مزارع حاصباني يقطف الزيتون في حقله
كميات جديدة تضاف إلى الخوابي الكاسدة من العام الماضي
ينتاب الخوف مزارعي زيتون في حاصبيا، من استفحال الكساد الذي يحول دون تمكنهم من تصريف إنتاجهم، فكميات كبيرة من زيت العام الماضي مجمدة في البراميل والخزانات، في حين تأخذ كميات جديدة طريقها إلى غرف المؤونة والمستوعبات، لتتكدس آلاف صفائح الزيت لموسمين متتاليين، مع انطلاقة موسم قطاف الزيتون التي يعولون عليها لانتشالهم من أزمتهم.
وتشير الدراسات الإحصائية التي أعدتها التعاونيات الزراعية المعنية بالزيتون، إلى انخفاض واضح في إنتاج زيتون حاصبيا والعرقوب في العام الحالي، ليصل إلى نصف الموسم المعهود تقريبا، على غير ما كان يتوقعه المزارعون، إذ يعتبرون أنها «سنة حمل». وأسباب ذلك وفق الدراسات تعود إلى التبدل الواضح في المناخ، وانحباس المطر، والأمراض المستعصية، وغياب العناية والإرشاد، ناهيك بإهمال الدولة المزمن. كلها عوامل ساهمت في خفض إنتاج «الشجرة المباركة»، بحيث بات موسم زيتون حاصبيا بالكاد يغطي مصاريفه المرتفعة، والتي تتوزع على الحراثة والتقليم والقطاف. ويتباهى المزارعون بنوعية إنتاجهم من الزيت، ليصنفوه بـ «الأفضل على صعيد لبنان والشرق الأوسط». ويردون ذلك إلى نوعية التربة والمناخ، وعدم استعمال الأسمدة الكيماوية، إضافة إلى اكتساب المزارع خلال السنوات الماضية، خبرات فنية وتقنية جديدة، تتعلق بكيفية القطاف بعدما أدخل عليها آلات أوتوماتيكية متطورة، وحفظ ونقل الزيتون، والفترة الزمنية المحدودة جداً، التي يجب أن تفصل بين قطفه وعصره، وصولاً إلى نوعية الأوعية المفضلة لتخزينه. وذلك بفضل جهود وتوجيهات بعض البعثات الزراعية الأجنبية والعربية، التي أقامت سلسلة ندوات حول زراعة الزيتون، وسبل ووسائل تحسين إنتاجه، فضلاً عن عشرات المعاصر الأوروبية الحديثة والمتطورة، التي استحدثت في أكثر من بلدة حاصبانية، خلال السنوات القليلة الماضية، والتي بإمكانها استيعاب وعصر ثلث الإنتاج اللبناني بكل سهولة.
عدد أشجار الزيتون في هذه المنطقة تجاوز حدود المليون ونصف المليون شجرة، موزعة على 50 ألف دونم من الأراضي البعلية، بينها نحو 250 ألف شجرة معمرة، إنتاجها من الزيت السنوي يصل إلى مئة وخمسين ألف صفيحة «سنة الحمل»، ونحو خمسين ألف صفيحة «سنة المحل»، وفق إحصاء أعدته «الجمعية التعاونية الزراعية للزراعات البعلية وتربية النحل والنصوب في ميمس وجوارها». وتشير الدراسة إلى أن ما نسبته 60 بالمئة من إنتاج الزيت الحاصباني، كان يصرف في السوق المحلية اللبنانية، إلا أن تلك النسبة انخفضت إلى نحو 45 بالمئة خلال السنوات الأربع الماضية، وهناك تخوف من أن تنخفض العام الحالي إلى ما دون النصف، بسبب المضاربات والتجاذبات التي تمر بها البلاد. وحددت الدراسة كلفة صفيحة الزيت بنحو مئة ألف ليرة لبنانية، وذلك بسبب ارتفاع أجرة ساعة الحراثة إلى حدود الثلاثين دولارا، وأجرة عامل القطف إلى 25 دولارا، وعامل التقليم إلى حدود أربعين دولارا. كل تلك العوامل، والتي تضاف إلى ثمن الأدوية ومصاريف أخرى، أدت إلى ارتفاع سعر الكيلوغرام الواحد من الزيتون إلى ثلاثة دولارات، وصفيحة الزيت إلى نحو 150 دولارا أميركياً.
الحقول والعنقودي
يستذكر مزارعو الزيتون لفتة الدولة تجاههم في الأعوام 1998 و1999 و2000، حيث عملت على شراء مئة ألف صفيحة زيت لصالح الجيش اللبناني، بسعر مئة وخمسة آلاف ليرة للصفيحة. وفي العام 2003 انخفض السعر إلى ثمانين ألف ليرة، لتتوقف بعدها عملية الاستيعاب بشكل نهائي، بحجة تردي الأوضاع الاقتصادية. ويستهجن المختار أمين زويهد «تراجع الدولة عن ذلك القرار، الذي يهم شريحة كبيرة من مزارعي المنطقة، نسبتها تفوق 78 بالمئة من السكان المحليين، حيث كنا نرى في تلك اللفتة دعماً لصمودنا في أرضنا، في حين كان يردد أكثر من مسؤول، ويتباهى بالقول إن شجرة الزيتون هي عنوان الصمود في جنوبنا. وها هم تراجعوا بسرعة عن قرار صائب تجاهنا، وكأنهم ندموا على تلك الفعلة الحسنة اليتيمة». وتساءل زويهد عما يمكن للمزارع فعله أمام الوضع الحالي، «فالدولة أوقفت الدعم والكساد سيد الموقف، والزيت يتكدس في الخوابي والمزارع عاجز عن دفع أجرة القطاف، ومن ثم الحراثة وما شابه من مصاريف ضاغطة، لذا لا بد من توجيه نداء إلى كافة مصالح الدولة، وإلى المؤسسات العامة والخاصة، من مستشفيات وفنادق ومطاعم، وحثهم على شراء زيتون منطقتنا، مما سيخفف حتما من معاناة المزارع الحدودي».
ويشير الزراع محمد يحيى، 87 عاما من كفرشوبا، إلى أن «الحمل مقبول في العام الحالي، لكن المشكلة أن الثمار صغيرة الحجم بسبب انحباس المطر، كذلك الحرارة غير المتوقعة، التي ضربت منطقتنا في الأشهر الأخيرة، تسببت بعطش البساتين إضافة إلى ضرب الأغصان، وتفاقم الأمراض، بحيث بتنا نشاهد عشرات البساتين والتي تميل أشجارها المعمرة إلى الاصفرار، والذي ربما أوصلها الى اليباس، وهذا ما نخاف منه، خاصة إن استمرت أحوال الطقس في وتيرتها غير العادية». وتتخوف المواطنه حمدة عون من «آلاف القنابل العنقودية، التي زرعها العدو الصهيوني وسط بساتين حاصبيا والعرقوب، خلال سنوات الحرب الطويلة وخاصة خلال عدوان تموز 2006»، تقول: «إننا هنا في العرقوب، نجمع الزيتون المخلوط بالقنابل العنقودية، الله ينجينا من شرها، فقبل المباشرة بالقطاف أقوم مع أولادي بجولة في البستان بحثا عن القنابل، ويستغرق ذلك منا نحو ساعة يوميا، نضيعها بدلا من الجهات المعنية والمتخصصة، التي أزالت المئات من القنابل في خراج بلدتنا، لكنها لم تنجز تنظيف كافة خراج البلدة بعد، من دون أن نعرف الأسباب». والعديد من القنابل العنقودية كانت قد انفجرت بمزراعين ورعاة ماشية، أوقعت إصابات، بين شهداء وجرحى خاصة في بلدة حلتا، من بينهم الطفل رامي شبلي، وجرح شقيقه خضر، ونفوق عشرات رؤوس الماشية، «ويبدو الحبل على الجرار، نقطف الزيتون ويدنا ترجف وقلبنا يخفق، لقد اخفت السيول الكثير من القنابل، والكثير منها معلق بالشجر، نعمل في ظل خوف شديد ولا من يهتم»، وفق عون.
بيع الأشجار المعمرة
في ظل تلك الأجواء الضاغطة المحيطة بمزارعي زيتون حاصبيا، تتوسع وتنتشر بشكل غير مسبوق، ظاهرة اقتلاع وبيع أشجار الزيتون المعمرة، لصالح الشركات والمؤسسات الخاصة والتي تعنى بالزراعات والشتول، بحيث تعمل بدورها على تسويقها وإعادة زرعها بأسعار خيالية في المدن، وخاصة العاصمة بيروت ومدن الاصطياف.
وبدأت المتاجرة بشجرة الخير في العام 2000 تقريبا، وباتت تهدد بفقدان مئات الأشجار الرومانية المعمرة، وهي في حال تصاعدية، يعززها، كما يشير الكثيرون من المزارعين، الوضع الاقتصادي الصعب للمزارع الحاصباني، وعدم وجود قوانين رادعة تحد من تلك الحالات. فشجرة الزيتون تباع بسعر يتراوح ما بين خمسمئة وألف دولار أميركي. وذلك بحسب حجمها وعمرها. وقد أحصي خلال الأشهر القليلة الماضية اقتلاع وبيع نحو 350 شجرة، ليتجاوز عدد الأشجار المقتلعة خلال السنوات القليلة الماضية 1560شجرة، حسب إحصاء غير رسمي لجهات زراعية متابعة، لكن «الخوف والخطورة من ازدياد مثل تلك الحالات مستقبلا، خاصة وبتنا نشاهد العديد من الأشجار المقتلعة من بساتينها، وهي معروضة للبيع عند جوانب الطرق الرئيسية»، كما يقول المزارع أبو منصور عليان، «وأمام الفلتان المتمادي في اقتلاع أشجار الزيتون يجب على الجهات المعنية الوقوف عند مسؤولياتها، في التصدي لعملية تفريغ بساتين الزيتون من أشجارها، ووقفها لما فيها من خطر على طبيعتنا وبيئتنا».
من جهته، حث عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم «الحكومة على مساعدة مزارعي الزيتون في المنطقة الحدودية، خاصة مزراعي العرقوب وحاصبيا ومرجعيون، فتلك الزراعة مصدر رزق غالبية العائلات». وقال في لقاء جمعه مع العديد من المزارعين: «إننا نطالب الحكومة مع بداية موسم قطاف الزيتون، بأن تتحمل مسؤولياتها عبر تأمين أسواق لتصريف الإنتاج من الزيت، واستيعاب كمية منه لصالح الجيش اللبناني، كما كان يحصل في السنوات السابقة، واعتبار الموضوع مسؤولية وطنية، والتعاطي معه يجب أن يكون بكل جدية لأنه أحد عوامل صمود أهلنا عند خط التماس مع العدو الصهيوني، فيكفيهم ما عانوه من إهمال وحرمان لعقود طويلة».
تعليقات: