شربل نحاس (علي علوش)
علّة الحكومة منها وفيها.. ونريد رئيساً حكماً وبصفارة قوية وليس مجرد مقعد وزاري
هو وزير «مشاكس» بالفطرة. الـ«لا» توازي الـ«نعم» في قاموسه، لا بل تتفوق عليها في أكثر الأحيان، حتى لو سبحت قناعاته عكس التيار. لم يكن بحاجة إلى «استفزاز» رئيس الجمهورية، كي ينال هذا اللقب. مبدئية شربل نحاس «الزائدة عن اللزوم»، بنظر بعض «رفاقه»، وشركائه، وطبعاً خصومه، هي دينامو حراكه. عناده. وشغبه... ما دام ضميره مرتاحا، ونص «الكتاب» واضحاً، من دون أن يتنكر لتجارب سابقة مع رفيق الحريري أو نجيب ميقاتي أو اميل لحود أو غيرهم من أهل السلطة.
يتجنّب لغة «القيل والقال» التي يجيدها «أقرانه»، ويفضّل التفسيرات الأكاديمية، حتى في «تنظيره السياسي»، ولا يتردد البعض في القول انه بات يمارس سحره على ميشال عون، وأكبر دليل على ذلك كيف غيّر قناعات «الجنرال» في موضوع الأجور.
لا يهزّه تهديد الرئيس ميشال سليمان بإقالته. «الدستور ينص على هذا الخيار، شرط أن يتوافر ثلثا الأصوات في مجلس الوزراء. وإذا استطاعوا تأمين الثلثين فليقيلوني. ولكن بالسياسة، هذا يعني أننا صرنا في مكان آخر».
وبكل برودة أعصاب، يعتبر نحاس أن الكلام عن تبديل حقائب ليس مزحة، «للأمر ارتدادات سياسية كبيرة، والتكتل(الاصلاح والتغيير) لن يقبل بأن يفرض عليه هذا الأمر. كما أن سحب الثقة من وزير العمل يعني أن الأغلبية النيابية صارت في موقع آخر، ويعني أيضاً أن كل وضعية حكومة نجيب ميقاتي مهددة».
ولكنّ في السياسة كلاماً آخر، «لسنا موظفين عند أحد. نحن أعضاء كتلة سياسية، ولا نمثل أنفسنا فقط. ولسنا في إمارة خليجية حتى لو أن البعض ينحو بهذا الاتجاه».
لا تعليق في دفتره على الأزمة الحكومية إلا من باب المطالبة بمعاودة جلسات مجلس الوزراء الدورية، «لأن تعطيله مخالفة صريحة للدستور. وإذا حصل خلاف على الطاولة، فإن الدستور يرعى هذه الاختلافات، من خلال اللجوء إلى التصويت»... والأكيد أن ردّة فعل نجيب ميقاتي مبالغ فيها... وندر أن تجد من وجد تفسيراً حقيقياً لها.
لا يؤيد القائلين ان امتناع الوزير عن توقيع مرسوم صادر عن الحكومة، هو مخالفة دستورية، «العكس هو الصحيح، فالدستور ينص صراحة على أن الوزير يمثل الدولة في إدارته، ويطبق القوانين. وإذا صدر مرسوم عن مجلس الوزراء يخالف صراحة القوانين والمعاهدات الدولية، وفي نصّه اعتراف على المخالفة، يخطئ الوزير إذا وقّع عليه».
ما يحصل بنظره اليوم هو تكريس لأعراف قديمة بمخالفة بالقوانين.. وفي جيبه الكثير من النماذج الفاقعة: «ثمة إقرار بأن طريقة الصرف التي كانت معتمدة خلال التسعينيات، هي مخالفة جسيمة لمواد دستورية أساسية، وحتى اللحظة لم تتقدم الحكومة بمشروع قانون موازنة العام 2012 في موعدها المفترض. كما لم يُقر قانون الاعتمادات الاستثنائية. في قضية داتا الاتصالات، هناك إقرار بمخالفة القانون، بقرار صادر عن الهيئة القضائية التي تضم أعلى ثلاثة قضاة في لبنان. فيما المطلوب اليوم تكرار الممارسة المخالفة التي كانت قائمة، بانتظار تعديل القانون. بالنتيجة دخلت الحكومة في حالة إرباك، إما العودة إلى ممارسة المخالفات التي أعلنت صراحة أنها مخالفات، وإما إبقاء البلاد في حالة إرباك».
كل ذلك يعني بالنسبة إلى نحاس «أن السعي لإعادة الانتظام الطبيعي يواجه، إما بعرقلة يومية، وإما يصبح الوزير شريكاً في ما أتى لتصحيحه». ولكنه يرفض الانسياق وراء هذه الموجة.
لم ييأس ولم يكلّ. «وبرغم الأوضاع الإقليمية التي تزيد منسوب القلق عند الناس، لا بدّ من تحصين وضعنا الداخلي. الرهانات تعني أن يجمع كل فريق كتلته الطائفية لتحصين موقعه ضمن هذه الكتلة عبر جرّها إلى رهانات خارجية. وهذا ما يزيد من مشاعر القلق. أما الخيار الأسلم فهو المسارعة لاستعادة مشروعية الدولة والتمسك بحدّة بقواعد الانتظام العام».
يقرّ نحاس بأن الحكومة تفوّت فرصة كبيرة، كما الحكومة السابقة التي خسرت الكثير من الفرص، حيث كان الوضع الإقليمي أكثر استقراراً والأزمات المالية العالمية أقل حدّة، والأطراف المختلفة مجتمعة على طاولتها. وبنظره، فإن علة الحكومة الحالية «منها وفيها».
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي دعاه للاستقالة، أما هو فيقول: الوزير ليس موظفاً، لا يمكن أن يقفز فوق صلاحياته ومسؤولياته. السلطة التنفيذية لا تتجسد بشخص، بل بأعضاء مجلس الوزراء. إما نقبل بتطبيق الدستور بعلاته، وإما نطرح تعديله، ولكن ما دام قائماً فلنطبقه لحلّ الخلافات، ولكن هناك من يحاول بين الحين والآخر خرق هذه القواعد لاستبدالها بقواعد أخرى. الطائف ليس نموذجياً أو «فظيعاً» ولكنه المتوفر اليوم».
للعبة الجمهور أصابع في الأزمة الحكومية. وما لا يقوله رئيس الحكومة، يتهامسه بعض المحيطين به، وفقاً لنحاس. «ثمة أشخاص لهم رمزية معينة وضمن مواقع حساسة، لا يجوز المسّ بهم على الرغم من الإقرار بارتكابهم مخالفات جسيمة. وينساق رئيس الحكومة أحياناً للحجج بأن هؤلاء ينتمون إلى طائفة معينة، للدفاع عنهم. هناك من نفذ تمرّداً عسكرياً، أو كبّد الخزينة خسائر كبيرة، أو مخالفات مالية جسيمة موثقة، وأخرى قانونية، وحين تطرح مسألة اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم لإقالتهم أو إحالتهم، لا تدرج هذه المسائل على جدول أعمال مجلس الوزراء. في المقابل إذا طرح رئيس الحكومة أي بند، فلا يجوز مناقشته أبدا».
الدعوة للتظاهر بوجه الحكومة ليست مخالفة للانتظام العام، كما يرى وزير العمل. «فالنقاش على طاولة مجلس الوزراء يتعطّل من أوجه عدة: إما من خلال الامتناع عن طرح قضايا أساسية على جدول الأعمال، أو منع مناقشة البعض الآخر، وإما بطلب الموافقة على مراسيم مخالفة للدستور».
يميل نحاس إلى غربلة الحلفاء بميزان التجارب المتراكمة: بمعزل عن التصنيف السياسي الظاهر، ثمة معيار آخر يساعد على الفرز. هناك من ساهموا في إدارة الدولة خلال المرحلة الماضية، حتى لو باتوا اليوم في معسكرين مختلفين، هؤلاء أمسكوا أجزاء من الإدارة، وكي يتمكنوا من الحفاظ على هيمنتهم على طوائفهم، استخدموا مواقعهم في الإدارة، إما لكسب المنافع أو لممارسة حق النقض أو لتكريس التوازن. وهناك من لم يكن مشاركاً، منهم على سبيل المثال «التيار الوطني الحر»، «القوات»، و«حزب الله» الذي كان في وضع هامشيّ بالنسبة لهذه التركيبة. سعد الحريري كشخص لم يكن شريكاً. هذه الشراكة تتقاطع عرضياً مع الاصطفافات السياسية العامة. «موقعنا إذاً مختلف عمن كانوا شركاء في تلك الحقبة، وهذا الأمر ينعكس على الأداء على طاولة مجلس الوزراء. ثمة تجربة مشتركة بين مكونات تلك التركيبة حتى لو كانوا في اصطفافين متخاصمين. الأمر الذي يضع الحلفاء أمام تحدي إجراء جردة نقدية للمرحلة المذكورة بعدما لمسوا الى أين أوصلت سياساتهم».
وإذا كان حلالاً أن يكون مبغضو نحاس من الخصوم أو حتى من الحلفاء، فإن الحرام أن يكونوا من فريقه السياسي. أما هو فقراءته لواقع «تكتل التغيير والإصلاح» تقوم على أساس أنه «يضم أشخاصاً من مسارات مختلفة، فيما الموقف الممانع لتفكك الدولة وخلط المصالح الخاصة بالعامة، هو الخط الجامع الذي يعبر عنه العماد عون. تحصل الارتباكات وهذا أمر طبيعي، ولكن المنحى العام الإصلاحي، أي مقاومة دمج العام بالخاص، إعطاء الأولوية لحصانة الدولة على الرهانات الخارجية، والحرص على عدم الرضوخ للتخويف، هو الذي يجمع مكونات «التكتل». بنظره آخر مظاهر التخويف يتمثل بالكلام عن استحالة «قمع موظف أزعر» خوفاً من فتنة سنية - شيعية».
يعتبر وزير العمل أن مساحة النقاش الاجتماعي هي التي تحكم الحراك السياسي، وهي كانت معطّلة كلياً. «لقد تقصّدنا إحياء هذا النقاش، وسنكمل به، لأن هذا الأمر لا يصرف بمنطق العلاقة التبادلية بين الزعيم والجماعة، ويعيد ربط هذه القضايا بالدولة ومشروعيتها، وتدفع الرأي العام إلى الاعتراض خارج منطق الطوائف والقطعان».
لا يزال نحاس مقتنعاً بأن هذا المجال ضروري ومتاح، ومتمسكاً بالأفكار الإصلاحية. «تقدمنا من رئيس الجمهورية بطلب الموافقة على معاهدة دولية وضعت عام 1948، تثبّت حرية العمل النقابي، بحيث تعفى النقابات من الترخيص وتفصل عن التركيبات السياسية، وتصبح الحركة النقابية غير محصورة بالقطاع العام. كما أنجزنا تحضير مشروع قانون يحدد مفهوم الأجر والاستثناءات والتقديمات التي يجوز اعتبارها أنها ليست جزءاً من الأجر، ومن بينها بدلات الانتقال».
على الرغم من العاصفة التي هبّت بوجهه بفعل ملف الأجور وارتباطاته، لا يزال شربل نحاس مصرّاً على أن تكون «هذه المساحة من النقاش الاجتماعي جزءاً من الحياة السياسية، لذلك قامت ردة فعل عاصفة لإغلاق هذا الموضوع من خلال بناء «هالة طويلة عريضة» على «اتفاق وضعه بعض الشباب»، أي الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، من عشرة أسطر ويتضمن عشرات المخالفات، وتمّ تصويره وكأنه من مؤلفات آدم سميث. غايته إغلاق الطريق أمام أي محاولة لبحث هذه المسائل، وتثبيت الموقع الدونيّ للدولة. ثمة ادعاء بأن ممثلي أرباب العمل وممثلي العمال، قادرون على المونة على الحكومة باتفاقهم، كأنها تحولت إلى كاتب عدل ملزم بالبصم عليه، أياً يكن مضمونه».
لا يقف نحاس عند عوارض الأزمة بين بعبدا والرابية ليقفز فوراً إلى الأسباب، التي يعود جزء منها إلى كيفية ممارسة الدستور في المرحلة الماضية، وعدم البت بعدد من المسائل. ويقول: «مهمة رئيس الجمهورية الأساسية هي حماية الدستور وقواعد اللعبة، ولذلك هو حكم، والحكم لا يملك فريقاً. يتولى «الصوفرة»، ولكن يفترض أن تكون صفارته قوية كفاية بما يسمح له بالتحكم بمسار اللعبة». يقول إن ثمة مشكلة في «الصفّارة السليمانية». لكنه ينبّه إلى أن «عدم تقديم مشروع الموازنة كان يستدعي صفارة قوية. كيفية عمل مؤسسة مجلس الوزراء، وإخراجها من مزاجية البعض، تستدعي أيضاً دوراً من رئيس الجمهورية. ثمة مفاصل أساسية مفترض أن يحسم فيها بالموقف. نحن بحاجة ماسة إلى دور الحكم، وليس التعويض عن هذا الدور المفتقد بتحويل رئاسة الجمهورية كما لو كانت مجرد مقعد وزاري في مجلس الوزراء».
أما الانتخابات النيابية المقبلة فلا تخطر في باله راهناً، و«لكل مقام مقال» يختم نحاس حديثه.
تعليقات: