يقفان على أطلال منزلهما الذي لم يعد بناؤه في كفرشوبا
بعد عهود طويلة من الحرمان يأملون خيراً بحكومة «كلنا للعمل»
أزمات تنموية مزمنة تضيّق الخناق على أهالي حاصبيا والعرقوب
يعتبر المواطن الحاصباني أن الفرصة اليوم، ربما تكون سانحة أكثر من أي وقت مضى، لتحقيق ما فاته من تنمية، وسط إهمال وحرمان لعهود طويلة سابقة، أبقت حاصبيا والعرقوب في مقدمة المناطق اللبنانية المحتاجة، التي تستدعي اهتماماً حكومياً مميزاً، لا من باب العدالة الإنمائية على قاعدة التوازن فحسب، وليس من قبيل التعويض عما فات، بل لتحصين وتعزيز صمود السكان في مواجهة التحديات المتمثلة بالعدوان الصهيوني المتواصل، والداخلية المتمثلة بالتهميش وضيق مجالات العمل والرزق. وتفاؤل المواطن الحاصباني بالحصول على بعض حقوقه، يعززه شعار الحكومة «كلنا للعمل»، إضافة إلى وجود 3 وزراء من أبناء المنطقة في تشكيلتها، وهم وزير الصحة علي حسن خليل، والشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور، ووزير الدولة غسان خير الدين، العارفين بحاجات قراهم ومطالب أهلها، الذين لن يستطيعوا بلسمة الجراح والصمود، إلا من خلال خطة طوارئ حياتية إنمائية شاملة تطلقها الحكومة، وتكون فاعلة في تأمين الاستقرار والازدهار، عبر تأهيل المنطقة في المجالات البيئية، والزراعية، والصحية، والتربوية كافة. وكذلك على صعد المواصلات، والتعويضات، وتصريف الإنتاج، التي من شأن تحقيقها تبديد الإحباط، بعدما وصل الوضع الى ظروف كادت تقضي على كل ذرة أمل بالتطور والإنماء.
المزارعون ينتظرون التعويضات
يأتي الاهتمام بالواقع الزراعي، في مقدمة القضايا الحياتية الهامة للمنطقة، حيث تنتشر بساتين الزيتون، والكرمة، والتين، والصبّار، ومختلف أنواع الأشجار المثمرة كالتفاح والليمون، إضافة إلى حقول البطاطا والشمام والخيار والبندورة، في حوض الحاصباني الشريان الزراعي الرئيسي، الذي يمتد لمسافة تصل إلى تسعة كيلومترات، بعرض يتراوح بين الخمسمئة متر وكيلومترين، تضاف إليه سهول الماري، والمجيدية، ووادي خنسا، وحلتا. ويعتبر مصدر رزق لآلاف العائلات وتعمل فيه ورش زراعية عدة. وإن كان الزيتون، هو المصدر الزراعي الأكبر لنحو 90 في المئة من السكان، منتجاً نحو 150 ألف صفيحة زيت، فيقف إلى جانبه موسم التفاح، المقدّر بنحو 30 ألف صندوق، وكمية مماثلة من الليمون. إلا أن ما ينكّد عيش المزراعين الكساد الحاصل، حيث إن تصريف الإنتاج لا يتجاوز نصف الكمية، بسبب المضاربة وعدم الحماية في ظل انخفاض الأسعار، ما يرفع من نسبة الخسائر، يضاف إلى ذلك غياب الإرشاد الزراعي، وتهميش التعاونيات الزراعية، وتراجع «المشروع الأخضر»، وعدم المساعدة في مكافحة الأمراض خاصة تلك التي تصيب الزيتون.
ويشير مزارعو القرى الحدودية في حلتا، ووادي خنسا، والمجيدية، والماري، إلى خسائر فادحة أصابتهم من دون أن يقبضوا أي تعويض، لافتين إلى أن لهم «بذمة دولتنا 3 مستحقات مالية لم نحصل منها على قرش واحد، التعويض الأول ناتج عن طوفان نيسان في العام 2006، حيث غرقت المزروعات بالمياه، والثاني عائد لحرب تموز التي أتت على المشاريع الزراعية والمواسم، إضافة إلى المعدات. أما الثالث فتسببت به موجة صقيع شباط الماضي». ووصلت تقديرات الخسائر إلى عشرة ملايين دولار، عائدة لعشرين مشروعا زراعيا كبيرا، ولنحو ألف مزارع. ويشير المزارعون إلى أن «حزب الله دفع لكل مزارع مساعدة عاجلة بقيمة أربعة آلاف دولار أميركي، لكننا نبقى جميعا ننتظر وبقلق حقوقنا من دولتنا، حيث بتنا نخاف من تبخرها».
ويلفت مزارعو بلدة كفرشوبا إلى أنهم كانوا قد تقدموا من محافظ النبطية، بتقرير مفصل عن الخسائر الزراعية والحيوانية، التي حلّت في البلدة وجوارها نتيجة عدوان تموز. والتقرير مسجل في البلدية تحت رقم 241 تاريخ 21 أيلول 2006، متضمناً أسماء المتضررين في كفرشوبا، وعددهم 405، وفي حلتا 101، وفي وادي خنسا 25، بالإضافة إلى رعاة فقدوا 90 بالمئة من مواشيهم، مورد رزقهم الوحيد، (قدر نفوق ألفي رأس ماشية). ويواجه من تبقى من الرعاة مشكلة المراعي التي زرعت بالقنابل العنقودية، فباتت خطراً عليهم وعلى مواشيهم، متسببة حتى اليوم بمقتل راع وجرح خمسة آخرين.
شبعا وكفرشوبا
كذلك هناك تعويضات للمناطق الزراعية المحتلة منذ العام 1967 في تلال كفرشوبا ومزراع شبعا، تبلغ مساحتها نحو 200 كيلومتر مربع، وعدد العائلات التي تملك تلك الأراضي. وكانت تستفيد منها إما بشكل دائم وأساسي، أو بشكل موسمي تتراوح بين 7 و8 آلاف عائلة أي ما يوازي حوالى 35 إلى 40 ألف مواطن، بنسبة تصل إلى 95 في المئة من أراضيهم ومحاصيلهم الزراعية. أما عدد العائلات التي كانت تستفيد مباشرة من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا فهو 3400 عائلة (23800 نسمة). وقد بات عدد سكان شبعا وكفرشوبا (المسجلين) يتجاوز الـ 45 ألف نسمة. وبذلك يتراوح عدد العائلات التي لها حقوق في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بين 7000 و8000 عائلة.
وتشير دراسة أعدّتها «هيئة أبناء العرقوب» إلى أن الإنتاج الزراعي السنوي تبلغ قيمة خسائره الاقتصادية السنوية، الناتجة عن فقدان المواسم الزراعية والإنتاج الحيواني 35,560 مليون دولار أميركي. وإذا احتسبنا تلك الخسائر لمدة 37 عاماً من الاحتلال تصل إلى 1,316 مليار دولار. وإذا أضيف إليها ثمن المنازل، وزرائب الماشية التي هُدمت، وعددها ألفان، وبمعدل سعر وسطي 15000 دولار للوحدة السكنية، يصل المبلغ إلى 1,350 مليار دولار. ذلك بالإضافة إلى خسائر أخرى متفرقة، ترفع قيمتها الإجمالية إلى عتبة السبعة مليارات دولار اميركي. وشددت «هيئة أبناء العرقوب»، التي أعدت الدراسة على «ضرورة طرح الموضوع، في المحافل المحلية والعربية والدولية كافة. فالقضية ومبالغها الضخمة تستحق من دولتنا كل اهتمام ورعاية». وجاء في الدراسة أن «جيش الاحتلال أقام مطلع الثمانينيات، وفي مزرعة مقاصر الدود منتجعات شتوية سياحية، ومركزاً للتزلج على ارتفاع 2600 متر عن سطح البحر، تستقطب آلاف السياح. ويقدر مردوده السنوي بنحو مليار دولار أميركي. ويستغل جيش الاحتلال عشرات الينابيع العذبة في المزارع، ومنها ينابيع وادي ذهبة، والكسار، والخرار، وصبيح، وفلسطين، والعين الجديدة، والفريد، وتاكسح، وأم قرطاس، وبيت البراق، والمشهد، والمنابيع، والدلفة». ويستذكر السكان بكل أسف وعتب، قانون التعويضات للمناطق المحررة، الذي أقر سنة 2000، تحت رقم 242. وتضمن دفع مبلغ مقطوع وقدره خمسة ملايين ليرة لكل عائلة في المناطق المحررة. وقد عدل في العام 2003 بحيث تم تخفيض المبلغ الإجمالي من 500 مليار إلى 375 مليار، من دون أن ينفذ بحجة عدم توفير المبالغ.
مطالب تنموية
تربويا، تبوء بالفشل كل المحاولات الهادفة إلى فتح فرع لـ «الجامعة اللبنانية» في المنطقة. ويقع أقرب فرع لها في النبطية أو زحلة، على مسافة 60 كيلومترا، ما يكبد الطالب الكثير من المعاناة لجهة هدر الوقت والمصاريف. وباتت الحاجة ماسة لإعادة فتح مدراس ابتدائية ومتوسطة مغلقة منذ الاحتلال الإسرائيلي، وأخرى أغلقت منذ سنتين بسبب النقص في عدد التلاميذ، ومنها مدارس قرى ميمس، والكفير، وعين ثنتا، والفرديس، وأبو قمحة، وكوكبا، وكفرحمام، وراشيا الفخار. وتعاني معظم المــدارس من نقــــص في الكادر التعليمي، وعجز في ميزانياتها، فتتولى البلديات دفع رواتب المدرسين المتعاقدين أحياناً، إضافة إلى أجرة نقل الطلاب، وبدل الخدم، وقسم من مازوت التدفئة.
أما بالنسبة للوضع الصحي، فلم تحفز جغرافية المنطقة الواقعة على خط التماس، الجهات المعنية لدعم القطاع الصحي وحمايته وتطويره، بحيث لم يصمد «مستشفى حاصبيا الحكومي» الذي افتتح خلال عدوان تموز 2006، أمام الصعاب التي واجهته، وذلك لجهة تراكم الديون وعدم قدرة الإدارة على تجاوز المعوقات، وخلافات القيمين عليه، فوقع في عجز وتراكمت الديون، ما اضطر عماله الذين جمّدت رواتبهم لأكثر من عشرة أشهر إلى وقف العمل وإقفاله منذ أكثر من 5 أشهر. كذلك لم تسجل أي مبادرة لتشغيل «مستشفى الشيخ خليفة بن زايد» في شبعا، التي كانت قد انطلقت ورشة بنائه بتاريخ 13 أيار 2007، على قطعة ارض مساحتها 12590 مترا مربعا قدمتها البلدية. والمستشفى تقدمة من دولة الإمارات، ضمن المشروع الإماراتي لدعم وإعمار لبنان. وتم إنجازه بشكل كامل مطلع ربيع 2009، بمبلغ فاق الـ 15 مليون دولار، على أن تطال خدماته نحو 40 ألف مواطن عرقوبي.
ويبقى الوضع البيئي من الهموم الثقيلة في المنطقة، بعدما باءت بالفشل الجهود كافة التي هدفت إلى رفع التلوث عن نهر الحاصباني، علماً أنه سجلت محاولات عدة لجمعيات دولية، إضافة للبلديات، حيث تمّ إنجاز أكثر من 20 محطة لتكرير الصرف الصحي وزيبار الزيتون، لكن تعطّل معظمها بسبب سوء البناء والتجهيز وعدم قدرة البلديات على تشغيلها لكلفتها العالية، في حين نجحت بلدية حاصبيا العام الماضي في إعادة تشغيل محطة تكرير رئيسية عند الطرف الغربي للبلدة، حدّت بنسبة 50 بالمئة، من تلوّث الحاصباني، في حين يبقى مشروع بيئي ضخم وبتمويل أجنبي، يقضي بإقامة بركة لتجميع زيبار الزيتون في جبل الضهر غربي حاصبيا، محط خلاف بين بلديات القرى المتجاورة، على خلفية الخوف من سلبيات المشروع الصحية على السكان، بسبب قرب المكان من المنازل، لكن حال إنجازه وفق المواصفات الفنية الملحوظة، فمن المتوقع أن يحلّ مشكلة زيبار الزيتون بشكل مقبول.
سياحياً، نجح وادي الحاصباني، من خلال منتجعاته السياحية في استقطاب السيّاح المحليين والعرب والأجانب، إضافة إلى ميزة قربه من المواقع الأثرية، ما يمكن الزائر من التجول في معظمها خلال ساعات قليلة، ومنها السراي الشهابية، التي باتت بحاجة ماسة لإعادة الترميم. وكانت لجنة برئاسة الأميرة كارلا شهاب قد شكلت للعناية بذلك المعلم السياحي. وقد فشلت كل مساعيها الحثيثة في وضعها على سكة الترميم وإعادة بناء ما تهدّم، بسبب عدم تجاوب الجهات المسؤولة، كذلك الأمر مع معلم بعل جاد في الهبارية، والمطاحن القديمة في شبعا، إضافة إلى كم كبير من المغاور والكهوف والمعالم السياحية الطبيعية.
وتبقى أزمة المياه الهمّ الرئيسي للمواطن الحاصباني، بالرغم من مشاريع مائية عدة أنجز معظمها «مجلس الجنوب»، وفي مقدمتها مشروع ضخّ الوزاني ومشروع مياه نبع الحاصباني، في حين أن العمل جار على إنجاز مشروع ضخم يشمل حفر آبار عدة في وادي عين جرفا، على أن توزع المياه منه على معظم القرى خلال سنتين. ولاقت فكرة أقامة سدّ مائي عند مجرى الحاصباني غربي بلدة الفرديس، معارضة مئات المزارعين بسبب الخوف من اجتياحه مساحات واسعة من أراضيهم.
وفي حين انجزت وزارة الأشغال تعبيد العديد من الطرق، فعدة ورش بدأت منذ فترة بتعبيد أخرى، لتبقى طرق عدة في العرقوب وحاصبيا بحاجة إلى اعادة تأهيل، خاصة بين العرقوب ومرجعيون ومنتزهات الوزاني. وتتربع مشكلة الكهرباء إن لجهة التقنين، أو ضعف التيار فوق كل ما عداها من مشاكل، حيث يضطر المواطن إلى دفع فاتورتين، في حين تتعرّض مقتنيات المنازل من أدوات كهربائية للتعطيل بسبب ضعف التيار، وذاك مما ينكد حياة المواطن الحاصباني ويرفع من خسائره.
تعليقات: