تجمع «القجة» ما لا يقلّ عن ستّة ملايين دولار سنوياً (الأخبار)
خلف «القجّة الزرقاء» الموزّعة في الكثير من المحال التجاريّة، وحتى المنازل، قصة. هي قصة «لجنة إمداد الإمام الخميني»، التي بدأت عملها في بيروت عام 1987 لدحر آثار الحرب الأهليّة والاجتياح الإسرائيلي عن اللبنانيين. تتبنّى الجمعيّة اليوم 5198 أسرة، محاولة قيادتها نحو «الاكتفاء الذاتي»
في الأيام الأخيرة كانت خليّة «لجنة إمداد الإمام الخميني» تعمل بجهد على إعداد الهدايا للأولاد في الموعد المحدّد. شُغل «أقزام سانتا كلوز» بتوضيب الهدايا وتأمين الحجوزات اللّازمة للأطفال في «مدينة الملاهي» في موعد «أسبوع الوحدة الإسلاميّة وأسبوع كفالة اليتيم في أسرته»، الذي يمتدّ من 4 إلى 11 شباط الجاري. الأطفال الذين سيتلقّون الهدايا، هم من بين 3882 يتيماً تهتم بهم الجمعيّة. تشارك في توزيع الهدايا عليهم المتطوّعتان في الجمعية سلام خبّاز وجمال صبرا.
لم تكن سلام تعرف شيئاً عن «لجنة الإمداد» قبل أن تفقد زوجها الأول ويتركها وحيدة مع ولديها. حينها مدّت لها الجمعية يد المساعدة وتكفّلت بولديها حتى وقفت الأم على رجليها، إذ إنّ برنامج «كفالة اليتيم» الذي استحدثته «الإمداد» مطلع عام 1992، هو من بين الأهم بالنسبة إليها. سلام التي دخلت سوق العمل، وتزوّجت من جديد، لم تنس مساعدة الجمعية لها، فتحوّلت إلى متطوّعة فيها. مهمتّها أن تكتشف الأسر المحتاجة في منطقتها، وأن تعدّ بحثاً عن وضعها حتى ترى إن كان يمكن إدراجها على لائحة الأسر المحتاجة لدى الجمعيّة، إذ من بين 57000 أسرة فقيرة في لبنان، مؤلّفة من مئتي ألف فرد يعيشون تحت خطّ الفقر، على الجمعية أن تختار من هم الأكثر عوزاً. هكذا يقول مدير العلاقات العامة والإعلان في الجمعية يعقوب قصير إن شرط الإمداد الأول للمساعدة هو أن تكون العائلة من دون معيل، إضافة إلى غياب أي مصدر دخل للأسرة وعدم اقتنائها أملاكاً. تساعد الجمعية اليوم 5198 أسرة تستفيد شهرياً، مالياً، من الجمعية، وقد وصل حجم مساعداتها في عام 2010 إلى نحو 11 مليون دولار.
معظم الناس يعرفون «لجنة الإمداد»، من خلال «القجّة» الزرقاء المزروعة في مختلف المناطق اللبنانية، لكن ما لا يعرفه الناس أنّ «فتافيت» جيبهم هذه، تجمع ما لا يقلّ عن خمسة أو ستّة ملايين دولار سنوياً في 85 ألف صندوق صغير، توزّعها الجمعيّة على الأسر الفقيرة.
تسهم جمال صبرا في توزيع المساعدات على الأسر الفقيرة منذ عام 1993، بصفة «متطوّعة» في الجمعية. كانت موظّفة سابقاً، لكنها منذ اكتشفت العمل التطوّعي لم تعد تريد عملاً آخر. شرطها الوحيد للزواج كان أن تحافظ على «تطوّعها». تتفقد الأسر المحتاجة يومياً، لكن الوضع ليس دائماً بهذه السهولة. فوصول «الإمداد» إلى كلّ من يحتاج إلى رعايتها في لبنان ليس مؤمّناً، إذ إنّ 90% من المستفيدين منها هم من الطائفة الشيعيّة بحسب يعقوب قصير، الذي يضيف: «للأسف التقسيم الطائفي في لبنان يجعلنا غير قادرين على الوصول إلى الأسر المحتاجة بغضّ النظر عن طوائفها. ففي لبنان جمعيات معيّنة لكلّ طائف، حتى إنّ البعض قد يرفض معونة الجمعية رغم حاجتهم إليها، خوفاً من الجهة التي يرتبط بها اسم الجمعية».
يحيل اسم الجمعيّة على فرعها الرئيسي في إيران. «لجنة إمداد الإمام الخميني» تحمل اسم الإمام لأنه أول من أمر بتأسيسها وتبرّع لصندوقها في الجمهورية الإسلاميّة. اليوم هي تتوزّع على 1300 فرع في إيران، كما تمتدّ إلى خارج حدودها إلى أفغانستان، أذربيجان، طاجكستان، البوسنة والهرسك، العراق. بدأت قصّتها في لبنان عام 1987. خلال الحرب الأهليّة وبعد الاجتياح الإسرائيلي، تكبّد اللبنانيّون خسائر كبيرة، فاجتمع عدد من رجال الدين والتجّار والأطباء وأساتذة المدارس وبحثوا في ضرورة إيجاد مؤسسة ترعى الحالات الاجتماعيّة. في بحثهم الدؤوب عمّن يتبنى جمعيّتهم الناشئة ويدعمها، وبعدما غاصوا في عدّة تجارب، رست المجموعة نهايةً على تجربة «لجنة إمداد الإمام الخميني». وافق عرّاب الجمعيّة الإيراني على الدعم، على أن يقوم «الفرع» اللبناني بتطوير تقنيّته بما يتناسب مع وضع بلده. فكان أن أنشأت هذه المجموعة «جمعية لجنة الإمداد الخميني ـــــ لبنان»، التي تتوزّع اليوم على ستة فروع رئيسيّة في لبنان: بيروت، النبطية، صور، بعلبك، البقاع الغربي والهرمل، إضافة إلى سبعة فروع فرعيّة.
ما يميّز هذه الجمعيّة ربما، هو «برنامج الاكتفاء الذاتي» الذي يعدّ أساسياً فيها، إذ تحاول «الإمداد»، عبر برامج عدّة، دفع الأسر الفقيرة إلى الاعتماد على نفسها لتخرج من جناح رعايتها. فتعمد إلى تمكين الأم أو أيّ فرد آخر في العائلة، عبر تعليمه مهنة أو إيجاد فرصة عمل تناسبه، لكن رغم الجهد الذي تضعه الجمعية في هذا الموضوع، يقول قصير إنّهم حتى الآن، نجحوا بتوفير فرص عمل لـ15% فقط من العائلات. ذلك لأنهم يختارون عادة الأسر الأكثر عوزاً وحاجة، وغالباً ما يكون في هذه المنازل أطفال صغار لا تستطيع الأم تركهم لتذهب إلى العمل أو عجزة في المنزل، أو هم يعيشون في مناطق نائية تنعدم فيها قدرات العمل. مع ذلك لا تقلّل الجمعية من أهمية إيجادها فرص عمل أو رأسمالاً صغيراً لـ680 عائلة في الستة أشهر الأخيرة من عام 2011. مبدأ الاعتماد على الذات هذا ينسحب على الفلسفة الداخلية للجمعيّة أيضاً وعلى مؤسساتها التربويّة كافة. فمصادر تمويل الجمعية، تتنوّع اليوم، بحسب قصير بين المساعدات في صناديق الصدقة، المساعدات من مشروع كفالة اليتيم، التبرّعات العينيّة التي تتلقاها، التعاقدات مع الدولة، وبين مداخيل صغيرة أوجدتها من موازنات استثمارات صغيرة. أمّا لجنة الإمداد الأم في إيران، فتكتفي بتأمين المصاريف التشغيليّة التي لا تتجاوز قيمتها 10% من المساعدات، مع حثّ الجمعية اللبنانية دائماً على الاعتماد كلياً على ذاتها.
تعليقات: