قليلة هي العائلات التي لا تزال تجتمع لقطاف الزيتون (خالد الغربي)
لطالما كان موسم قطاف الزيتون مناسبة تجمع أفراد العائلة، إلا أن الأمر اختلف في السنوات الأخيرة، إذ بات يجمع العمّال الأجانب في ظلّ عدم قدرة أصحاب الأرض على القيام بهذه المهمة بمفردهم، وعدم رغبة الشباب في المساعدة... إن وجدوا
جوانا عازار, داني الأمين
انعكست الأزمة السورية على موسم الزيتون في جبيل، إذ يفتقد أهالي القرى العمّال الذين كانوا يمثلون لسنوات اليد العاملة الأساسية في القطاف، ما يجعلهم يبحثون عن بدائل غير مرضية بالنسبة إليهم. فصحيح أنّ موسم الزيتون هو موسم «بركة»، على حدّ تعبير أهالي القرى، إلا أنّه أتى هذا العام مربكاً بالنسبة إليهم، إذ تناقصت أعداد العمّال السوريين الذين كانوا يساعدونهم على القطاف.
«لا يمكن أن نترك رزقنا ونمشي» تقول روز من بلدة إدّه الجبيليّة. هي وإن كانت تشكو من صعوبة الاعتناء بالأرض، إلا أنها تأبى أن تترك اليباس يسيطر عليها، لكن الاعتناء يحتاج إلى مقومات، لذلك يعدّ المشكلة الأبرز التي تعانيها، كما غيرها من أهل القضاء، «ندرة» العمّال الذين اعتاد الأهالي الاتّكال على مساعدتهم خلال هذه الفترة من كلّ عام. الأزمة السياسيّة في سوريا خلّفت «أزمة» عمّال، إذ لم تسمح الظروف السياسيّة والأمنيّة بعودة البعض منهم الى لبنان، بعدما أمضوا فرصتهم في سوريا. هذا الأمر أثّر سلباً في الأهالي، الذين غالباً ما ينشغلون في وظائفهم، وبالتالي لا يجدون متّسعا من الوقت للاهتمام بقطاف الموسم.
العمّال «الجدد» لا يعجبون روز. فكثيرون منهم لا يعرفون «المصلحة» جيّداً، فيعمدون مثلاً إلى خلط الزيتون المقطوف مع الزيتون المتساقط على الأرض، علماً أنّ هذا الأخير يسقط بسبب المرض أو الدود أو الأمطار والريّاح، وبالتالي لا يجوز خلطه مع الزيتون المقطوف عن الشجرة، الذي يكون نضراً، كما لا ينتبه هؤلاء الى كيفيّة القطاف، بطريقة يراعون فيها المحافظة على الأغصان، ومنها ما يكون حديث النموّ، ويفترض أن يحمل ثمار العام المقبل.
عندما يحكي أهل جبيل عن أشجارهم بهذا الحب، فهذا لأن الموسم عندهم عادة ما يكون غنياً، لكن هذا العام بدأت حباته بالتساقط قبل نحو شهر، وبدت الحبوب كبيرة ما يدلّ على نضجها، لتدقّ بالتالي «ساعة» القطاف باكراً.
يقول الياس، ابن بلدة جدّايل، إنّ الأمر عينه واجهه بالنسبة الى قطاف الخرّوب، الذي سبق قطاف الزيتون والسبحة تكرّ بالنسبة الى الزيتون وغيره، فيما يشير سامر، ابن بلدة العاقورة، إلى تكرار المشكلة عينها مع أهالي البلدة في قطاف التفّاح.
الوضع مماثل في الجنوب، بعدما بدأ موسم قطاف الزيتون باكراً، وانهمك معظم الأهالي كعادتهم في عملهم الموسمي هذا، إذ إن عدداً كبيراً من المزارعين كان قد عمد في السنوات السابقة، إلى استغلال ما بقي من الأراضي لزراعة أشجار الزيتون كبديل إلزامي عن التبغ، فيما أقدم مزارعون آخرون على الاستغناء تماماً عن زراعة التبغ، واستبدلوها بزراعة أشجار الزيتون، كما يقول أحمد أشمر، من بلدة العديسة. يؤكد أشمر أن «الزراعة الرئيسية في منطقة مرجعيون تتحوّل تدريجياً من التبغ الى الزيتون، بسبب هجرة الشباب من جهة، وعدم عمل من بقي منهم في الزراعة من جهة ثانية». يضيف: «إنهم من جيل الإنترنت، لذلك ترانا نتكل على العمال الأجانب، ما يعني خسارة جزء كبير من الإنتاج».
تؤكد على ذلك الحاجة خديجة نصر الله (عيناتا)، التي فضّلت الاتكال على العاملة الأجنبية التي يفترض أنها تساعدها في الأعمال المنزلية، لقطاف الزيتون. تقول: «أولادي مسافرون، واستئجار العمّال الأجانب مكلف كثيراً، لذلك لا حيلة لي سوى استخدام العاملة المنزلية بأجر إضافي»، فيما يلفت سامي رمال (العديسة) إلى أن «العمال السوريين هم الوحيدون الذين يعملون اليوم في قطاف الزيتون، باستثناء بعض عائلات المنطقة التي لا تزال تمارس الطقوس القديمة». ويشير في هذا الإطار إلى أن أجرة العامل الأجنبي «لا تقلّ عن30 ألف ليرة يومياً، رغم أن معدل قطاف الفرد يومياً لا يزيد على 40 كلغ، أي أقل من نصف تنكة زيت». ويلفت رمال أيضاً إلى أن «معظم المزارعين اليوم يتقاسمون الغلّة مناصفة مع العمّال، فمن يقطف الزيتون يحصل على نصف الموسم، رغم أن المزارع يضطرّ أيضاً إلى دفع بدل عصر الزيتون أيضاً، إضافة الى تأمين الفطور للعمال».
من جهة ثانية، يشير رمال إلى أن قطاف الزيتون المبكر هذا العام، يعود إلى «المرض الجديد الذي أصاب حبات الزيتون». ويشرح محمد فرحات (برعشيت) أن «هذا المرض مختلف عن مرض عين الطاووس الشهير، الذي استطعنا مكافحته بالمبيدات، ويمكن أن يكون السبب عائداً إلى تغير المناخ، وفي جميع الحالات فإن المزارعين خسروا نحو ربع الموسم بسببه، كما أن حبات الزيتون غير المريضة لا تنتج الزيت الكثير كما في كل عام».
وفي هذا السياق تقول فاطمة سلمان (شقرا): «لقد اضطررنا إلى قطف أشجارنا باكراً بعدما بدأنا نلاحظ أن حبّاتها تتساقط أرضاً، كما فوجئنا بأن محصولها من الزيت قليل جداً». تقدّم مثلاً: «أربعون مدّاً من الزيتون أنتجت لنا 4 تنكات زيت فقط، رغم أن الكمية نفسها في العام الماضي أنتجت 10 تنكات».
ويرى علي مستراح ( الطيبة) أن «سبب تراجع الموسم يعود أيضاً الى تغيّر المناخ، وسقوط الأمطار مطلع الصيف، فقد لاحظت أن أزهار الزيتون سقطت أرضاً في بداية الصيف، كما فوجئت بوجود ديدان صغيرة جداً داخل حبات الزيتون تنمو داخلها، وتؤثر في نموها، وتؤدي إلى تساقطها»، لذلك، وبحسب مستراح فإن «المزارعين اليوم يسارعون إلى قطاف أشجار الزيتون باكراً خوفاً من يباس ما بقي من الموسم، ما يعني أن حبّات الزيتون التي لم تُصَب بالمرض، تُقطَف قبل نضجها، وبالتالي فان إنتاجها من الزيت يتضاءل كثيراً».
إقليم الخروب
تبدو مشكلة قطاف الزيتون والاستعانة بالعمّال الأجانب للقيام بهذه المهمة حالة عامة في لبنان. وفي هذا الإطار، ارتفعت في عدد من مساجد اقليم الخروب دعوات من أئمة المساجد إلى عدم استغلال العمّال، محددة تسعيرة العامل اليومية بـ 30 ألف ليرة، بعدما ترددت أخبار عن أنهم يعملون بأجرة تصل أحياناً إلى العشرة آلاف.
ويلجأ الأهالي إلى هذا الحلّ عوضاً عن انتظار عطلة نهاية الأسبوع للتوجه إلى بلداتهم وقطف الزيتون فيها، ما يجعل أشجارهم معرّضة على مدار الأسبوع لتساقط حبّاتها.
تعليقات: