اسعار الترابة في بورصة الاحتكار وحامي الديار هو ذئبها(هيثم الموسوي)
مخالفات البناء أججت الطلب فاستغلّته الشركات لزيادة أرباحها
أسعار الترابة قفزت إلى مستويات قياسية خلال الأشهر الماضية. الأسباب كثيرة، إلا أن هذا الارتفاع الذي زاد على «طين» ارتفاع كلفة البناء «بلّة»، لم يجعل الحكومة تفكر، ولو للحظة، في رفع الحمائية عن الشركات التي تحتكر سوق الترابة في لبنان، والسؤال لا يحتاج إلى جواب؛ فحامي الديار هو ذئبها
مرّ لبنان خلال الشهرين الماضيين بظاهرة غريبة؛ فقد ارتفع سعر الترابة إلى مستويات قياسية، ما أثر على ارتفاع كلفة البناء في جميع المناطق اللبنانية. الباحث عن سبب ارتفاع الأسعار سيتوقف قبل أن يفكر عند الامتيازات العديدة الممنوحة لشركات الترابة؛ فهذه السوق تخضع لاحتكار فعلي، ولحمائية عجائبية من النظام؛ بحيث يُمنع استيراد الترابة نهائياً. كذلك تحظى هذه الشركات بإعفاءات ضريبية وجمركية متعددة. ويظن الباحث لوهلة أن الاقتصاد اللبناني قائم على بيع الترابة، إلا أن التمحيص بمالكي شركات الترابة يوصل إلى نتيجة مؤكدة؛ إذ إن محتكري استيراد هذه المادة وتوزيعها هم سياسيون موزعون على الأطراف السياسية المختلفة، وهذه الحلقة تمتد إلى التجار كذلك، فإذا بموزعي هذه المادة «يتوزعون» أيضاً على القوى الفاعلة في المناطق. وهكذا ارتفع سعر طن الترابة بين 30 إلى 40 دولاراً خلال الشهرين الماضيين.
استغلال أم ضعف؟
فمنذ شهر شباط الماضي ارتفعت أسعار الترابة تدريجاً. ويشرح عضو مجلس نقابة المقاولين مارون حلو، أن الأسباب تختلف بحسب الجهة التي تُستقى المعلومات منها. إلا أنه في الحصيلة، يمكن الحصول على عدد من الأسباب المتزامنة خلال فترة ارتفاع الأسعار؛ فقد ارتفع الطلب في السوق اللبنانية من 15 و 16 ألف طن يومياً إلى نحو 20 و 22 ألف طن بسبب مخالفات البناء التي انتشرت في عدد كبير من المناطق اللبنانية خلال فترة غياب الحكومة. وجاء ذلك بالتزامن مع إجازة وزارة الداخلية للبلديات الترخيص بنفسها لطالبي بناء شقق صغيرة دون 120 متراً، ما أدى إلى فورة بناء. وكذلك حصل منذ شهر عطل في معامل سبلين للترابة استمر شهراً، ما أدى إلى تراجع في الإنتاج. ويلفت حلو إلى أن سعر الترابة في سوريا يزيد نحو 40 دولاراً عن السعر في لبنان. وبسبب الفورة العمرانية التي لم تتوقف رغم الأحداث السورية، حصلت عمليات تهريب واسعة أيضاً إلى سوريا، وبالتالي ارتفع الطلب على الترابة، في مقابل انخفاض العرض من الشركات، فاستغل التجار الوضع ليرفعوا الأسعار.
هذه الأسباب المجتمعة تبدأ بالتشتت حين التوجه إلى كل فريق من أفرقاء الحلقة «الترابية»؛ إذ يشير أحد العاملين في شركة ترابة إلى أن العطل التقني في شركة سبلين أدى إلى انخفاض الإنتاج، فارتفع السعر إن كان من الشركات أو التجار، وبالتالي وصل سعر طن الترابة إلى ما بين 140 إلى 150 دولاراً، بعدما كان نحو 110 دولارات.
إلا أن رئيس جمعية تجار ومنشئي الأبنية، إيلي صوما، يحصر المشكلة بمخالفات البناء التي انتشرت خلال الفراغ الحكومي. ويلفت إلى ارتفاع الطلب من 15 إلى 20 ألف طن دفعة واحدة مع بدء المخالفات، وبالتالي لم تستطع شركات إنتاج الترابة مجاراة ارتفاع الطلب الكبير، فأوقفت التصدير إلى الخارج وقررت التركيز على تلبية الطلب الداخلي، ورفعت أسعار الطن من 110 دولارات إلى 130 دولاراً على الموزعين، وهؤلاء رفعوا الأسعار إلى 150 دولاراً. ويشرح كذلك أن شركتين للترابة توقفتا عن مد السوق بالترابة، بعدما كانت العقود الموقعة مبنية على أسعار أرخص. ولفت إلى أن ما أدى إلى هذه الفوضى ليس تجار البناء، بل من عمّروا بطريقة عشوائية.
وكذلك يقول تاجر الترابة إيلي بعينو، الذي يشرح أن مخالفات البناء على الأملاك العامة في فترة استقالة الحكومة أدت إلى طلب غير مسبوق في لبنان؛ إذ كانت الشركات تسلم بين 20 إلى 22 ألف طن من الترابة يومياً بعدما كانت تسلم بين 15 إلى 16 ألف طن، وهذا الطلب غير المسبوق فاق الطلب على الترابة بعد انتهاء حرب تموز. ولفت إلى أن الشركات انتجت وفق قدراتها الكاملة واستخدمت كامل مخزونها. ولفت إلى أن ارتفاع السعر كان نتيجة أن الطلب أكبر من العرض، فيما الشاحنات أصبحت تقف في الشركات من 3 إلى 5 أيام لتحصل على حمولتها، وبالتالي ارتفع سعر الطن نتيجة ارتفاع كلفة الانتظار في الشركات، إضافة إلى كلفة النقل.
السبب هو الاحتكار
إلا أن مصدراً في نقابة المقاولين، يؤكد وجود استغلال من الشركات المحتكرة لسوق الترابة التي تتمتع بامتيازات حمائية من الدولة، بحيث يمنع استيراد الترابة من الخارج، رغم أن فتح باب الاستيراد يوفر كثيراً في أكلاف البناء. ففي تركيا يصل سعر طن الترابة إلى أقل من 35 في المئة من السعر المعتمد في لبنان، وعلى الرغم من أن هذا الموضوع واضح جداً، وعلى الرغم من التلوث الذي تحدثه شركات الترابة، إلا أن الحكومات المتعاقبة لا تزال مصرة على حماية هذه الشركات بقانون منع الاستيراد. ويؤكد المقاول أن من يرفعون أسعار الترابة هم الشركات حصراً، فهي تصدر أكثر من نصف من إنتاجها إلى سوريا والعراق؛ لكونهما تشهدان فورة عمرانية ضخمة، وخصوصاً بعدما سمحت الدولة السورية بالبناء في المشاعات، إلا أن الأحداث السورية أدت إلى تراجع الصادرات من الترابة، فافتعلت الشركات أزمة محلية لرفع الأسعار وتعويض ما خسرته من تراجع صادراتها. وهكذا، خفضت إنتاجها إلى النصف تقريباً، ورفعت الأسعار إلى مستويات قياسية. وقد ترافق هذا الواقع مع المخالفات العمرانية، ما أدى إلى نمو الأزمة وازديادها. ويلفت المصدر إلى وجود دلائل أكيدة تشير إلى أن شركات الترابة تمارس الخداع؛ إذ إن الذين يرتكبون مخالفات في البناء لا يستخدمون «الترابة الفلت»؛ لأنها تأتي في سيارات خاصة وتستطيع القوى الأمنية ملاحظتها بسرعة. ومن المعروف أن المخالفين يستخدمون أكياس الترابة حصراً، نظراً إلى سهولة نقلها وتوضيبها، إضافة إلى أن الترابة الفلت أغلى من الأكياس. إلا أنه خلال فترة الأزمة، ارتفعت أسعار الترابة الفلت بالنسبة نفسها التي طالت أسعار أكياس الترابة، ما يشير إلى أن ارتفاع الأسعار آتٍ من المصدر، أي من الشركات نفسها. ويلفت المصدر إلى أن سعر طن الترابة يجب ألا يرتفع عن الـ80 دولاراً؛ إذ إن طن الترابة التركية مع كلفة نقله إلى لبنان لا يتعدى 65 دولاراً، ما يعني وجود أرباح ضخمة تحصّلها شركات الترابة اللبنانية، مستفيدة من التسهيلات الجمركية والضريبية والحصرية الممنوحة إليها في إمداد السوق المحلية، لافتاً إلى أن الأسعار عادت إلى الهدوء بعد تأليف الحكومة والسيطرة على الفوضى القائمة.
6 ملايين طن
هي القدرة الإنتاجية السنوية لشركات الترابة الثلاث: «شركة الترابة الوطنيّة»، «هولسيم» و«سبلين». يصدر منها عادة حوالى مليون طن إلى عدد من الدول العربية والأوروبية.
الحديد أيضاً ارتفع سعره
لم تتوقف الأزمة على أسعار الترابة، فقد ارتفع سعر طن الحديد خلال الفترة السابقة من 825 إلى 850 دولاراً، علماً بأن معظم الحديد المستخدم في السوق المحلية هو مستورد، إذ يستهلك لبنان حوالى 3500 طن من الحديد يومياً، إلا أن الفترة السابقة شهدت ارتفاعاً في كمية الحديد المستخدم وصلت الى 5 آلاف طن يومياً، وفيما يستورد الحديد حوالى 12 تاجراً، شهدت الفترة السابقة ظاهرة السوق السوداء في بيع الحديد بحيث وصل سعر الطن في عدد من المناطق الى 870 دولاراً.
--------------
..............
سبلين و«الوطنية»
■ يهمّ شركة ترابة سبلين توضيح الحقائق الآتية في ما يتعلق بالمقال تحت عنوان «سعر الترابة يرتفع 30 دولاراً: مخالفات البناء أججت الطلب فاستغلته الشركات»:
أولاً : إن أسعار الترابة المبيعة إلى التجار، مصانع الباطون الجاهز والمتعهدين يبلغ: 101,2 دولار أميركي (يشمل الضريبة على القيمة المضافة) للطن المكيس تسليم أرض مصنعنا. 93,5 دولاراً أميركياً (يشمل الضريبة على القيمة المضافة) للطن الفلت + أجور النقل تسليم المجابل. وهذا يؤكد أن سعر الطن للإسمنت الفلت أقل من المكيس ب7,7 دولارات أميركي.
ثانياً: حرصاً من شركة ترابة سبلين على حماية المستهلك اللبناني، عملت الشركة بالتنسيق مع وزارتي الصناعة والاقتصاد، على رسم سياسة معينة لمحاولة ضبط الأسعار.
ثالثاً: إن القدرة الإنتاجية لمصانع الإسمنت الثلاثة في لبنان تفوق 6,500,000 طن سنوياً، وهي تكفي حاجة السوق المحلي وأكثر، ما يدفع الشركات إلى تصدير فائض إنتاجها إلى البلدان المجاورة.
رابعاً: إن شركة ترابة سبلين قد عمدت إلى إيقاف عمليات التصدير إلى الخارج التي كانت تقوم بها في الفترات السابقة، وذلك للتأكد من تلبية السوق المحلي.
خامساً: إن مصنع ترابة سبلين لم يتوقف عن إنتاج الترابة وتسليمها إلى السوق المحلي، ولم يطرأ عليه أي عطل فني، كما ذكِر في المقال نقلاً عن عضو مجلس نقابة المقاولين المهندس مارون الحلو، بأن مصنعنا قد توقف مدة شهر بسبب عطل فني.
سادساً: لدى مصنعنا أكثر من 100 تاجر ومصنع باطون جاهز ومتعهّد من كافة المناطق، يشترون الترابة مباشرة منا، اختيروا وفق معايير تجاريّة شفّافة لا علاقة للقوى الفاعلة بهم كما جاء في المقال.
سابعاً: إن نسبة مادة الإسمنت تمثّل نحو 4% من كلفة البناء، وبالتالي تُعَدّ هذه المادة الأقل تأثيراً بين المواد الأخرى.
شركة ترابة سبلين ش.م.ل.
■ تضيف شركة الترابة الوطنية ش.م.ل على ما سبق المعطيات الآتية:
1- السوق اللبناني المحلي لا يستهلك أكثر من 5 إلى 5.5 ملايين طن سنوياً من الإسمنت.
2- فور ابتداء الأزمة قامت شركة الترابة الوطنية بالتعاون مع وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة الصناعة بعدة خطوات للجم هذا الفلتان في أسعار طن الإسمنت، ما أدى إلى تراجع الأسعار وعودتها تدريجاً إلى مستواها الطبيعي قبل بدء ألازمة.
3- إن شركة الترابة الوطنية، مع ابتداء الأزمة، أوقفت كلياً عمليات تصدير الإسمنت والكلينكر إلى الخارج، بهدف تعويم السوق الداخلي والحد من تفاقمها، فزادت تسليماتها 40% للإسمنت المكيس و 33% لللإسمنت الفلت، مقارنة بالفترة نفسها للسنة الماضية.
شركة الترابة الوطنية ش.م.ل
تعليقات: