لبنانيون احتضنوا لبنانيين: فـي البتـرون، تحـوّل الحـذر إلـى إلفـة

أطفال نازحون (م. ع. م.)
أطفال نازحون (م. ع. م.)


البترون:

لم ينس أفراد فرق العمل التابعة للجنة المتابعة لشؤون النازحين في البترون تجربتهم مع أبناء الجنوب في خلال الحرب الإسرائيلية العام الماضي.

في الصيف الماضي، تعرفوا إلى أبناء بنت جبيل وعيتا الشعب وعين إبل ودبل وتولين وغيرها، وبقوا على تواصل معهم عبر الهاتف والانترنت، ومن خلال التزاور أيضا.

«قامت منطقة البترون بواجبها بدافع المحبة». يقول رئيس لجنة المتابعة لشؤون النازحين النائب العام لأبرشية البترون المارونية المونسنيور منير خير الله.

ويستذكر الأب خير الله كيف أقيمت حفلات الوداع للنازحين قبل عودتهم إلى قراهم، وكيف حاول مضيفوهم إقناعهم بالتريث قليلا لاستبيان الأحوال، لكنهم أصروا على العودة قائلين: «سنحتفل معكم غداً، من أرضنا، بعيد سيدتنا مريم».

وقد ألح النازحون على دعوة مضيفيهم لزيارتهم في بلداتهم الجنوبية، حتى وهي مدمرة، ويلفت الأب خير الله إلى رسالة وصلتهم من تولين تقول ان «الحياة لا تقاس بطولها بل بقدر ما فيها من محبة وعمل خير للناس، ومن أراد التعرف إلى الوطنية فليأتِ إلى البترون، ومن أراد عيش المحبة وكرم الاستقبال، فليأتِ إلى البترون».

مع نهاية الحرب، تبادل الشبان والصبايا العناوين وأرقام الهواتف وطلب عدد منهم أيقونة العذراء ووضعوها في أعناقهم، وطلب البعض الآخر نسخا من الإنجيل لقراءة ما يوصي به السيد المسيح.

أما فاطمة برو، ابنة السبعة عشر عاما، فقد حملت صليباً خشبياً معها إلى قريتها، بعدما طلبت من الأب خير الله الإذن كي تأخذه لزرعه عند مدخل البلدة، «حتى يبقى رمزاً للجلجلة» التي مشوها معا، والمحبة التي أظهرها أبناء البترون لهم.

وقد زار عدد من الشباب والصبايا المشاركين في اللجنة الأهالي في الثالث والعشرين من آب العام الماضي في بلداتهم الجنوبية، وكان الاستقبال حارا، ويؤكد خير الله أن «تلك الأيام الجميلة لن يطويها النسيان، فنحن نحضر لزيارة قريبة إلى الجنوب».

واجب يتحول إلى صداقة

تشرح ريمي قدوم انها بدأت مساعدة النازحين في مركزي تكميلية البترون المختلطة وثانوية البترون الرسمية من منطلق أن ذلك مجرد واجب تجاه إخوة من منطقة أخرى وطائفة من المستبعد الانسجام مع أبنائها.

لكن عملها تخطى، يوما بعد يوم، عملية توزيع الحصص وتقسيم الأدوار، وأصبحت تشعر بالحاجة إلى البقاء بالقرب من ضيوفها.

تعلقت بمريم ابنة السنوات الست التي تشكو من تأخر في النمو وكانت والدتها تنتظر مولودا. وقد جرى الإعداد للولادة وكأن المولود المنتظر هو فرد من أفراد العائلة، إلا أن ام مريم وضعت طفلها بعد الرابع عشر من آب، ولم تلتقه ريمي إلا لاحقا، خلال زيارة لها للجنوب.

فرح يشوبه الحذر

توضح أنيلا سركيس أن البعض سخر من المجموعة عندما بدأت تساعد النازحين، وحذروا أفرادها من أن «هؤلاء لن يعودوا الى ديارهم وستتوقف المدارس بسببهم»، لكن عندما تعرفوا اليهم نسوا أنهم من دينين مختلفين، وتقربوا من بعضهم البعض.

تبادلوا الزيارات في ما بعد، وأصبح التواصل سهلا، خصوصا مع الذين كانوا من أعمار متقاربة، فتحولوا إلى أصدقاء.

وتقول أنيل ممازحة أنه «أصبح بعض الذين زرناهم في الجنوب يصلي حتى تسوء الأحوال في مناطقنا لكي ننزح إلى قراهم».

أما جويل الدادا فتقول «كنا فرحين وحذرين في الوقت نفسه من الاختلاط بهم»، مضيفة أن «العديد من الأصدقاء حذرونا من تولي مهام الإغاثة، لكننا قررنا خوض التجربة واكتشفنا لاحقا قيمتها».

تقول ان أفراد فريقها تبادلوا الزيارات مع من كانوا نازحين «وتبادلنا أيضا المعلومات، تعلمنا كيف نساعد الغير وخبرنا أن التأقلم مع «الآخر» ممكن بغض النظر عن الانتماءات الطائفية، خصوصا عندما يكون الهدف واحدا».

وتوضح أن أفراد مجموعتها زاروا، في شهر رمضان الماضي، عددا من الأهالي الذين نزحوا إلى البترون، وأفطروا معهم، مشيرة إلى شوق المجموعة لأشعار محمد برو الذي كان يكتب قصائد عن البترون.

استنفار

يستذكر جان عجلتوني حالة الاستنفار التي سادت عندما علموا بقدوم نازحين من الجنوب: «كان موسم سباحة وبحر، لكني فضلت العمل معهم على التسلية، كان الدافع وطنيا ولم نلتفت الى الطائفية. فأصبحوا أصدقاء لنا».

عندما وصل النازحون الى البترون، كان جو بدوي يعمل في الفرق الخاصة بالتنظيفات وقد حرص في البداية على عدم الاحتكاك بهم.

ولكن مع تزايد أعدادهم، بدأ يختلط بهم ويعتاد عليهم. كان يتغيب لفترة، ثم يعود بفكرة بنشاط جديد يساعد على تسليتهم. كانت المواضيع الدينية أساس الحوار معهم، من خلالها تعرف الطرفان إلى بعضهما البعض، وتعرف كل إلى دين الآخر.

أما اسطفان مبارك، فقد كان يلعب مع النازحين كرة القدم وكرة السلة، وورق الشدة، ويشاركهم في تدخين النرجيلة.

يقول انه «اكتسب معلومات جديدة كثيرة عن الطائفة الشيعية» وانه تأثر كثيرا يوم عودتهم، ويشتاق دوما للطفلة سكينة ابنة السنة التي كانت «زينة» المركز، وكان الجميع يتهافت لرؤيتها.

بالنسبة لاسطفان فإن «أهل الجنوب فخورون بأنفسهم لأن لديهم أرضا رائعة قدموا الكثير من أجلها».

وكما يقول الأب خير الله، فإنه «بفضل التضامن الذي عشناه في الأيام الثلاثة والثلاثين من المأساة، سوف ننجح في تثبيت السلام: عملنا بحســــب ما طلب منا القديس بولس: لتكن محبتكم بلا رياء، أحبّوا بعضكم بعضاً محبةً أخوية، وبادروا بعضـــكم بعضاً بالإكرام، كونـــوا في الاجتهاد غير متكاسلين، وبالروح حارّين، وللرب عابدين، وبالرجاء فرحين، وفي الضيق ثابتين، وعلـــى الصلاة مواظبين، وفي حاجات القــــديسين مشاركين، وإلى ضيافة الغرباء ساعين... إفرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين».

تعليقات: