إستغلال الطاقة الشمسية في لبنان : ضرورة إقتصادية تنتظر التطبيق
بدأت العديد من الدول في الشرق الأوسط, الإعتماد على الطاقة الشمسية لدعم القطاع الكهربائي فيها, في ظل ارتفاع اسعار الطاقات الغير متجددة, وتلاعب أسعار النفط.
بينما لا يزال لبنان متأخرا على هذا الصعيد, على الرغم من امتلاكه ثروة شمسية وافرة, تمتد معظم أيام السنة.
الطاقات المتجددة هي الطاقات التي نحصل عليها من خلال تيارات الطاقة التي يتكرر وجودها في الطبيعة على نحو تلقائي ودوري، وهي بذلك على عكس الطاقات غير المتجددة الموجودة غالباً في مخزون جامد في الأرض لا يمكن الإفادة منها إلا بعد تدخل الإنسان لإخراجها منه.
تتمثل الطاقات المتجددة في لبنان بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه وطاقة الكتلة الحيوية وطاقة الأمواج وطاقة الحرارة الجوفية.
ان جميع مصادر الطاقة الموجودة على الأرض قد نشأت أولاً من الطاقة الشمسية.
والطاقة الشمسية بدورها هي طاقة الاندماج النووي للمواد المكونة لجرم الشمس نفسه.
وقد كان استخدام الطاقة الحرارية للشمس معروفاً منذ آلاف السنين في المناطق الحارة، إذ استخدمت الطاقة الشمسية في تسخين المياه وفي تجفيف بعض المحاصيل لحفظها من التلف.
أما في عصرنا هذا فان الأبحاث والتجارب تقوم على محاولة استغلال طاقة الشمس في إنتاج طاقة كهربائية وفي تدفئة المنازل وتكييف الهواء وصهر المعادن وغيرها من التطبيقات الضرورية.
تصل الطاقة الشمسية إلى الأرض ضوءاً أو طاقة إشعاعية.
ففي الأيام المشمسة وحين تكون الشمس عمودية فان طاقتها الإشعاعية تصل إلى سطح الأرض الخارجي بمعدل 1كيلو واط/ م2 أي انها مصدر وفير لو أمكن تجميعه واستغلاله لحاجات الإنسان العديدة.
وتوجد طرائق رئيسية لاستغلال الطاقة الشمسية, الأولى بتجميع حرارتها للاستغلال المباشر في التبريد والتسخين, والثانية باحتجاز حرارة الشمس لإنتاج البخار من أجل تشغيل مولد كهربائي, والثالثة باستغلال ضوء الشمس لتوليد الكهرباء على الصعيد العملي.
يتميز لبنان بوضع جغرافي مناسب للإفادة من الطاقة الشمسية, فهو يقع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية حيث كمية الطاقة مباشرة من خلال الخلايا الكهرضوئية الواردة إلى المتر المربع الواحد في اليوم تراوح بين 14 و30 ميغا جول.
إن تسخين مياه الاستخدام المنـزلي لا يتطلب بالضرورة تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة حرارية، ويمكن أن يتم بطريقة استخدام اللواقط الشمسية ذات السطح الماص الأنبوبي والمصنوع من الفولاذ المغلفن أو من النحاس مع صفيحة ماصة من الفولاذ والألمنيوم.
ويعمل معظم هذه الأجهزة بدارة مفتوحة معتمدة على مبدأ التعب الحراري.
في العالم العربي تعد الأردن وسوريا أكثر الدول استخداماً وإنتاجاً لهذه الأجهزة، حيث تنتج سوريا 6000 م2 من اللواقط الشمسية سنوياً، أما في الأردن فإن 26 في المئة من البيوت تستعمل السخان الشمسي الذي تنتجه نحو 25 شركة خاصة منتشرة في البلاد.
أما في لبنان فالقطاع الخاص ما زال يافعاً وعدد وإمكانات الشركات الخاصة العاملة ما زالت محدودة جداً.
أما الشركات المستوردة فعددها قليل أيضاً وأسعارها غير مشجعة.
وفيما لو قرر 25 في المئة فقط من اللبنانيين استعمال السخان الشمسي فان هذه الشركات لا تستطيع حتماً تأمين السوق.
المشكلة تكمن في غياب السياسات التشجيعية وعدم وجود اهتمام من قبل الدولة أو شركة كهرباء لبنان، على الرغم من ان الدراسات التي أقيمت وتقام في الجامعة الأميركية في بيروت تشير إلى وجود جدوى اقتصادية على مستوى المواطن والشبكة، إذ إن السخان الشمسي باستطاعته أن يؤمن المياه الساخنة بدرجة حرارة 50 ْ لمدة 8 - 10 أشهر في السنة.
في الختام نشير إلى ان سعر السخان الشمسي في لبنان بسعة 200 ليتر يراوح بين 600 و1000 دولار أميركي.
لقد ثبت ان إنتاج الكهرباء بواسطة الخلايا الكهرضوئية له أهمية قصوى وجدوى اقتصادية أكيدة في التطبيقات الصغيرة حتى في الحالات التي يمكن الحصول فيها على الطاقة من الشبكة العامة أو من محطات الديزل.
عالمياً ازدهرت صناعات الأجهزة الشمسية المعتمدة على الخلايا الضوئية، فشركات تصنيع هذه الأجهزة انتقلت من بيع أجهزة قدرتها 3000 كيلو واط في العام 1980 إلى 60000 كيلو واط العام 1992، ذلك ان الكثير من التطبيقات، مثل الإضاءة الخارجية وأجهزة الهاتف وتحصين المؤسسات بالأسلاك المكهربة وآلات التبريد الصغيرة وأجهزة الإعلان في الشوارع، يمكنها أن تعمل على نحو جيد على الطاقة الشمسية، وذلك لأسباب عدة منها عدم الرغبة أحياناً في الاتصال بالشبكة العامة على فولطيات عالية نسبياً، أو عدم القدرة على تمرير شبكات الكهرباء فوق أراضي معينة لأسباب مختلفة.
أما بالنسبة إلى الأسعار لقد تدنى سعر إنتاج الكهرباء بواسطة الخلايا الكهرضوئية إلى 0.30 دولار أميركي لكل كيلو واط ساعي العام 1993.
أما كلفة الإنشاء فتقدر بنحو 450 دولار أميركي لكل م2 من الخلايا.
وفي هذا السياق تجدر الملاحظة إلى الاهتمام الدولي بتطوير الأجهزة الشمسية وتحسين أدائها، فالولايات المتحدة تقوم بجهد بارز في هذا المضمار.
إن التوصل إلى استخدام واسع النطاق للطاقات المتجددة يتطلب وضع استراتيجية تسمح للمواطن بأن يحصل على هذه التقنية بسعر معقول غالباً ما يجب أن يكون مدعوماً من الحكومة أو خاضعاً لتسهيلات من المؤسسات الخاصة.
إن دعم الطاقات المتجددة في المراحل المبكرة قد يكون سياسة لتعريف المستهلك على حسنات هذه الطاقات وجعله يقبل عليها، وتالياً فان نتائج هذه السياسة ستدفع بالقطاع الخاص إلى البدء بصناعات محلية أو تجميعية للقطع المستوردة.
في كل الأحوال فانه من المنطقي أن ينطلق الدعم من بعض الوزارات، كوزارة الموارد المائية والكهربائية ووزارة البيئة، لتجنب خطر التلوث وترشيد الاستهلاك وتالياً تخفيف المصاريف الناتجة من كل ذلك.
إن دعم الدولة عبر مؤسساتها لكل الحلقات التي تساهم بخلق الطاقات المتجددة بدءاً بالمصنع وانتهاءً بالمستهلك سيؤدي دون شك دوراً مميزاً في جعل هذه الطاقات تساهم أكثر في تأمين حاجات المجتمع اللبناني من الطاقة.
أن مشروع إقتصادي إنمائي بهذا الحجم يتطلب مجموعة من الدراسات والإجراءات لتبيّن فرص هذا النوع من إنتاج الطاقة في لبنان وكلفته.
إذ لم يثبت بعد أن الاعتماد على الشمس لإنتاج الطاقة الكهربائية هو أقل كلفة أو استدامة من الإنتاج بواسطة المشتقات النفطية التي ارتبطت بتقلبات أسعار النفط في السنوات الأربع السابقة، إذ هناك من يرى أن الإنتاج من الطاقة المتجددة غير مستدام ويتطلب استثمارات مرتفعة بمردود منخفض وبعيد المدى، فضلاً عن مقدرة تقنيّة غير متوافرة في لبنان.
نذكر انه في وقت سابق, نفّذ المركز اللبناني لترشيد استهلاك الطاقة مشروع استبدال سخان المياه الكهربائي بالسخان الشمسي عبر مؤسستي كهرباء لبنان في البقاع وبيروت وجنوب لبنان بتمويل من مكتب الإنماء السويدي، وأجرت مؤسسة «ليبانون ويند باور» تجارب لتوليد الكهرباء من الهواء في سهل عكار بتمويل من مؤسسة التمويل الدولية.
وتبيّن، بحسب معطيات المركز أنه يمكن تحقيق وفر في استهلاك الطاقة الكهربائية بقيمة 1.413 مليار دولار في خلال 15 سنة فضلاً عن توفير 14433 طناً من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، إذ إنه ركّب 11سخاناً شمسياً مشتركاً «مؤسسات» و88 سخاناً فردياً مما وفرّ على المؤسسات 564915 دولاراً وعلى الأفراد 29448 دولاراً سنوياً، أو ما متوسطه 28 دولاراً شهرياً بكلفة استثمار تراوح بين ألف دولار و1500 دولار ثمناً للألواح الشمسية وطرمبة ضخ المياه.
لم تقتصر عملية تحويل الطاقة الشمسية الى كهرباء للبيوت والمؤسسات فقط, فقد انسأ مشروع »رامسس«، الذي يهدف إلى حلّ مشاكل ارتفاع أسعار الفيول عالميّاً في قطاع الزراعة، إلى جعل الجرّافات والآليّات الزراعيّة تعمل على الطاقة الشمسيّة.
المشروع الذي أعدّه الاتّحاد الأوروبي بمشاركة عديدين من لبنان وخارجه، نفّذ في دير مار سركيس وباخوس في بلدة عشقوت اللبنانيّة الذي تحيطه الأراضي الزراعية، وتزدهر فيه زراعة العنب والزيتون، وفيه مزرعة أبقار.
هكذا، نُفِّذت أوّل جرارة تسير على الطاقة الشمسيّة، يعمل مولّدها على بطاريات تشحن من الطاقة الشمسيّة، وتُمكّن الجرارة من العمل 6 ساعات متواصلة من دون انقطاع، وفيها إنذار لشحن البطاريات قبل أن تفرغ بقليل.
إضافةً إلى ذلك، زُوِّد المصنع في الدير بالكهرباء الناتجة من الطاقة الشمسيّة، بطريقة تجعله قادراً على أن يعطي الطاقة ثلاثة أيّام متواصلة رغم انقطاع الكهرباء أو حتّى غياب الشمس كليّاً.
أمّا تقنياً، فهو يقوم على التقاط الضوء من الطاقة الشمسيّة، وتحويله عبر عمليات عدة إلى طاقة تساوي الكهرباء التي نستخدمها عادة.
أمّا عن مسألة الاستغناء كلياً عن كهرباء الدولة، أو المولّدات، فإنّ ذلك يبقى رهن الزبائن الذين قد لا يلغون اشتراكهم بكهرباء الدولة، إذا فرغت البطاريات ولم يكن هناك طاقة شمسيّة كافية.
في دول كسويسرا يستعمل البعض الطاقة الشمسيّة صباحاً، وكهرباء الدولة مساءً، وهذا النظام موصول على الشبكة الخاصة بالدولة.
ويعمد آخرون أيضاً إلى تخزين الطاقة الشمسيّة وبيعها إلى الدولة، فتكون الاستفادة مزدوجة لهم ولها.
وفي مناطق أخرى، هناك نظام خاص للمناطق التي لا تصلها الكهرباء كالأودية الوعرة والجبال المرتفعة.
وتعد المملكة الأردنية الهاشمية الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط في تفعيل استخدام الطاقة الشمسية وتصنيع وإنتاج وتطوير السخانات الشمسية، والتي تصل نسبة استخدامها إلى 40% من مجموع البيوت السكنية، ويركب فيها سنوياً ما يقارب من 15.000 جهاز طبقاً للإحصاءات الرسمية، هذا بالإضافة إلى استخدامها في المستشفيات والمدارس والفنادق وتدفئة برك السباحة، وفي العديد من التطبيقات الصناعية والخدمية والزراعية، حيث يتم تركيب السخان الشمسي والذي يتناسب مع جميع التطبيقات على إختلاف أحجامها كنظام مستقل ودائم أو كنظام مساعد لأنظمة التدفئة المركزية وأنظمة تسخين المياه.
في الصين لا تقتصر استعمالات الطاقة الشمسية على توليد الكهرباء, فإنها مثلا تستخدمها في تسخين وجبات الطعام في الرحلات الجوية, حيث توفر تلك الأخيرة , تخفيض في كلفة الخدمات المتوجبة على شركات الرحلات الجوية.
ان السعودية قد قطعت شوطا كبيرا فى طريق إستخدام الطاقة الشمسية فى إنتاج الكهرباء, فضلا عن استخدام هذه الطاقة في تحلية مياه البحر, حيث تنضم الى دولتي الأردن وسوريا التي تعدا أقوى دولتين في استعمال الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط.
هناك أسباب إضافية تدفع إلى التشكيك في تحويل إنتاج الكهرباء من الفيول إلى الطاقة الشمسية، إذ إن هذا الأمر يتطلب استغلال مساحات عقارية واسعة قد لا تكون متوافرة في لبنان بكلفة منخفضة، فهل سيحري زرع سهول عكار والبقاع ومرجعيون بألواح شمسيّة؟ وذلك سيكون على حساب القطاع الزراعي والعاملين فيه.
إعداد: سماح عزالدين
تعليقات: