أبو جمرة عون 14 آذار؟

اللواء عصام أبو جمرة والجنرال ميشال عون
اللواء عصام أبو جمرة والجنرال ميشال عون


صعب أن تنهار صداقة، والأصعب أن تكون تلك الصداقة بين رفاق السلاح. هي صداقة العماد ميشال عون واللواء عصام أبو جمرة، التي تهاوت على وقع استبعاد اللواء من حكومة الوحدة الوطنية التي شكّلها سعد الحريري أولاً، وعلى وقع اصطدامه بالوزير جبران باسيل.

13 آب

في 13 آب 1989، تواجه الجيش اللبناني بقيادة العماد عون وبمعية اللواءين معلوف وأبو جمرة حرب ضروس مع مقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي في سوق الغرب. مسار المعركة بدّل الموازين، وغيّر المعطيات. في تلك اللحظات تلاحم رفاق السلاح لصدّ الهجمات الاشتراكية التي تعاونت مع الجيش السوري وقتها، في مومنتوم مفصلي إبّان حرب التحرير.

خريف 1988: يتوسط العماد ميشال عون اللواءين ادغار معلوف وعصام أبو جمرة لحظة تسلّمه الحكومة الانتقالية من الرئيس المنتهية

ولايته أمين الجميل، بعد رفض باقي أعضاء المجلس العسكري المسلمين الانضمام الى حكومته. رافقه الرجلان كظلّه. عُرف أبو جمرة بجملة "نقطة على السطر". واكب جميع المراحل مع عون. معاً خاضا حرب التحرير ضد الجيش السوري من آذار 1989 الى تشرين الأول. معاً واجها القوات اللبنانية منذ كانون الثاني 1990 الى أيار. معاً خضعا لحكم 13 تشرين الأول 1990، حين اقتحم الجيش السوري قصر بعبدا، ونُفيا الى فرنسا. معاً عادا في 7 أيار 2005. ومعاً أكملا الدرب حتى العام 2009، حين وقعت الواقعة بينهما.

اشتباك الرفاق

قيل الكثير عن اشتباك الرفاق، ومع ان بدايات الخلاف تميّزت بالهدوء الذي يحفظ خط الرجعة، إلا أن نهاياته شهدت توتراً كبيراً، سياسياً وانسانياً. كما ان خروج أبو جمرة، جعل من الخلافات الداخلية داخل التيار الوطني الحرّ تسلك منحى نوعيّا، لسبب قرب أبو جمرة من عون والتصاقه به لعقود. تعددّت الأسباب التي تسببّت في افتراق رفاق الدرب، إلا أن البعض تحدّث عن أن العلاقة ساءت بين الطرفين بعد الانتخابات النيابية 2009، خصوصا وأن معركة الأشرفية التي خسرها، عرفت مدا وجزرا واسعين، تمثّل في اختيار عون لأبو جمرة كمرشح عن التيار في تلك المنطقة واصفاً ظروف ترشيح ابن مرجعيون بـ"حاجة الأشرفية الى عصب أورثوذكسي قوي"، وهو ما كان أحد أهم الأسباب التي هزمت عون في الجزء الشمالي من بيروت.

باسيل

السبب الثاني هو بالنسبة الى أبو جمرة، يتمثّل في "تفرّد باسيل بالقرارات الأساسية في التيار، لدرجة التماهي مع شخصية عون، واصداره القرارات والأوامر واختيار وجهة الحزب السياسية من دون العودة الى احد". لم يستطع ابو جمرة مناقشة عون بالموضوع ووجد أن "الأبواب موصدة امامه"، فكان لا بدّ من الرحيل، الذي أدى الى تباعد الثنائي، رغم ان اللواء استمر من وقت الى آخر في اطلاق بعض الشعارات المشوبة "بالحنين"، كما انه قام بواجب التعزية تجاه عون حين توفي شقيق الأخير الياس، مطلع العام الحالي. ومع أن التعزية لم تفتح الأبواب بين عون وأبو جمرة، واستطرادا بين عون و"الحكماء الخمسة"، إلا أنها أرست مناخاً تهدوياً بين الطرفين دام حتى الأسبوع الحالي.

مع سعيد

فجأة قفز اسم أبو جمرة، ليس في رد اعتيادي على باسيل، او انتقاد طريقة عمل أحد الوزراء أو النواب العونيين، بل في خبر مرّ على شاكلة بضعة أسطر على موقع الوكالة الوطنية "إستقبل نائب رئيس الحكومة الأسبق اللواء عصام أبو جمرة، في دارته في بعبدا وفدا من الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار، برئاسة أمينها العام النائب السابق الدكتور فارس سعيد، في حضور عدد من كوادر التيار الوطني الحر، وتناول المجتمعون الأوضاع السياسية العامة". اذا أبو جمرة + كوادر من التيار الوطني الحرّ + سعيد = توسيع مروحة انتفاضة اللواء في مواجهة العماد؟ خصوصا وأن الزيارة تأتي في أدق الظروف الاقليمية والداخلية الدقيقة، وفي عزّ الخلاف الطارئ حول خطة الكهرباء التي قدمها باسيل وسقطت.

المسؤولية تقتضي

لم يتأخر أبو جمرة في تبرير لقائه مع سعيد "لقد جاء في سياق التعارف وتناول الوضع السياسي"، علماً ان التعارف حصل منذ 6 سنوات حين كان أبو جمرة مع عون ومعلوف في فرنسا، وزارت وفود من لبنان عون بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، بينما ظهرت اولى بوادر "تناول الوضع السياسي" في ردّ ابو جمرة على موضوع الكهرباء "يحق لمجلس النواب بحث الخطة واخذ الوقت لدرس بعض موادها واصول تنفيذها خصوصا طرق اقتراض الاموال وفوائدها وطرق المناقصة لتحقيقها"، وأكمل موجهاً سهامه الى الجنرال "لا لزوم للتعصيب والثورة من قبل "دولة العماد عون". علماً أن ابو جمرة فنّد في وقت سابق مآخذه على عون معدداً المطالب "التيار الوطني الحر، الحزب الاحدث في لبنان، هو وليد ثورة على الاحتلال في سبيل السيادة والحرية والديموقراطية والمواطنية. وضعنا شرعته ومبادئه ونظامه على هذا الاساس وعملنا منذ انشائه لتحقيقها. لكن ما ان اصبح للتيار كيان قوي وقاعدة مستقرة حتى اعتبره رئيسه حالة تابعة له شخصيا وضرب عرض الحائط بالنظام ليقود هذه الحالة منفردا باقطاعية سياسية عائلية مقفلة، غير آبه لمطالب قياديي التيار وللتراجع الشعبي على الارض ولموقف هيئة الحكماء الذي تم تعميمه منذ سنة بوثيقة "المسؤولية تقتضي" الاصلاحية".

شعرة معاوية

لن تحمل المرحلة المقبلة اي تقارب بين الثنائي القديم، لا بل ستتوجه الأنظار الى أبو جمرة، لمراقبة حركته وتطورها، وقد يصبح الرجل ناطقاً رسمياً باسم الأمانة العامة لـ14 آذار، وقد يصبح من أعضائها، او ان اللواء سيكتفي بالتعارف مع الأمانة العامة، كونه بات أحد المؤيدين لرئيس الجمهورية. واذا اختار أبو جمرة خط "التعارف"، فإنه بالتالي يختار خط الابتعاد النهائي، وقطع شعرة معاوية مع ميشال عون. الأخير ليس في وارد التنازل عن شيء بالنسبة اليه، وتحكي أوساطه عن أنه "فعل الكثير، والخطوة ليست عنده". صعب جدا، أن يكون الرفاق خصوما، والأصعب أن يتحوّلوا الى أعداء. أبو جمرة يتابع حركيته نحو 14 آذار، أما عون فيدعو "الجميع الى تحمّل مسؤولياتهم".

تعليقات: