الثلثاء, 24 يناير 2012
ما يجري في سوريا لا هو مؤامرة بالخالص ولا ثورة شعبية صافية وانما احد اشكال التعبير الصارخ عن انسداد قنوات الحوار بين النظام والشعب. والمشكلة هي في عدم استشراف النظام لما حدث بحيث استمر في سياسة إدارة الظهر للشعب وعدم فتح قنوات الحوار معه.
كما أن النظام السوري الذي يجب ان نحميه من السقوط لمواقفه القومية الناصعة قدم الهم القومي على الشأن الداخلي وفشل فشلا ذريعا في احداث توازن ثنائية التهيمن الداخلي والخارجي. وأنا كلبناني وغيري من العرب لا ينكرون الدور التاريخي والمشرف لسوريا في ابقاء قضية فلسطين قضيتها الأولى وفي حماية المقاومة في لبنان وفلسطين. ولا ينكر أحد الا ناكر الجميل أن سوريا كانت العمق الاسترا تيجي للمقاومة اللبنانية وأنها هي صاحبة الفضل الى جانب تضحيات المقاومين اللبنانيين في اخراج المحتل الإسرائيلي من الجنوب في عام 2000 وفي الانتصار التاريخي للمقاومة في يونيو عام 2006. وصحيح ان سوريا استفادت من الورقة اللبنانية ومن دعمها لحركة المقاومة الفلسطينية في دورها السياسي في المنطقة كلاعب أساسي الا أن الالتزام القومي كان طاغيا.
على أية حال هذه المواقف القومية اعطت المواطن السوري قوة معنوية فقط في حين بقيت قضاياه الأساسية المباشرة أي التنمية الداخلية على مختلف مستوياتها دون الاهتمام المطلوب، فأكثر ما يطلبه المواطن السوري العدالة الاجتماعية في الحصول على ابسط الحقوق الإنسانية أي العيش الكريم بعيدا عن التشرد والفقر والبطالة والشفافية.
من هنا يمكن القول ان المشكلة الاجتماعية كانت صاعق التفجير الأساسي في سوريا واندلاع هذا الحريق الذي يخشى ان يلتهمها إذا ما بقيت المعالجات سطحية واستمرار الحريق يفسح المجال للتدخلات الإقليمية والدولية أو بتعبير ادق للمؤامرات ان تتحرك على اكثر من جبهة.
فالرئيس بشار الأسد يقاتل اليوم على جبهات عدة في آن واحد والمعركة التي يخوضها متعددة الأوجه فهو يخوض حرب الإصلاح ضد الفساد وهي من اخطر الحروب وأشرسها خصوصا وإذا كان الفساد معششا في مفاصل النظام وأقام نظاما متكاملا بحيث تصبح مواجهته صعبة جدا.
فالرئيس الأسد الآن يسعى الى بناء نظام جديد بمعايير جديدة تتوافق مع المرحلة والمستقبل ومع مقتضيات العصر وبالتالي فإن المستفيدين من النظام الحالي سيواجهونه بشدة وشراسة.
في موازاة ذلك لم يعد من الجائز ان تبقى شرائح من الشعب السوري منتشرة قصرا في العالم وممنوعا عليها وطنها فالوطن هو لكل السوريين وهم يحددون خياراتهم.
والمسألة الأخرى التي يواجهها الرئيس الأسد هي الضغط الدولي والإقليمي المتزايد عليه لإحداث استدارة كبرى في مواقف سوريا الإقليمية أي تدجينها لكي لا تبقى منفردة في مواقفها القومية.
وانطلاقا مما تقدم تبدو سوريا اليوم في دوامة أزمات متشعبة مفتوحة على احتمالات عديدة وباتت هذه الأزمات سببًا للبحث عن اقتراح حل عربي أو دولي.
وقد جاء عمل المراقبين العرب في سياق وضع سوريا تحت المجهر العربي ويعرف المراقبون باسم (بعثة جامعة الدول العربية)، وهم مكلفون بالتحقق من تنفيذ الخطة العربية لحل الأزمة السورية وتوفير الحماية للمدنيين السوريين.
وقد نجحت الحكومة السورية في اجتياز اختبار المراقبين العرب وهذا واضح من ردة فعل المعارضة السلبية تجاه المراقبين والدعوة الى نقل الملف السوري الى مجلس الأمن الدولي فيما اقترحت قطر نشر قوات عربية في سوريا في استعادة للمشهد اللبناني في عام 1976 حين انتشرت قوات ردع عربية في لبنان لوقف الحرب الأهلية آنذاك.
وكانت قوات الردع العربية مشكلة من قوات مختارة من ست دول عربية أقرتها جامعة الدول العربية، وكانت سوريا (وهي العصب الأساسي في هذه القوات)، الى جانب مشاركات من كل من لبنان، والمملكة العربية السعودية، والسودان، واليمن الجنوبي السابق، ودولة الإمارات العربية المتحدة. وعملت هذه القوات بقيادة اللواء السابق في الجيش اللبناني سامي الخطيب واستمر عملها حتى إتمام اتفاق الطائف في 30 سبتمبر 1989 وانتهاء الحرب الأهلية لتتحول فيما بعد قوات الردع إلى القوات العربية السورية العاملة في لبنان والتي انسحبت منه تحت ضغط دولي ولبناني في عام 2005. لكن سوريا اليوم ليست لبنان في أواسط السبعينيات وبالتالي فإنها ليست بحاجة الى قوات عربية طالما قادرة عبر قواها الأمنية الذاتية على منع تشرذمها وتقسيمها وطالما أن الجيش السوري لا يزال على وحدته على الرغم من الانشقاقات البسيطة التي تحدث به. فلبنان كان مقسما وجيشه اصبح جيشين وإسرائيل احتلت قسما من اراضيه. وشعبه متناحر وبينه خطوط تماس. هذا المشهد المأساوي يعيد عن سوريا كل البعد نتيجة عوامل متعددة.
الا ان هذا الإطمئنان قد لا يكون دائما إذا لم ينجح السوريون في ابعاد بلدهم عن النموذج اللبناني السيئ الذكر والمسؤولية الكبرى تقع على النظام السوري من خلال ايجاد حلول تجسد للمواطن السوري مواطنيته الحقيقية وتقطع دابر التدخلات الخارجية وتبقي مهمة المراقبين العرب في اطارها الحالي المحدود
* حسين عبدالله كاتب لبناني
تعليقات: