موظفو HSBC مرعوبون

خلال تظاهرة في 8 أيلول في هونغ كونغ بعد اعلان HSBC صرف 3 آلاف موظف (رويترز)
خلال تظاهرة في 8 أيلول في هونغ كونغ بعد اعلان HSBC صرف 3 آلاف موظف (رويترز)


المصرف البريطاني يخالف القانون: الاستقالة أو الصرف

من جديد، عادت حالة الهلع لتسيطر على موظفي مصرف HSBC في لبنان. هؤلاء مهددون بالصرف التعسفي إن لم يقدموا استقالاتهم طوعاً. فإدارة المصرف لم تحترم القانون اللبناني، لم تبلغ وزارة العمل بأي عملية صرف وفق المادة الـ50 من قانون العمل، ملزمة موظفيها بقانون جديد: العصا والجزرة. اتحاد نقابات المصارف أعلن بدء المعركة، أما الموظفون فينتظرون مصيرهم بصمت، فالشكوى من قبلهم ممنوعة

«عفواً، لا يمكنني التواصل مع أي وسيلة إعلامية، إدارة المصرف تهددنا بالصرف الفوري. ترى كل موظف جاسوساً محتملاً. عفواً، لا يمكنني قول أي شيء. سأخبرك ما نعيشه اليوم إن كنت في قائمة المصروفين، بعد أن تنفذ الإدارة قرار صرفي». رسالة تصل إلى الهاتف الخلوي. المحاولات العديدة لإعادة الاتصال بأحد العاملين في مصرف HSBC لم تفلح. المشاهد التي تتراءى في المخيلة أن إدارة المصرف تضع في رأس الموظفين مسدسات، وتخنق أنفاسهم بشريط لاصق. الواقع ليس كذلك. المسدسات هي ديمومة العمل المهددة. الشريط اللاصق هو فيلم رعب واقعي يعيشه موظفو مصرف HSBC منذ عام 2009، وتحديداً منذ أيلول من عام 2009. حينها تبلغ الموظفون من إدارة المصرف قراراً بخفض عدد الموظّفين تدريجاً، «في إطار استراتيجية جديدة لخفض النفقات وتفادي مخاطر تراجع الأرباح». حينها، صُرف 20 موظفاً. ومنذ أسبوعين، عاد السيناريو نفسه إلى أروقة المصرف. القرار الجديد: صرف بين 25 و60 موظفاً من فروع HSBC. الصرف ناتج من إغلاق 3 فروع للمصرف في لبنان. وكما حدث في عام 2009، تتحايل إدارة المصرف البريطاني على قانون العمل اللبناني، معلنة لموظفيها أنها فتحت باب الاستقالة الطوعية مقابل حوافز في التعويضات، وإلا فالصرف التعسفي.

مخالفات قانونية

فقد أعلنت إدارة مصرف HSBC خلال جمعية عمومية التوجه لإقفال ثلاثة فروع للمصرف في لبنان. ولمحت، وفق مصادر مطلعة، خلال الجمعية إلى أن إجراءً كهذا سيرتب وجود فائض في عدد الموظفين. بعد أيام من هذا الإعلان، أرسلت الإدارة مذكرة إلى عدد من الموظفين، فاتحة باب الاستقالة أمامهم، مع تقديم حوافز في التعويضات لكل من يتقدم طوعاً بالاستقالة، على أن يقفل هذا الموضوع بإنهاء خدمة عشرات الموظفين (أشارت مصادر إلى 25 موظفاً، وأخرى إلى 60 موظفاً). تقدم عدد من الموظفين باستقالات طوعية، فيما بقي البعض الآخر بانتظار مصيره بعد أن أقفل باب الاستقالة أول من أمس.

وقد سبق هذه الفترة تهديدات متواصلة وصلت إلى مسامع الموظفين، تتعلق بصرف جماعي من المصرف. لا بل تعود هذه التهديدات إلى شهر أيلول من عام 2009. حينها، أُعلم الموظفون بسياسة جديدة ستتّبع، بحيث إن إدارة المصرف ستصرف 5 في المئة من الموظفين سنوياً، ما جعل الموظفين في حالة خوف وارتياب دائم، وخصوصاً من عمل في المصرف منذ فترة طويلة، ومنذ عامين حتى الآن كانت أجواء الرعب تلاحق أنفاس كل موظف، فـ«أي سلوك قد يجعلنا الطريدة المستقبلية للإدارة».

المدير العام لوزارة العمل عبد الله رزوق أكد لـ«الأخبار» أن الوزارة لم تتبلغ أي قرار يتعلق بالصرف من مصرف HSBC، رغم أن الوزارة أصدرت بياناً نبهت فيه جميع الشركات والمؤسسات بوجوب الالتزام بأحكام المادة 50 من قانون العمل في ما يتعلق بالتشاور مع الوزارة قبل شهر من إعلان أي قرار للصرف.

أما رئيس اتحاد موظفي المصارف، جورج الحاج، الذي تابع قضية موظفي المصرف عينه في عام 2009، فيؤكد لـ«الأخبار» أن إدارة المصرف خالفت قانون العمل بحيث لم تبلغ وزارة العمل بإجراءاتها حتى الآن بحسب ما ينصّ عليه قانون العمل؛ إذ تجيز المادة الـ50 من قانون العمل للمؤسسات صرف الموظفين، ولكن بعد إعلام وزارة العمل بالصرف الجماعي وأسماء المصروفين وأسباب صرفهم، وهذا ما لم يقم به المصرف، الذي عمد إلى البدء بعمليات الصرف بطريقة مخالفة للقانون. كذلك لم تلتزم إدارة المصرف تطبيق بروتوكول عام 1988، الذي نشأ بعدما أعلن المصرف نفسه (كان اسمه البنك البريطاني للشرق الأوسط) حالة صرف جماعي، وحينها وُضعت بنود تضمن حقوق الموظفين.

ويشرح الحاج أن القانون يفرض على الإدارة التنسيق مع وزارة العمل قبل شهر من إعلان نياتها في صرف الموظفين. وقد حدد القانون أن إجراء الصرف يكون في حالات «القوة القاهرة أو الخسائر أو الإفلاس». لكن «للأسف»، إن أكثرية المصارف تلجأ إلى أسلوب التحايل عبر فرض قانون مستجد قوامه: «تقديم الاستقالة الطوعية أو نصرفك قسراً». ويُرفَق هذا «القانون الجديد» بترغيب الموظفين لتقديم استقالاتهم من خلال زيادة التقديمات والتعويضات. يشبّه الحاج هذا الموضوع بـ«قانون العصا والجزرة». فغالبية المصارف التي تعمد إلى تسريح عمالها لا تنطبق عليها المادة الـ50 من قانون العمل، وبالتالي يجري تخويف الموظفين بأنه إن لم يقدموا استقالاتهم، فستنطبق عليهم هذه المادة التي تقدم للموظف المُقال تعويضات زهيدة.

أين الضمانات؟

مسلسل الصرف من المصرف المذكور مستمر، وخصوصاً أن مصرف Hsbc في بريطانيا أعلن في أيار الماضي خططاً إضافية لخفض آلاف الوظائف في جزء من برنامج لخفض التكاليف الجارية. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنّ من المتوقع أن تعلن الشركة المصرفية البريطانية خفض 30 ألف وظيفة، أو 10 في المئة من قوتها العاملة بحلول عام 2013. وقال الرئيس التنفيذي ستيوارت غوليفر إن البنك سيوجه الاستثمارات إلى الأسواق سريعة النمو، مثل المكسيك وتركيا، في مقابل تقليص الوظائف والفروع في أماكن أخرى، إضافة إلى خطوات أخرى ترمي إلى خفض التكاليف بنحو 3.5 مليارات دولار في غضون ثلاث سنوات.

ومن هنا، فإن الصرف لن يقف عند حدود الـ25 موظفاً؛ إذ يؤكد الحاج أنه لا ضمانة في عدم صرف المزيد من الموظفين؛ فالاتحاد «سيواجه قرار الصرف بكل ما لديه من قوة فور تبلغه بتنفيذ القرارات المتخذة من دون أي حل رضائي». إلا أنه «مشمئز»؛ فحين يكون وزير العمل واتحاد موظفي المصارف «مع الموظفين، والكثير من الجهات مستعدة للتضامن معهم، فلم يخفون ما يتعرّضون له؟». ويشير إلى أنه فعلياً، لا أزمة صرف جماعي في القطاع المصرفي، لكن ثمة بعض المصارف التي تصرف الموظّفين «بالمفرق»، وثمة بعض الاستثناءات كحالة مصرف HSBC. فقد ارتفع عدد موظفي القطاع خلال الفترة الماضية، والسبب هو عمليات التوظيف الجديدة التي تقابل كل عملية صرف.

40 موظفاً

هو عدد الموظفين في القطاع المصرفي الذين صرفوا خلال عام 2010، ومعظم هؤلاء هم من الموظفين فوق الـ45 عاماً، والذين تعرضوا لصرف تعسفي من دون الالتزام بقانون العمل اللبناني.

المطالبة بصندوق البطالة

يدعو رئيس اتحاد موظفي المصارف في لبنان جورج الحاج مجلس النواب لمناقشة المادة الـ50 من قانون العمل ومعالجة موضوع التعويضات الزهيدة. ويطالب كذلك بإنشاء صندوق بطالة يموّل من اشتراكات من العمال ومساهمات من أصحاب العمل والدولة، على أن يكون بإدارة وزارة الشؤون الاجتماعية أو وزارة العمل. ويلفت الحاج إلى أن صندوقاً كهذا يستطيع ضمان استمرارية حصول الموظفين على تعويضات وتقديمات عادلة يمكن أن تعينهم بعد أن يتعرضوا لصرف من مؤسسة تعاني ظروفاً قاهرة أو خسائر أو إفلاس.

تعليقات: