لبنانيون يجتازون الحدود مع سوريا مشياً على الاقدام هرباً من نيران اسرائيل
(م.ع.م)

البقاع الأوسط :

لا يمكن الحديث عن يوميات العدوان على منطقة البقاع، من دون استعادة الاستهداف المتعمد للجسور والطرقات والشاحنات والسيارات التي كانت تتحرك في المنطقة، أو حتى تلك التي كانت تجتازها آتية من سوريا حاملة المساعدات من دول عربية عدة.

تحولت هذه كلها، ومنذ اليوم الثالث للعدوان، إلى أهداف شبه يومية لصواريخ المقاتلات التي لم تغادر سماء المنطقة. حتى العبارات التي وضعها الأهالي فوق الأنهر أو السواقي لتسهيل هروبهم من «العقاب الجماعي» الذي قررت اسرائيل تنفيذه بحق لبنان وشعبه، لم تسلم من الصواريخ.

وبالفعل، أسفر استهداف الطرق ووسائل النقل والجسور عن استشهاد عشرات الأبرياء وإعاقة تسليم المواد الغذائية للقرى التي تحتاج إليها وللإمدادات. ونجا أكثر من سائق شاحنة من القصف الإسرائيلي بأعجوبة أثناء محاولتهم نقل مواد غذائية وسلع زراعية.

وكان العدو، خلال الحرب، يتذرع بأنه يضرب مركبات تحمل صواريخ وأسلحة لحزب الله، فيستبيح ضرب أي شاحنة أو سيارة تمر في المنطقة.

وعلى الرغم من استهداف أكثر من عشرين شاحنة نقل وعشرات السيارات المدنية، لم ير الإعلاميون أو البقاعيون غير أشلاء الضحايا وممتلكاتهم المدمرة وبقايا الجسور والعبارات وطرقات تقطعت أوصالها. لم يسمع صوت صاروخ منفجر أو بقايا ذخائر وقنابل إلا في تقارير الإسرائيليين وإعلامهم.

«ليلة الجسور»

كان «جسر تعنايل» أول الجسور التي دمرت في البقاع. يشكل الجسر صلة وصل رئيسية على الطريق الدولية بين شتورا والعاصمة السورية.

وبعد ساعات قليلة على تدميره الكامل، قصفت المقاتلات المعادية الطريق الدولية في منطقة ضهر البيدر بالقرب من جسر النملية وقطعتها بالكامل.

ما يزال أهالي البقاع يتذكرون كيف استفاقوا صبيحة اليوم السابع للعدوان على تدمير ثلاثة جسور رئيسية تربط مناطق البقاع الاوسط ببعضها البعض، بالإضافة الى عبارات عدة. كان يوم مجازر المرور.

«ليلة جسور البقاع»، وصف أطلقه البقاعيون على ليلة العشرين من تموز .2006

عزل الإسرائيليون عند الساعة التاسعة مساء من تلك الليلة، وفي أقل من عشرين دقيقة، غالبية مدن وقرى البقاع عن بعضها البعض.

مسلسل الغارات بدأ باستهداف جسر تل عمارة، الذي يطلق عليه «جسر الليطاني» عند تقاطع طريق بعلبك ـ رياق، ويربط قرى البقاع الاوسط بقرى البقاع الشمالي. وعلى بعد كيلومترين من جسر تل عمارة دمرت صواريخ المقاتلات الاسرائيلية جسر الشحيمية الذي يربط بدنايل بشرقها على طريق بعلبك الدولية عند تخوم قضاء زحلة.

«وفي طريقها» «تسلّت» المقاتلات بتدمير جسر في خراج بلدة زحلة، يقع قبل مفترق بلدة الفاعور على طريق دير زنون ـ رياق هادفة إلى عزل قرى شرقي زحلة عن عروس البقاع من جهتين: طريق جسر الليطاني ـ رياق تل عمارة ومن جهة بلدة الدلهمية وقرى الشرقي.

وبعد ليلة الجسور، جاء دور الطريق الدولية بين لبنان وسوريا، فشنت إسرائيل أكثر من عشر غارات على وسط الطريق الدولية بالقرب من منطقة المصنع لجهة سوريا، والتي كان يقصدها آلاف اللبنانيين الفارين من الجحيم الإسرائيلي، كما أنها كانت السبيل الوحيد المساعدات الغذائية برا.

مجازر الآليات السيارة

بعد تقطيع أوصال البقاع، أضحت الشاحنات والسيارات هدفا يوميا للمعتدين. سيطر هاجس القصف الجوي الإسرائيلي المستمر على مدار الساعة على سائقي الشاحنات اللبنانية.

فقد جهد سائقو البقاع خلال الحرب لإيصال الخضار والفاكهة الى الاسواق الزراعية، مبتكرين كل الوسائل لإعلام المقاتلات المتربصة بهم بأن رؤوس البطاطا ليست كاتيوشا، وبأن صناديق الدراق ليست صواريخ تدمر دبابات الميركافا، ولكن دون جدوى، يقول حسن السائق حسن الترشيشي.

ويخبر الترشيشي عن رفاق له استشهدوا على الطرقات: «لم نكن نعرف متى يستهدفوننا، وبالرغم من كل الاحتياطات، استشهد رفاق لي».

ويروي هشام ناصر الدين، السائق الأول الذي استهدفت شاحنته طائرة الاستطلاع «إم.كا»، كيف انفجر صاروخ مقاتلة معادية على بعد «سنتيمترات» من مقعده حين كان ينتقل بشاحنته من سرعين الى القماطية «ولكنني نجوت بمشيئة الله».

ويقول «تعرضت لصاروخين الأول انفجر بالقرب من الشاحنة، عند بولفار زحلة ولم أنتبه اليه، وبعد وصولي الى بداية طريق حوش الامراء ـ تل شيحا أطلقت الطائرة صاروخاً ثانياً، فأصيبت شاحنتي، وتطايرت شظايا من الصاروخ ولهيبه لتصيبني في مختلف أنحاء جسمي ولكن والحمد لله جاءت الإصابات طفيفة».

وبعد دقائق من استهداف شاحنة ناصر الدين، أغار الطيران الحربي على قافلة للهلال الأحمر الإماراتي، عند طريق ترشيش ـ ضهور الشوير.

لم يحالف الحظ الكثير من السائقين، أمثال الدركي محمد ديب علي أبو حمدان الذي احترقت جثته وتشوهت داخل سيارته حين كان يهم بمغادرة مكان عمله في ثكنة الكرك التابعة لقوى الامن الداخلي.

ولم يتمكن السائق بلال خير من النجاة، فالتهمته النيران مع شاحنته المحملة بزيوت صناعية على طريق زحلة ـ ترشيش، بالإضافة إلى شهداء كثر من بينهم أحمد حسين وهبي الموسوي، الذي استشهد عند مفرق سرعين ـ علي النهري.

وخلال العدوان، أحجم عدد كبير من السائقين عن العمل، فيما أخفى الكثيرون شاحناتهم في مرأب تحت الأرض مثلما حدث مع حسان الشوباصي من سعدنايل «حين يرون شاحنة يضربونها. أخفيت شاحنتي كما أخفي ابني».

وقد فقد حسان زميلا له في خلال الحرب استهدفته احدى المقاتلات على طريق المصنع ـ مجدل عنجر.

إنهم يخافون البطاطا

أما السائق بسام توما، فيقول انه كان حين يقود شاحنته، يستبدل التمعن بالطريق لتأمين سلامة القيادة، بالتّطّلع نحو الأفق مترقبا ظهور المقاتلات الحربية التي لم توفره. فقد أطلق الإسرائيليون ثلاثة صواريخ على شاحنة توما التي كانت محملة بالبطاطا، وكانت نجاته «بمثابة معجزة إلهية».

يقول ان مشــــهد الشاحنة المحترقة ورؤوس البطاطا المتناثرة من حولها ما زال ماثلاً أمامه و«كأنه حدث البارحة فقط».

يضيف «شعرت بهزة خفيفة وبنيران وبحرارة قوية آتية من خلف آليتي، فقفزت إلى الخارج مسرعا وما هي إلا لحظات حتى أصيبت الشاحنة بصاروخين آخرين».

يقول توما «كنت أنقل بطاطا من سهل دير الاحمر الى زحلة وكانت الشاحنة مكشوفة بالكامل».

بكثير من الحسرة والعتب، يلفت توما الى إحجام الدولة، وبعد سنة من العدوان، عن التعويض عليه خسارة شاحنته التي دمرت بالكامل.