تُعدّ بلدية دير قانون النهر لإنشاء عبّارة في وادي البلدة (الأخبار)
يشكو الكثيرون من الغربة بينهم وبين مجالس بلدياتهم. شكوى تتخطى غالباً اتهام أعضائها بالفساد واستغلال المنصب. في خطوة لافتة، بادرت بلدية دير قانون النهر إلى فتح ملفاتها أمام مواطنيها، داعية إياهم إلى مساءلتها والاشتراك في وضع خططها ومشاريعها. فهل يدرك المواطنون ماهيّة العمل البلدي ويمارسون حقهم؟
للمرة الثانية منذ فوزها بالتزكية قبل سنة ونصف، دعت بلدية دير قانون النهر (قضاء صور) إلى لقاء حواري مع أهلها حول تجربتها بهدف تقويمها والاستماع إلى ملاحظاتهم وانتقاداتهم وأفكارهم لاقتراح مشاريع وخطط لتنمية البلدة، بالتعاون مع البلدية. قبل أيام من الموعد، دعت البلدية المواطنين إلى المشاركة، عبر الدعوات المباشرة والرسائل الهاتفية القصيرة والمناداة عبر مئذنة الجامع.
مرّت نصف ساعة على الموعد المحدّد، ولم يقبل المدعوون، باستثناء أعضاء البلدية والموظفين والمخاتير ورجال الدين. تبنى البعض تبريرات لعدم تجاوب المواطنين للدعوة بسبب الطقس البارد والوقت المتأخر. لكنها لم تقنع البعض الآخر، فالمقاهي والشوارع كانت عامرة حينها بالساهرين الشباب. أما البلدة فـ«عامرة» أيضاً بحملة الشهادات العليا والكفاءات العلمية والثقافية المتنوعة، حتى إن اسمها ذا الأصل السرياني يعني: النظام والقانون.
قرر المنظمون البدء باللقاء بمن حضر، ومجموعهم لم يتعدّ مئة شخص، بينهم عدد كبير من كبار السن وقلة من الشباب، في بلدة يبلغ عدد سكانها المقيمين سبعة آلاف نسمة من أصل عشرة آلاف. مشاركة النساء انعدمت تماماً في اللقاء، على غرار الدورة البلدية الحالية، علماً بأن البلدية السابقة ضمت سيدتين، لم تكونا فاعلتين. كلمة الافتتاح ألقاها عضو البلدية جلال حريري، فأشار إلى أنه «انطلاقاً من الأجواء الطيبة التي تسود البلدة، وشعوراً منا بالمسؤولية الشرعية والأخلاقية وحجم الطموحات والآمال والثقة المعلقة علينا، كان من الضروري أن ننظم هذه اللقاءات العامة لوضع أهلنا في أجواء إنجازاتنا بصدق وشفافية».
بداية، عرض شريط مصور عن المشاريع التي نفذت خلال العام الماضي، من صيانة الإنارة الخارجية في الطرقات وإنشاء محطتي كهرباء العين والحمارة وخزان للمياه ومجارٍ لتحويل المياه من الينابيع وتأهيل ملعب لكرة قدم وعين المياه الأثرية ونبعة العصفورة وتعبيد طرقات فرعية، تركيب مولد كهرباء للبئر الارتوازية القديمة واستحداث مقاعد على جانبي الطرقات يستخدمها ركاب سيارات النقل وإنشاء أرصفة تجميلية على مداخل البلدة وإزالة اللوحات الإعلانية العشوائية ومساعدة طلاب في تأمين القسط المدرسي وتعزيز عمل الشرطة بالتعاقد مع شرطي ثان وتأمين سيارة لهما وتنفيذ حملتي تشجير ونظافة عامة وتبديل مستوعبات النفايات وإجراء مسح للمزارعين بالتعاون مع وزارة الزراعة وتنظيم مسابقة أقوى رجل في الجنوب.
بعد المشاريع المنفذة، تم استعراض الخطة المعدّة للعام الحالي على شاشة كبيرة. أبرز ما جاء فيها، بالنسبة إلى الإدارة وتنمية الموارد، تنوي الخطة صيانة المبنى البلدي وتنظيم دورة تنمية قدرات ومهارات للموظفين وتفعيل اللجان عبر إشراك أعضاء من خارجها واستحداث لوحات إعلانية تجارية تعود أرباحها للصندوق البلدي. وبشأن الثقافة والإرشاد، يفكّر المجلس البلدي برفع لوحات توجيهية تتعلق بالنظام العام وبعقد حلقات توعية على فرز النفايات وترشيد استخدام موارد الطاقة. ولتحقيق التواصل، تنوي البلدية إصدار مجلة سنوية عن البلدة بالتعاون مع أبنائها، طلاب كلية الإعلام، وتطوير حملة الرسائل الإعلامية القصيرة حول أنشطتها لتشمل أبناء البلدة المغتربين وتوزيع عدد من صناديق الشكاوى بين المواطنين. ومن بنود الخطة، تخصيص باص للنقل العام بشكل شبه مجاني، ووضع مخطط توجيهي للبلدة بالتعاون مع التنظيم المدني وإنشاء ديوانية خاصة للمسنّين وإعداد دراسة لإنشاء معهد مهني رسمي وإطلاق برنامج رقابة صحية على الملاحم والمطاعم والأفران.
وما كاد الحاضرون يلتقطون أنفاسهم بعد العرضين، حتى عاجلهم المنظمون بالعرض «الأقوى»، المتعلّق بالتقرير المالي للعام الماضي. وبسرعة، عرض أحد الأعضاء رصيد البلدية المالي، في ظل حجب مستحقاتها من الصندوق البلدي المستقل، وقد اعتمدت البلدية في تسيير شؤونها على قيمة الواردات التي تجبيها من الرسوم التأجيرية والمعاملات الإدارية وعائدات المياه والهاتف والهبات. وبالنظر إلى حجم النفقات، يتبين أن رفع النفايات كلّف وحده 52 مليون ليرة. في المحصلة، أقفل العام على البلدية بدين فاق 44 مليون ليرة. بالنسبة إلى العام الجاري، يقدّر المجلس البلدي بأن تتساوى قيمة وارداته وقيمة نفقاته. ولضمان هذه النتيجة، أخرج رئيس البلدية المهندس عدنان قصير ما في صدره أمام الحاضرين لناحية امتناع الجزء الأكبر من سكان البلدة عن القيام بواجباتهم في دفع الرسوم المتوجبة عليهم، لافتاً إلى أن للبلدية في ذمة هؤلاء 450 مليون ليرة يشكلون «مسقفات متراكمة منذ الفترة السابقة». حق الجباية، ربطه قصير بقدرة البلدية على الاستمرار في القيام بواجباتها وما يطلبه منها المواطنون من تنظيم قطاع مولدات الكهرباء وتوزيع المياه واستحداث مشاريع صحية وترفيهية ورياضية وتنموية.
احتجاج الرئيس حرّك الأجواء الهادئة التي سادت بين الحضور القليل في الحسينية، بينما كان العرض جارٍ، هدوء قطعه بين الحين والآخر تناوب أربعة شبان جلسوا جانباً على «تناول البزر»!
وفي ظل حرص واضح من قصير على إبداء رحابة صدر في استقبال الملاحظات وإشراك الأعضاء في الإجابة، انبرى رجل للاستفسار عن أمر يتعلق بشبكة الصرف الصحي، علماً بأن ذكرها ورد بالتفصيل خلال العرض. فيما احتج شاب على أداء عامل النظافة الوحيد في البلدية، متهماً إياه بالتمييز بين حي وآخر وأنه يركّز فقط على تنظيف محيط بيوت أعضاء البلدية، مطالباً بزيادة عدد العمال. شاب آخر علّق على ما ورد من العمل على إنشاء معهد مهني، مقترحاً على البلدية استبداله بمشروع اقتصادي يوفر فرص عمل لعشرات الشباب أمثاله العاطلين من العمل بعد إنجاز دراستهم. الاقتراحات والملاحظات التي بدرت عن عدد قليل من الحاضرين، شملت تعديل المطبات التي تؤذي إطارات السيارات وتعزيز أنشطة الكشاف. لكن الملاحظة الأبرز، جاءت من «عظام الرقبة». أحد موظفي البلدية الذي أتم عامه الثالث عشر في وظيفته، لفت إلى أن «الجهد الضخم الذي أنجزته البلدية، ناتج من عدد قليل من أعضائها، فيما البقية غائبون عن السمع والبصر». لكنه في المقابل، دعاهم إلى ابتكار أساليب تحفيزية ليدفع الناس الرسوم المتوجبة عليهم ولكي يشاركوا في اللقاء الحواري المقبل.
تجاوز «القطوعات»
مرت البلدية بأكثر من «قطوع» في علاقتها مع الأهالي، إذ يعتبرها بعضهم كسواها «مغارة علي بابا المفتوحة على التنفيعات والمصالح الخاصة». ومنهم من يأخذ عليها صبغ البلدة بلون سياسي وثقافي واحد، في إشارة إلى «سيطرة حزب الله عليها منذ عام 2004». في حين تعرف البلدة تاريخياً بتعدد انتماءاتها العقائدية والحزبية اليسارية والوطنية. لكن العقيدة المحافظة نفسها، ساهمت في ضبط بعض مظاهر التفلت التي كانت منتشرة بين بعض الشبان من التشفيط في الشوارع العامة والسهر في مقاهي «الإنترنت والنراجيل» حتى أوقات متأخرة وإحداث ضجيج، إلى انتشار المخدرات. البلدية الحالية سيّرت دوريات لشرطتها وفرضت ضوابط في الشارع أدت إلى احتجاج البعض.
تعليقات: