هو حسن ديب نصر الله. قد يكون اسمه شبيهاً باسم الأمين العام لحزب الله حسن عبد الكريم نصر الله، لكنّه لا يشبهه وليس معمّماً... وليس هو، ومع ذلك «هجمت» إسرائيل على بيته وكأنّها عثرت على نصر الله «الأصلي»، ولم تنفع معها محاولات حسن ديب وزوجته في إثبات الهويّة الحقيقيّة، فـ«بنو إسرائيل مصرّون على أنّني الأمين العام».
عند الساعة العاشرة والنصف مساء الإنزال على مستشفى دار الحكمة، وزّعت فرقة النخبة نشاطاتها، فأرسلت جيشاً مصغّراً، من نحو خمسين نفراً، إلى حيّ العسيرة حيث يقطن حسن نصر الله وعائلته، مطوّقة إيّاه بنيران طائراتها الحربيّة والمروحيّة.
عند الحادية عشرة والنصف، شعر سكّان المنزل الأربعة عشر بـ«خبط أقدام» في الطبقة الثانية من المنزل، صوت رصاص، وأفواه تنطق باللغة العبريّة، وصل أصحابها إليهم في الطبقة السفلية وطلبوا منهم الخروج مطلقين رشقاً نارياً.
في اللحظة التي خرجوا فيها، وصل المسؤول عن العملية وسأل «مين الحاج أحمد؟»، ولمّا رفع العوطة يده، التفت إلى حيث يقف حسن نصر الله الذي حاول تبديل اسمه بالقول «أنا حسن المهاجر»، فأسكته المسؤول «خراس حسن نصر الله».
دقائق بين الصمت والصراخ، إلى أن وصل أحد الجنود «فربط أيدينا بسلاسل بلاستيكيّة إلى الوراء، ثمّ طلب من النسوة رفع أيديهن والركوع، واقتادونا معهم وتركوهنّ راكعاتٍ على الأرض». مشى المعتقلون الستّة «حسن نصر الله وولداه بلال ومحمّد، وحسن البرجي وأحمد العوطة ومحمّد شكر»، سيراً على الأقدام مدّة ساعتين من الزمن، وسط الجنود الذين أحاطوا بهم من كل جانب. وفي الطريق كان نصر الله يفاجأ بالجنود الذين تعدّوا «الفيلق»، فـ«كنا كل 200 متر، نشوف شي أسود، نفكروا بربريس، شوي يطلع حوالى 20 جندي». استمرّت الحال على ما هي عليه إلى أن وصلوا إلى «الجرد»، فأجبر الجنود المعتقلين على الجلوس نحو 10 دقائق، في انتظار المروحية التي ستأخذهم إلى إسرائيل.
بعد عشر دقائق، وصلت مروحيتا «هليكوبتر»، وقبل أن يصعد الستّة إليها، طلب «قائد المجموعة» من محمّد، الابن الأصغر لنصر الله، العودة إلى المنزل، وصعد الباقون إلى الطائرة «مباشرة إلى دولة إسرائيل».
وصلوا إلى المطار الحربي في تل أبيب عند بزوغ الفجر، فكانت الصحافة في انتظار حسن نصر الله «لتسجيل النصر الإسرائيلي». أخذت الوكالات ما يكفي من الصور لـ«الأمين العام»، ثمّ توجّهوا بهم بعدها إلى مكتب التحقيقات الذي بقوا فيه حتى الحادية عشرة ليلاً. واجه نصر الله ما يكفي من التهديدات خلال التحقيق، فكانت الأسئلة في بعض الأحيان تعجيزية «ولا مفرّ من الإجابة»، مثلاً «أنت حسن نصر الله؟ شو في قرابة بينك وبينه؟ وين بتلتقوا؟...». كذلك بلال، ابنه الأكبر، لم يسلم أيضاً من التهديدات بسبب كونه، بحسب المنطق الإسرائيلي «مسؤول أمن حزب الله في لبنان».
الحادية عشرة ليلاً من اليوم الأوّل، نُقل نصر الله ومسؤول أمن الحزب والمرافقون إلى «سجن روشبينا بين العفولة والناصرة» وكان حرّاس السجن يعمدون إلى «ممارسة الإرهاب النفسي علينا، فيرسلون إلينا مع وجبة الأكل أحياناً «حدا شكلو غلط»، يحمل عصا بيديه وينظر إلينا بلؤم».
بعد خمسة أيّام من وقف إطلاق النار، عرف نصر الله بانتهاء الحرب عبر المحامية الإسرائيلية «ليا تسيمل». قابلت في المرّة الأولى بلال، وقالت له «هول جماعة كذابين، الحكومة تتاجر باسم والدك وقد انتهت الحرب، ونحن نطالب بكم وقريباً تخرجون، وسأحاول الاتّصال بالعائلة وطمأنتها». بعد أيّام،حضر أحد مسؤولي السجن إلى غرفة نصر الله، وبادره قائلاً «مين نبيه برّي؟ كتير بحبكو، وبدو ياكو قال». وابتسم قائلاً «شو ناقصكو؟»، فأجابه «نصر الله»: «بدنا تلفزيون»، فردّ المسؤول «شو من شان تتفرّجوا على حزب الله؟». أحسّ نصر الله عندها بأنّ «الطلعة قد تكون قريبة، لكن متى؟».
بعد 21 يوماً من أسره، استيقظ حسن نصر الله فجراً لتأدية الصلاة، وفوجئ بأحدهم يفتح النافذة ويسأله «بدّك شي»، أجابه «بدي اشرب»، فقال له «ليش ما قلت من الأول» وابتسم. ثم استطرد «اواعيكو اللي جيتوا فيهن معكم؟» فأجابه «في غرفة الأمانات». خرج الجندي وترك نصر الله سعيداً. نادى الشباب: «قوموا بدنا نطلع» وبدأوا بتنظيف السجن، إلى أن وصل الحارس بعد نحو نصف ساعة، وقال لهم «اذهبوا إلى غرفة الأمانات والبسوا ثيابكم». لبسوا الثياب وخرجوا ليجدوا باحة السجن تعجّ بالصحافيين، صرّحوا بما يعرفونه وانطلقوا في إحدى الحافلات «معصوبي الأعين كما في الرحلة الأولى ولكن من دون السلاسل»، إلى أن وصلوا عند الثانية عشرة ليل 21 آب إلى رأس الناقورة، حيث تسلّمهم الصليب الأحمر ومن ثم اليونيفيل، فالجيش، ووصلوا بعلبك فجراً وسط الزغاريد لتنتهي معها رحلة الـ21 يوماً وتبدأ حكاية النجم.
تعليقات: