معرض «أرضي 5»: ملتقى الكادحين

معرض «أرضي 5»: ملتقى الكادحين
معرض «أرضي 5»: ملتقى الكادحين


بالتجوال بين منتجات القرى بالايادي المتعبة، مونة وعلاجات بديلة واعمالا حرفية، في معرض "أرضي" السنوي، لا بد أن تكون أكثر من زبون عادي، يطلب صنفًا معينًا، يشتريه ويمضي. فعند كل "ستاند" عرض، تقف حقيقة متوارية داخل هيئة المزارع البائع، وحكاية كادحين وكادحات، فلهذا النضال من أجل اعادة الاعتبار للزراعة في البلاد الخضراء ـ الزاحفة نحو التصحر، وجه نسائي واضح، يثبت فعاليته يومًا بعد آخر، وموسمًا تلو مواسم.

تبسط راغدة سعد (50 عامًا) كفّيها، تدلل على آثار رص الزيتون. لم تمض على قطاف "الحبات الذهبية" أيام. "كل شيء طازج: زيت وزيتون مكبوس، آثارهما بادية على وجوهنا وايدينا من التعب"، تقول راغدة، وتذكّر بأن "تحويجة الكبة" من بنت جبيل هي الأولى في العام الماضي. وكذلك فإن زيت "عاصمة التحرير" حاز المرتبة الثانية في لبنان. وهي ـ حفاظًا على هالة المنتج ـ تعرض الزيت بجرة من (الستانلس)، وتؤكد انها تبذل قصارى جهدها لتقترب من اعلى مستوى من الجودة "فأنا في بيتي لا قدرة لي على اقتناء هذه الجرة، المقترب ثمنها من مئة ألف ليرة لبنانية، وأجد ضالتي في الجرة البلاستيكية حبيبة الفقير"، إلا أنها تستدرك: "خلال سنة سيشبه الزيت زيت القلي باللون على الاقل، لذا يجب ان نستبعد البلاستيك في المعرض". هناك تعب وتكاليف إذًا، وهناك أيضًا ارقام قياسية. التعب لا يذهب هدرًا. ولكن هل تكفي المعنويات للشعور بالرضى؟ هل تسأل عن المردود المادي؟ تسأل راغدة وتجيب: المصاريف فقط. لا تتخيل اننا ندخر من صنعتنا تلك. حتى التفكير بتطوير ادواتنا غير متيسر، فكلما جمعنا مبلغًا لشراء آلة رص الزيتون مثلا، يرتفع ثمنها 20%"!.

تعمل راغدة ورفيقاتها على تأسيس جمعية "فهذا ينعكس على الانتاج حتمًا، وخصوصا لجهة تأمين دعم جهات عدة، تُعنى بدعم جمعيات أهلية وزراعية واجتماعية".

تتنوع المنتجات على طاولة راغدة وخالتها المسنة، رفيقة العمل والسهر لتحضير العصائر والمكبوسات وغيرها. تتنافس السيدتان على شرح كيفية تحضير هذا الصنف أو ذاك. خبرات متبادلة من جيل الى آخر. فراغدة ورثت عن كبار السن في بنت جبيل سر الاعشاب، وخصوصًا تلك التي تتكون منها الزهورات، التي يدخل فيها اكثر من 30 صنفا كما تقول. ولكن كان لزاما عليها ورفاقها تطوير هذه المعرفة، لضمان جودة منتجاتنا، فمن خلال المطالعة والمشاركة في دورات جهاد البناء "أدركنا ان القصعين مثلا يضر بالمرأة الحامل، وكذلك النعنع".

وبالنسبة للتحضير وتصنيع هذه المنتجات، فلا يزال العمل يدويًا لدى أغلب المشاركين في المعرض، وهم بالمناسبة قادمون من مختلف المناطق، ويتبدّى لك ذلك مثلا من خلال شرح بسيط لعملية معقدة كتقطير الحصرم أو الزعرور أو النعنع او الزعتر... يقدمه بكل ثقة الحاج حسن قانصو، القادم من الهرمل، حاملا من جرودها أجود أصناف الزعرور المقطر. ويروي كيف ان العديد من الاطباء يقصدونه لشراء منتجاته، إذ إنه يحضر وصفات عربية كثيرة، لعلاج الدهون والكوليسترول والربو والبحصة والرمل والبواسير والحساسية الجلدية وعضلات القلب... ووو... مؤكدا انه عالج نفسه من الربو والدهنيات. إلا أنه بلغة الخبير لأكثر من نصف قرن في هذا المجال، يحذر من إساءة استخدام هذه المستحضرات الطبيعية. فمثلا: تناول الزعرور بكميات غير منظمة ومدروسة يرفع ضغط الدم.

والمواد الاولية لمنتجات قانصو، بعضها يشتريه، معلنا انه لا يرضخ للاستغلال خصوصا في ثمن ثمر الزعرور، إذ إن تقطير هذه المادة وضمان جودة المنتج يتطلب خلطة خاصة من لب الثمر و"الدوكما" (الزهر + الورق + طرابين العيدان). لذلك فهو يعتمد بشكل كبير على زراعة الاعشاب والمزروعات الأخرى، كورق الغار والنعنع والفليفلة والقريص. والحاج حسن تقلب في مهن كثيرة، وكانت احداها نقل البضائع بشاحنة براد، خولته التنقل بين بلدان كثيرة، عربية واجنبية، الأمر الذي أضاف الكثير إلى "رصيده الريفي"، فهو يحفظ مئات الأصناف من الاعشاب، متعمقا في فوائدها ومضارها ومواضع استخدامها ومحاذيرها.

ومن اقصى الداخل الى الساحل الجنوبي، تحضر الغازية بحرفياتها الصدفية، في ركن خاص بـ"الجمعية الاستهلاكية لدعم تمكين المرأة"، التي أسستها المصورة أسامة غدار منذ سنوات، في المدينة الساحلية المجاورة لعاصمة الجنوب. وهدف الجمعية واضح من اسمها. وتقول غدار انها ساهمت في تخريج اعداد كبيرة من النساء العاملات، اللاتي اصبح لديهن عملهن الخاص واستقلاليتهن في الانتاج والمشاركة في معارض المنتجات التراثية وغيرها.

وتتنوع الاصناف على طاولة غدار، فهي تتفرد بالتمر المغطى بالشوكولا، إضافة إلى المجففات وبعض اصناف الحلويات العربية والمونة الموسمية وصواني التزيين، فضلا عن تميزها عن باقي العارضين بالاصداف المتنوعة الاشكال والاحجام المستخرجة من شاطئ الغازية، وتظهر الدقة والذوق في التفنن في الحفر عليها وتزيينها باضاءة وألوان تجعل من كل قطعة تحفة فنية طبيعية.

والمعرض الذي تنظمه جمعية مؤسسة جهاد البناء الانمائية للسنة الخامسة على التوالي، في مجمع سيد الشهداء (ع) في الرويس في الضاحية الجنوبية، ويستمر ما بين 2610 و411، يشارك فيه أكثر من 600 عارض، بزيادة تصل الى نحو 25 % عن العام الماضي، وفق مسؤول الاعلام في المؤسسة، غسان الحاج. وتتنوع فيه المنتجات بين الزراعية التي تصل الى 1083 صنفًا، والحرفية التي تصل الى ما مجموعه 3380 قطعة. وتتوزع المنتجات الزراعية على المربيات والعصائر (المقطرات) والمخللات والمكبوسات والزيوت والحبوب والصلصات والاجبان والالبان وغير ذلك من منتجات، تحرص الجمعية، على ان تكون بالمستوى والجودة المطلوبين. ويوضح الحاج أن اختصاصيي جهاد البناء يشرفون على المنتجات ضمن شروط ومعايير محددة، والمشاركة تتقرر ربطًا بمطابقة هذه الشروط والمعايير. ويلفت الى ان الجمعية لا تتقاضى اي بدل على المشاركة، وهي تؤمّن المكان وتحرص على نظافته والاهتمام به، إضافة طبعا إلى الستاندات وكل المستلزمات، فيما المطلوب من العارضين تأمين الجودة والنوعية فقط. أما على مستوى الاسعار فيؤكد ان الجهة المنظمة لا تتدخل، إلا إذا تجاوزت الأمور الحد المعقول، لافتًا الى ان المبيع مرتبط بنوع المنتج، فمن يتقن عمله لا بد ستقصده الناس، لأن المعرض بالأساس هو حاجة استهلاكية كبيرة لكثير من سكان المدن، حيث يجدون في هذا النوع من المعارض المنتج الغذائي الجيد والصحي، في ظل ما تشهده البلاد من أخطار غذائية وصحية، تصبح معها العودة إلى الجذور ضرورة اجتماعية، بحثًا عن الأمن الغذائي المفقود.

\
\"ملوخية\".. وأعشاب بلدية


توضيف المنتوجات
توضيف المنتوجات


تعليقات: