحسب الرغبة والاختيار.

وهكذا، وخلال كل العملية، لا يفعل الزبون أكثر من أن يشير إلى خليط السمك الذي يشتهيه، قبل أن يبادر البائع إلى وزن الكمية المطلوبة والدفع بها إلى الشواية، ثم تعرض عليه مشوية وجاهزة للأكل.

ويجلس زبائن مطاعم السمك الشعبية بالصويرة، وظهورهم إلى البحر، فيما يتوجهون بأعينهم نحو المدينة الممتدة أمامهم ببياض بناياتها. كما تنفتح الجلسة على حديقة صغيرة تحيط بهذه المطاعم، التي توجد في المدخل السفلي المؤدي إليها، لائحة أسعار كبيرة كتبت باللغتين العربية والفرنسية، تحمل عنوان «أسعار وجبات السمك المشوي»، تحدد أنواع الأسماك والأوزان المقترحة، والأثمان المحددة من طرف «الجمعية المهنية لشي السمك بالصويرة»، وهي حوالي 60 درهما (سبع دولارات) للشخص الواحد، ويمكن أن تتضمن من خمسة إلى ستة أنواع من السمك، لعل أبرزها «السردين» و«البوري» و«الشرغو» و«الروبيان» و«القمرون» والصول «سمك موسى».

ويشعر مرتادو المطاعم الشعبية في الصويرة، وهم جالسون يتناولون ما يقترح عليهم من خيرات البحر وفواكهه، كما لو أنهم بصدد قضاء نزهة مريحة، يستمتعون فيها بالهواء الطلق والشمس الدافئة وزرقة البحر والسماء. ومن جهتهم، يعرف أصحاب هذه المطاعم أن سمعة وجودة ما يعرضونه يعتمد على ارتياح الزبون إلى جودة الأكل والسمك ومستوى الخدمة المقدمة إليه، وبذلك يضمنون لمطاعمهم وللمدينة وفاء الزبائن والزوار وسمعة وصيتا بين الناس في المدن القريبة والبعيدة.