القانون لا يحمي المغفّلين!..
القانون لا يحمي المغفّلين!..
.. كثيراً ما تطرق هذه العبارة أسماعنا, أو نستحضرها بلسان الحال عندما تفجعنا الأيام بخيانة صديق أو غدر حبيب, ولم يكن ليمرّ بخاطرنا تصوّر هذا الغدر, ولم نكن نتحسّب للحظة تتحطّم فيها الصور الجميلة لتظهر مكانها حقائق الذات الشريرة بمكنوناتها الخبيثة .
حقّا, القانون لا يحمي المغفّلين, في زمن أضحى فيه الإنسان الطيّب السموح, والكريم المعطاء, والنقيّ السريرة مغفّلا, ليس لشيء إلّا لأنّه وهب ثقته من لا يستحقها, وسكب محبّته النقيّة في غير إنائها..
أن تُرزأ بمن كنت تعتقد منهم الوفاء, أو تُفجع بمن كانوا ذخرك في الشدائد, أو تُسلب مالك, أو تُطعن في كرامتك, شجون يتفطّر بها قلبك, وتأسى بها روحك, ولكنّك حين تنظر في تغيّرات الزمان, وانقلابات أحواله, وتبدّلات قيمه, يهون عليك المصاب, وتتصاغر بعينك الآلام ..
ولعلّ هذه الخطوب تتضاءل أمام ما كان أشدّ منها وقعاً وأكثر إيلاما, أمام ما لا نرجوه ولا نستحبّه, ونسعيذ بالله من تحوّله إلى حقيقة حاكمة وسنّة قائمة, وإن كنّا نتلمّس بشائره في مواقفنا الحياتيّة وتفاصيلنا اليوميّة, فنسارع دفعاً لسوء الظنّ إلى قواميس التأويل والتبرير.
المخوف الأكبر هو تحوّل القانون نفسه إلى أداة للاستغفال, وانحيازه الكامل إلى جانب المستغفلين, بحيث يصبح شريعة زيف يختبئ وراءها أهل الكيد والمكر, ليبرّروا بنصوصها وأحكامها ظلمهم ولصوصيتهم, ونفاقهم, وغدرهم.
عندها يصبح القانون سلاحاً بأيدي هؤلاء, يشهرونه في وجوه الضنيين بحقوقهم, ويواجهون به دعاة الإنصاف والعدالة, فيتحوّل بذلك إلباً على أنصاره ومؤمّليه, وعوناً لأعدائه والمتظلّلين به.
إنّ هذه الهواجس تدفعنا إلى قراءة القوانين والنظر بها ومحاكمتها, وعدم استلامها استلام المقدّسات المنزلات, خصوصاً وأنّها من صنع البشر الذين ربما جمحت بهم منافعهم وغرائزهم فسطّروا بأقلامهم و على مقاساتهم تشريعات تعود عليهم بالنفع, وعلى سلطانهم بالمنعة والدوام .
من المحقّق الثابت أنّ إهمال الشّعب لمنطق التدقيق والمحاسبة, وتلهّيه بصغائر الأمور وقشورها, والتي ربما يتعمّد الحكّام إلقاءها في سوق التداول لتكون ملهاة تُغمض بها الأبصارعن مهمّات الأمور, ويتعطّل معها العقل النقديّ المتحفّز, ليسود مكانه منطق التلقّي والاستهلاك.
إنّ كلّ هذا الواقع من شأنه أن ينتج مجتمعاً غافلاً وشعباً مُستغفَلاً يتحرّك بشكل قطيعيّ ويخضع بالطوع والإرادة لمشيئة الحكم المتمثلة بالقانون, ولسلطة الحاكم المتجلببة بالنصوص .
من هنا فإنّ التعاطي بمنطق الموادعة في كلّيات المسائل, وحمل الأمور على وجوهها الحسنة – وإن كان في ذاته راجحاً ومحبّباً – إلَا أنّه قد يُوقع في مآزق, ويجرّ إلى ويلات كان الأولى التحرّز منها بحصّة من الوعي وقسط من النباهة .
كذلك فإنّ الرّوح الحيّة يجب أن تكون حاضرة دائماً في موقع الفعل والتأثير لدى الجمهور لكفّ يد المنتفعين ومنعهم من تنفيذ مخطّطات التجهيل والاستغفال, ولا يجوز أن تبقى الإرادة الشعبية في موقع الانفعال والتّأثر لأنّ ذلك يؤدي بها إلى الغرق في وحول الضعف والتبعيّة والانقياد.
بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو
تعليقات: