نحن نعرف بعضنا بعضاً منذ سنوات طويلة. في الخلافات والتوافقات، وفي الأتراح والأفراح. وأعلم أنك، عدا عن كونك داعية عربياً ووطنياً فلسطينياً، إنسان. على هذا الأساس حاولت الاعتقاد بأن التعايش بيننا، على هذه الأرض، ما زال ممكناً.
شاهدتك بالأمس تقود جوقة الصياحين الديماغوجيين والمنافقين الفاقدين للخجل الذين أطلقوا على عامير بيرتس لقب «قاتل» و«إرهابي» في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان الصهيوني وفقاً لتسميتكم). شاهدت، ولم أشعر يوماً من قبل بأني بعيد عنكم بهذا القدر. لم يحدث أن آمنت بقدر أقل بالإمكان الافتراضي والعدمي للتعايش هنا معاً.
قل لي يا أحمد، بصدق: هل تعتقد حقاً أن عامير بيرتس قاتل؟ إرهابي؟ إنك تعرفه. بيرتس، الرجل دفع وقاتل ونظر كل حياته، وبما أوتي من قوة، من أجل السلام والمفاوضات، ومن أجل حقوق الشعب الفلسطيني، مهما كان الوضع ومهما كان الجو.
هذا الرجل قاتل، بينما حسن نصر الله، بحسبكم، ما هو؟ من هو؟ ينبغي بذل الجهد لساعات، والتصبب عرقاً لأيام، من أجل الحصول منكم على كلمة شجب خفيفة، متلعثمة، ضعيفة، مترددة، عامة، لصناعة الإرهاب التي يديرها وآخرين ضدنا. كم من المرات جلست أمامك أو أمام أصدقائك في الاستديوهات المختلفة، في محاولة لاستخراج ظل استنكار لمجزرة عملية الدولفيناريوم في تل أبيب، أو مجزرة فندق بارك، أو العشرات، بل المئات، من أعمال التجزير البربرية التي انتشرت داخلنا رداً على اقتراح إيهود باراك بدولة فلسطينية على 90 في المئة من الضفة وقطاع غزة.
الآن، تسقط الصواريخ عليكم أيضاً، إلا أن الواقعة لم تقع بعد. الكاتيوشا تقتلكم أيضاً، لكنها لا تسبّب ضرراً لنظريتكم. من يمكن أن نتهم بالمسؤولية عن كون الأب المسكين الذي فقد ولديه في الناصرة لا يعلم أبداً أن كل شيء بدأ بهجوم قاتل، لا سبب له، شنّه «الأخ» نصر الله على إسرائيل؟
ألا يعيش الجمهور العربي الكبير على ما تقولون، ويأكل مما تقدمون، ويتربى على بركات إرثكم التصادمي. أنتم تبثون الحقد، وتنفثون السم في كل مرة يتهيّأ لكم فيها أن قدم يهودي ما قد تعثرت، ولكن عندما يكون الوضع معاكساً، ومعظم الأحيان هو كذلك، يسودكم الصمت.
وحوش بشرية غسلت أيديها بدماء جنديّي احتياط مذبوحين في شوارع رام الله وهي ترقص على الشرفة، وأنتم صامتون. برابرة يحرّضون رجالكم على تفجير أنفسهم داخل النساء والأطفال وأنتم تتلعثمون. عندنا أيضاً قتلة، يا أحمد. عندنا أيضاً مجموعات فاسدة وحقيرة. إلا أن حجمها لا يكاد يذكر، وهي لم تتحول أبداً إلى شخصيات بطولية على المستوى الثقافي. لم يقدسهم أحد
كشهداء.
في أعماق داخلك أنت تعلم أنه لم يولد بعد الضابط الإسرائيلي الذي يأمل إلقاء قنبلة، بدم بارد وعن سبق معرفة، على بيت يختبئ فيه أطفال. في أعماق قلبك أنت تدرك أننا لا نرقص على السطوح لرؤية الأطفال والنساء مذبوحين. كنت أحلم أن أراك تصعد إلى منبر الكنيست أمس لتتحدث بهدوء، من القلب، دون التلويح بقبضتك، عن صعوبة الوضع، وتدعو إلى وقف إطلاق النار، وتناشد سلاح الجو وقف القصف، وتدين أيضاً هجمات نصر الله. فأنت تعلم أنه عميل إيراني. وأنت تعلم أن تهديده لنمط حياتنا لا يختلف عن تهديده لنمط حياتك ولقيمك. أم أنا مخطئ؟
أنت نائب رئيس الكنيست، دكتور طيبي. للوهلة الأولى هذا فخر كبير. في الواقع، هذه مشكلة صعبة. أحاول أن أتصور ماذا كان سيحدث في برلمان إحدى الدول العربية العزيزة على قلبك، لو كان وصل إليه محمد بركة، وكشف أن الحكومة ارتكبت قصداً مجزرة بحق أطفال ونساء ، كما فعل ضد حكومة إسرائيل. في أي دولة كان الرجل سيوضع في السجن. أمس تقدم عضو الكنيست، عتنيئيل شنيلر، بشكوى ضده لدى الشرطة. كيف سينتهي الأمر؟ بلا شيء. الرحمة اليهودية.
أو طلب الصانع، الذليل النفس. يصرخ بملء فيه، لتطرده من القاعة رئيسة الكنيست. وبعد ذلك يبعث إليها بورقة راجية متوسلة أن تأذن له بالدخول. يروي لها أن بناته بكين أمس لرؤية مشاهد قانا، ويطلب أن تسمح له بالدخول وإلقاء كلمة. أين الخجل.
أما عزمي بشارة؟ ذروة الذرى. هذا الرجل لا يكاد يحضر إلى الكنيست. فقط في دولة بائسة كدولتنا لا يزال هذا الطابور الخامس يشغل مقاعد في البرلمان. هو يقاطع هذه المؤسسة دائماً، لكنه لا يزال يسترزق منها، ويشعل عبرها نضاله الرامي إلى القضاء على دولة إسرائيل. من يعلم، ربما ذهب أمس في زيارة خاطفة إلى صديقه الأسد في دمشق من أجل مشاركته بتجربة ما يحصل، أو ربما إلى «الأخ» نصر الله في بيروت، من أجل وضع الخطط والبرامج. لدى هذا الرجل، لا يمكنك أن تعلم شيئاً. فقط قرار فضائحي، مجنون، ومنفر للمحكمة العليا سمح لهذا الرجل بالتنافس مرة أخرى للكنيست. يبدو أننا جُننّا فعلاً.
الديموقراطية الإسرائيلية، يا أحمد، لن تكون قادرة على ابتلاع هذا السم لمدة طويلة. في نهاية المطاف سيتم لفظكم من داخلها. عندما يقرر يهودي مقيم في نيويورك أن ولاءه لدولة اليهود أكبر من التزامه بوطنه، يحمل نفسه ويهاجر إلى إسرائيل.
لقد آن الأوان لتقرروا أنتم أيضاً. أين أنتم، ومع من. تريدون البقاء هنا؟ أعلنوا ولاءكم بشجاعة. لا تريدون؟ اذهبوا إلى فلسطين. هاجروا إلى إسرائيل. انتقلوا إلى عمان.
لقد آن أوان اتخاذ القرار وإجراء الحساب. ليس الوقت متأخراً. ما زال ممكناً تغيير الاتجاه. يمكن أن نبقى معاً. لكن عليكم أن تتخذوا قراراً. البقاء، في السراء والضراء، أو الانتقال، في السراء والضراء. لنركم تصرخون على إسماعيل هنية في برلمان رام الله. أو تهاجمون أبو سمهدانة في مكاتبه في رفح. ستشتاقون إلينا، يا أحمد. لكني لست متأكداً من أننا سنشتاق إليكم.
(معاريف، 1/8/2006)
تعليقات: