بو حبيب واللواء الركن جميل السيّد
جميل السيد عن «الإصلاح الأمني» في مركز فارس:
للمداورة في «الأجهزة»... وللثورة داخل كل طائفة
ندوة أمنية بامتياز في الإلقاء والإصغاء. فالورقة التي قدّمها المدير العام السابق للأمن العام اللواء الركن جميل السيّد في ندوة «مركز فارس» عن «إصلاح القطاع الأمني وتطويره في لبنان»، جاءت «مبكّلة» في مفاصلها لجهة اقتراحاته لاعادة هيكلة البنية الأمنية في لبنان.
أصغى الحضور الذي طغى عليه «العسكر المتقاعد» الى كلمات السيد التي لم تخل من الغمز من قنوات سياسية عدة وفي مقدمها رئاسة الجمهورية. هذا الموقع بدا شبيها بـ«الملكة اليزابيت» بعدما روى السيد أنه قصد الرئيس ميشال سليمان وسأله في إحدى المرات عن التعيينات الأمنية، وهنا آثر اللواء عدم الإفصاح عن جواب الأخير، فسمعت الضحكات في القاعة. «من يعيِّن يصبح هو المرجعية للمعيَّن»... أضاف «بكرا بيحاسبوني على هذا الكلام ولكن إلي عندن 4 سنوات فيلحسموها سلفا».
خلال حديثه عن النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا تناول مشكلة طائفية المواقع بقوله: «الموقع يصنع من الأقزام جبابرة». واستكمالا، دعا إلى «اعتماد المداورة في المواقع الأمنية والقضائيّة (من ضمنها المدعي العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى) بين الطوائف والمذاهب باستثناء قيادة الجيش، إضافة إلى استحداث موقعي مساعد المدير العام للامن العام ومساعد المدير العام لقوى الامن الداخلي أسوة بمديرية المخابرات وأمن الدولة، من أجل عدم تكريس جهاز أمني او مركز قضائي لطائفة او مذهب معيّن وعندها فقط يزول انطباع المواطنين بأن هذه المؤسسة مثلاّ هي لهذه الطائفة او تلك حيث اليوم ومع الأسف وقبل ان يدخل المواطن الى مكتب أي موظف أو قاضٍ، بات يسأل مسبقاً هل هذا المسؤول «معنا أو ضدنا».
وشدّد السيد على أهمية «الحفاظ على رئاسة الجمهورية للمسيحيين وتقوية دورها كون الرئيس اللبناني هو الرئيس المسيحي الوحيد في الدول العربية».
«الأمن مثل خرم الإبرة. الحمار يدخل عبره خيطا والشاطر جملا». عبارة افتتح بها السيد مقاربته لغياب النصوص التي تحدد الصلاحيات التنفيذية لكل جهاز أمني. وإذ دعا الى «تعديل منهجية التنسيق بين الاجهزة الامنية لجهة الزامية حصول اجتماع اسبوعي واحد على الاقل بين رؤساء الاجهزة»، استشهد بالتناقض الحاصل بين الجيش وفرع المعلومات حول وجود تنظيم «القاعدة» في لبنان، مرجحا «دوام حرب الأجهزة في ظل هذا الجو».
«من الطائفية في الأمن» الى «المال الأمني». توقف السيد مطولا عند «المخصصّات السرية» للمدير العام الحالي لقوى الأمن الداخلي. شدّد بداية على «ضرورة تشريع فرع المعلومات بعد حصر دوره بما يتلاءم والمهمات المناطة بالمديرية العامة لقوى الامن الداخلي»، لافتاً الانتباه إلى ضرورة الغاء اي نوع من انواع التنصت غير الشرعي لدى اي مؤسسة وحصر التنصت في مركز التحكم المشترك.
وأوضح بأن «فرع المعلومات»... «هو ضابطة عدلية بالمعنى الحصري وليس الشامل للكلمة، ومهمته الواضحة هي تلقّي المعلومات من المواطنين وغيرهم وليس جمعها، ولذلك لم تكن له مخصصات مالية سرية في الموازنة عند انطلاقه عام 1993 برئاسة المقدم قبيسي حينذاك، وكان عديده ثلاثة ضباط وعشرة عسكريين فقط. وأشار اللواء السيّد إلى ان الفرع، وتحت رعاية الرئيس فؤاد السنيورة ثم الرئيس سعد الحريري، أصبح عديده يوازي 3000 عسكري أي حوالى ضعف مديرية المخابرات وعشرة أضعاف معلومات الأمن العام وما يقارب 100 ضابط، وأصبح له فروع ومكاتب في مختلف المحافظات وبعض الأقضية، كما أصبح يستفيد من مخصصات مالية سرية يتقاضاها اللواء أشرف ريفي وتبلغ مليار و62 مليون ليرة شهرياً، في حين أن المخصصات الحالية لمديرية المخابرات تبلغ مليار ليرة شهرياً، بينما مخصصات الأمن العام لا تتجاوز 90 مليون ليرة (وقد تمّت زيادتها قليلاً مؤخراً)، في حين أن موازنة أمن الدولة السرية لا تتجاوز الثلاثين مليون ليرة شهرياً، لافتاً إلى انه إضافة إلى ذلك، تصل الأكثرية الساحقة من الهبات الأجنبية في مجال التجهيزات التقنية والامنية كأجهزة تحليل الإتصالات، إلى «فرع المعلومات» لأسباب سياسيّة في حين لا تملك مديرية المخابرات إلا الشيء القليل منها.
وذكّر بأنّه في مطلع العام 2005، كانت المخصصات السرية لكل من الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة 90 مليون ليرة في الشهر، في حين كانت المخصصات السرية لمخابرات الجيش حينذاك 250 مليوناً شهريا.
أشار السيد في استعادة تاريخية للعلاقة بين الأمن والسلطة، إلى أن الطبقة السياسية والطائفية في لبنان لطالما تصرّفت على أساس أن من يتحكّم بالتعيينات القضائية والعسكرية والامنية والادارية والمالية وغيرها يصبح مالكاً الدولة والزعامة وفوق كل اعتبار. وكشف انّه اقترح منذ سنتين على رئيس الجمهورية ان يسعى بكل ما امكنه كي يُحيّد مواقع الامن والقضاء عن المحاصصة الطائفية حتى وصلنا اليوم الى ما هو اسوأ.
لكن، برأي السيد، لم يفت الأوان بعد. «ففي لبنان الثورة على الدولة مستحيلة لأنّه لا وجود للدولة بل عندنا مجموعة دكتاتوريات طائفية مما يستلزم ثورة من داخل كل طائفة ومذهب أي ما يقارب الست ثورات». ختم العسكري السابق كلامه بعبارة: «لا يبقى للمرء إلا رضى الناس وأنا يكفيني قولهم «الأمن العام ع إيام جميل السيد».
تعليقات: