العواقب ستكون مدمّرة ومن نتائجها هجرة اقتصاديّة وكارثة بيئيّة
التأثيرات على لبنان تظهر في شحّ الأمطار
والتغيّرات المناخية المفاجئة
أن يناقش مجلس الأمن وللمرة الأولى في تاريخه ظاهرة الإحتباس الحراري، فهذا يعني ان هذا الموضوع لم يعد يشكل خطراً بيئياً فحسب، بل تعداه الى تهديد الأمن العالمي. المناقشة اقيمت في بريطانيا الثلثاء 17 نيسان الجاري أكدت "أن تكلفة عدم التحرك للتخفيف من هذه الظاهرة العالمية الخطرة ستكون أعلى من تكلفة القيام بشيء ما".
بالتأكيد، لا تعيش البشرية أول أزمة بيئية في تاريخها، لكننا نعيش بلا شك أول أزمة بيئية عالمية في هذا الحجم! فماذا يعني أن ترتفع حرارة الأرض؟ ولماذا يبدو العالم قلقاً حول التغيير المناخي؟ لعل أكبر الإهتمامات التي تشغلنا أننا لا نعلم بالضبط ماذا سيحصل لكوكبنا اذا إستمرت هذه الظاهرة، لكن أمراً واحداً يتفق عليه العلماء أن التبعات ستكون كارثية.
فما هي تأثيرات هذه الظاهرة على كوكب الأرض؟ وما هي التحديات التي تنتظرنا؟ وهل من أخطار مباشرة تهدد لبنان؟ وكيف يتحضر لمواجهة المشكلة؟ وهل يملك خطة للتصدي؟
التقرير... الإنذار
تعتبر سنة 2007 حاسمة في شأن أزمة المناخ، وقد شكلت منذ مطلعها صدور تقارير عالمية تنبه الى التغيرات الجذرية والعواقب التي ستتأتى منها. وأبرز هذه التقارير ما صدر في شباط المنصرم عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ التابعة للأمم المتحدة IPCC والذي أطلق الشرارة الأولى ليضع هذا الملف في قائمة الإهتمامات العالمية.
شمل التقرير حصيلة ستة أعوام من عمل 2500 عالم وخبير، وتضمن إنذاراً عن حجم الظاهرة مشيراً الى مسؤولية الإنسان فيها، ومحذراً من أن حرارة الأرض سترتفع بين 1,8 درجة وأربع درجات وسطيا في حلول سنة 2100، في حين سيرتفع مستوى البحار بين 18 الى 58 سنتيمتراً.
النتيجة التي أعلنها التقرير لم تكن بجديدة وكانت معروفة منذ 15 عاماً، عندما أشار العلماء الى أن الإستخدام المتزايد للفحم في توليد الطاقة منذ منتصف القرن التاسع عشر وتوسع الصناعات التي ينبعث منها الكربون وإنتشار المركبات التي تستخدم الوقود الأحفوري أدى الى تراكم كميات هائلة من الغازات المشبعة بالمواد السامة في الجو في معدل يصعب على الطبيعة تحمله. وأشار التقرير الى أن ارتفاع حرارة الأرض سيؤدي الى ذوبان القمم الجليدية القطبية وارتفاع مستوى سطح البحر حاملا معه الفيضانات والجفاف والأعاصير، ناهيك بتزايد خطر حدوث موجات جفاف وسيول أمطار وانخفاض في كميات الثلوج، مما يعرض حياة الملايين للخطر.
ولفت التقرير الى أن الإحتباس الحراري سيشكل عاملاً مغذياً لصراعات القرن الحالي، وسيؤجج الصراعات خصوصاً بين الدول ذات النمو السكاني الكبير نظراً الى ما سيسببه هذا الإحتباس من نقص في موارد المياه.
ويعتبر نيكولاس ستيرن خبير إقتصادي سابق في البنك الدولي "أن بدء تنفيذ خطوات آنية لمواجهة مشكلة الإنبعاثات وتقليل آثار التغير المناخي سيكلف الإقتصا د العالمي 1 في المئة من قيمته، أما التأخير فقد يرفع هذه النسبة الى 20 في المئة.
إفرام
ما هي الأخطار التي تهدد لبنان جراء هذه الظاهرة العالمية؟ وكيف يمكن مجابهتها؟
المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال إفرام لفت الى "أن أبرز النتائج المتوقعة لهذا الخلل في المناخ العالمي بدأنا نتلمسه في لبنان من خلال تغير الفصول المناخية، فنحن لم نعد نشهد فعلياً فصلي الربيع والخريف"، معتبرا "أن الخطر الأساسي الذي يهدد الإنسان والبيئة معا سيشمل الثروات البرية والحيوانية والنباتية، وثمة متغيرات في هذا المجال بدأنا نحصدها على الصعيد المحلي تجلت في تدني نسبة الأمطار التي تساقطت هذه السنة، فنحن لا نتوقع أكثر من 60 في المئة من المعدل السنوي. وعلى سبيل المثال، فإن مجموع الامطار في البقاع الأوسط لغاية اليوم بلغت 450 ميلليمتراً يقابله في اليوم نفسه من العام الماضي 580 ، أما المعدل السنوي حتى اليوم فهو 690 ميلليمتراً علماً ان المعدل السنوي العام هو 750، لافتاً الى ان النقص ستكون نتيجته الجفاف ونقص مياه الري والمخزون الجوفي".
وتابع: "في المقابل، يشهد لبنان تغييرات مناخية مفاجئة تتجلّى في الإنتقال السريع من طقس بارد الى طقس مشمس جداً، وهو ما يعرف بتضخم العوامل المناخية. وهذه التقلبات ترافقها عواصف قوية ورياح وأمطار غزيرة في فترات زمنية قصيرة، وآثارها السلبية تشمل نواح عدة: القطاع الزراعي إذ ستؤدي الى انقراض النباتات البرية البعلية الطبية والعطرية والتي تقدر انواعها بالمئات لدينا وهي تشكل مصدر رزق لعدد كبير من الناس. كذلك فإن نقص المخزون الجوفي في المناطق ستترتب عليه تكلفة إضافية يتكبدها المزارع لاستخراج المياه الجوفية للري مما يعني زيادة في تكلفة الإنتاج الزراعي. أما في المناطق الساحلية فيتسبب ذلك بتضارب المياه المالحة بالعذبة مما يجعلها غير صالحة للإستهلاك".
أما عن الحلول الواجب إعتمادها، فقال إفرام: "أبرز الحلول هي التي تكمن في الإفادة القصوى من مياه الامطار والثلوج عبر إقامة سدود صغيرة عند مجاري الانهر، زيادة مساحة الغطاء الاخضر، إنشاء برك إصطناعية لتجميع مياه الامطار، تكرير المياه الآسنة للإفادة منها لاحقاً في الزراعة، وضع سياسة زراعية شاملة لحسن إدارة مياه الري بواسطة تقنيات حديثة بحيث نوفر ما بين 40 الى 50 في المئة من المياه المستعملة في ري المحصول من دون تأثر الإنتاج كماً او نوعاً، الى إعتماد زراعات جديدة مقاومة للجفاف مثل القمح والشعير والحمص والعدس والأشجار المثمرة والحمضيات، واخيراً التخفيف من تلوث المياه من المصادر عبر ترشيد إستعمال الأسمدة والادوية الكيميائية التي تسبب تلوث المياه الجوفية".
خرّاط
بدورها شرحت أستاذة كلية العلوم للتنوع النباتي في الجامعة اليسوعية ماجدة بو داغر خراط كيف أن إنخفاض معدل الأمطار المتساقطة سيؤدي الى فقدان التربة لرطوبتها مما سيؤدي الى تصحرها وإنجرافها نتيجة تدهور وتدني المساحات الحرجية التي لها دور أساسي في تنقية الهواء، ناهيك بأن تغيير حرارة الجو سيؤدي حتماً الى انقراض أنواع من النبات والحيوان التي لا يمكنها التكيف مع هذه التغيرات المناخية الجديدة وسنشهد حالات نزوح عالمية للعديد من الكائنات التي ستغير مواقعها الأصلية صعوداً الى الجبال بحثاً عن مناخ أكثر برودة"، مشيرة الى "أن خطورة نوبة تغير المناخ الحالية تكمن في انها تحصل في فترة زمنية سريعة تفوق قدرة أنواع الحياة على التأقلم معها أو النزوح".
واستدركت: "في ما يخص النباتات فنزوحها لن يكون ملموسا إلاّ في الغابات الشاسعة والمتلاصقة، بحيث يكون امتداد الغابة في اتجاه المنطقة ذات المناخ المناسب لها. أما بالنسبة الى الحيوانات فثمة عدد من الزواحف التي ستنقرض مثل السلحفاة أو الانواع التي تتكل على الحرارة الخارجية المحيطة بالاعشاش لتحديد جنس نسلها".
يوسف
هل تعي الدولة اللبنانية الأخطار المباشرة لظاهرة الإحتباس الحراري؟ وهل لديها خطة رسمية للتخفيف من إنبعاثات الغازات الدفيئة؟
عن هذه الأسئلة، تجيب مديرة مشروع التقويم الذاتي لقدرات لبنان الوطنية من إجل إدارة بيئة عالمية رين يوسف، فتقول: "عام 1990، توصل المجتمع الدولي الى وضع اتفاقات تهدف الى حماية البيئة العالمية أهمها مؤتمر قمة الأرض في الريو دي جانيرو الذي نظمته الأمم المتحدة عام 1992 وشاركت فيه 172 دولة وانبثقت منه ثلاثة إتفاقات:
تغير المناخ والتنوع البيولوجي ومكافحة التصحر. شارك لبنان في المؤتمر ووقع اتفاق التنوع البيولوجي في 1992، واتفاق تغير المناخ في 1992، أما اتفاق مكافحة التصحر فوقعه في 1994، مع الإشارة الى ان توقيع الدول لا ينص على عقوبات في حال عدم الإلتزام ببنود الإتفاقات، على أساس ان المخالفة لا يمكن تحديدها، إلا أن الإلتزام بتطبيق البنود يمنحها حوافز تشجيعية عدة.
ما هي الخيارات والاقتراحات الواجب على لبنان اعتمادها للتخفيف من الانبعاثات السامة؟
اشارت يوسف الى توفر خيارات عدة أبرزها: الإعتماد على الطاقة الشمسية والمائية في حاجاتنا اليومية، مما سيخفف من انتاج ثاني أوكسيد الكربون، كذلك علينا إستبدال الفيول والمازوت بالغاز الطبيعي في مجال النقل، وحماية غاباتنا وإعادة تحريجها. اما في قطاع النفايات فيجب إعتماد مبدأ الطمر الصحي مع إستخراج الغاز واستعماله للطاقة.
نوفل
كيف هو شكل الخطر الذي يمكن أن يطول صحة الإنسان من جراء إرتفاع حرارة الأرض؟
خبيرة السكان في اللجنة الوطنية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية هلا نوفل ذكرت أن الفترة الممتدة بين 1900 الى 2000 شهدت نمواً ملحوظاً في عدد سكان العالم بمعدل 4 مرات إضافية، فقد ارتفع عدد سكان العالم من 1,6 بليون نسمة الى 6,1 بلايين نسمة، وهذا يؤكد على استهلاك كميات أكبر من النفط والغاز والفحم. ولفتت الى "أنه وإستنادا الى التقرير الصادر عن IPCC والذي يشير الى أن أبرز النتائج المستقبلية للإحتباس الحراري هو ارتفاع مستوى البحار، وتعرض مناطق عدة للغرق وتآكل السواحل وتملح المياه الباطنية وفقدان الأراضي الرطبة، وهذا يعني أن المناطق الساحلية ستشهد زيادة في كميات الأمطار المتساقطة، وهذه كلها ظواهر جديدة سيتأثر بها الإنسان بشكل أساسي، كونها ستعيد رسم خريطة موارد العالم المتجددة، مما سيؤدي الى استغلال مناطق حساسة وإحداث هجرة اقتصادية دولية ومزيد من اللاجئين البيئيين في العالم. في المقابل، فإن ارتفاع حرارة الارض سيمثل تهديداً كبيراً على الصحة العامة، فالنطاق الجغرافي للامراض الحساسة كالملاريا وحمّى أبو الركب سيتوسّع إنتشاره مما يعني زيادة في عدد الوفيات".
تعليقات: