الأستاذ حبيب صادق يتحدث إلى والد المناضلة سهى بشارة وإلى الأستاذ حسن صادق
غادر رئيس المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، النائب السابق، الأستاذ حبيب صادق مستشفى الجامعة الأمريكية إلى منزله بعدما أمضى أسبوعاً خضع فيه للمعالجة بعد إصابته في كسر بالورك جراء تعرقل أدى إلى سقوطه مما سبب له "شُعراً في الورك"..
وهو الآن يخضع لفترة نقاهة.
للأستاذ الحبيب نقول حمداً لله على سلامتكم وانشاء الله بالتعافي التام والعودة العاجلة إلى عطاءاتكم الثقافية والوطنية.
أرقام هاتف المجلس الثقافي للبنان الجنوبي:
01/703630 – 01/815519
...
..
عن حبيب صادق كتب الأستاذ عطية مسوح ما يلي:
حبيب صادق.. يضيء وجوه المبدعين
بقلم: عطية مسوح
جبهة عالية في جنوب تسكنه الوداعة والثقافة والمقاومة.
بدأ اسمه يتلألأ منذ أواسط القرن العشرين، بين أسماء كثيرة لامعة زهت بها أرض لبنان الجميل، وعبقت أنسامه بفوح أقلامها.
أسماء أشرعت القلم المناضل لتظل شعلة الثقافة التقدمية متوهجة، بعد أن نقلها الزمن تباعاً من أيدي روّاد شقّوا الطريق، ومتابعين مبدعين أذكوا اللهب بطرس البستاني وجيله الطليعي، جبران ونعيمة والريحاني، عمر فاخوري ورئيف خوري ومارون عبود ويوسف يزبك، الشيخ عبد الله العلايلي، الشهيد حسين مروة.. وصولاً إلى المفكرين والأدباء الذين لا يزالون ملء السمع والبصر، كريم مروة ومحمد دكروب وجوزيف حرب.. وحبيب صادق. وأسماء كثيرة يضيق المجال عن ذكرها، وتضيق الذاكرة عن استجماعها في لحظة.
للجنوب حصته المتميزة في عطاءات لبنان الثقافية التقدمية في العصر الحديث، كان كذلك منذ أوائل القرن العشرين، وما يزال كذلك، ولنقل بكثير من الثقة إنه سيبقى.
وعلى امتداد العقود الأخيرة للقرن العشرين، وحتى يومنا، كان (المجلس الثقافي للبنان الجنوبي) مؤسسة ثقافية نشيطة، وفيَّة للثقافة العربية، واللبنانية والجنوبية، تتابع الإبداعات ذات الحضور، وترعى الإبداعات الناشئة، وتعزز التواصل بين مثقفي لبنان، وتنسج خيوط الألفة مع الثقافة العربية، وكان لحبيب صادق، رأسِ المجلس، إسهامه البارز في ذلك كله.
ليس حبيب صادق أديباً فقط، بل هو منشّط ثقافي، له بصماته في الحركة الثقافية اللبنانية عامة والجنوبية خاصة.
وليس هو أديباً وناشطاً ثقافياً فقط، بل مناضل صُلب حمل قضايا الوطن، وهموم محروميه وكادحيه، ودافع عنها بكلمته الحارة على صفحات الصحف، وتحت قبة البرلمان، حين حمله الشعب إليه.
لحبيب صادق نحو خمسة عشر كتاباً مطبوعاً، وقد يجد القارئ هذا العدد صغيراً بالنسبة لكاتب تجاوز الثمانين من عمره، بينما يملأ آخرون الدنيا كتباً. لكن القارئ سيعرف السبب حين يقرأ بعض هذه الكتب، ويدرك أن حبيب صادق ما كان يكتب إلا ما هو مهم، وما كان ينشر إلا ما هو جيد، وما كانت الكلمة تنساب من روحه إلى قلمه، وتسقط على أوراقه إلا أنيقة عطرة غنية ومغنية.
تقرأ مقالاته فتقول هذا النثر ابن عمّ الشعر. وتقرأ دراساته فيسحرك عناق العقل والوجدان. يكتب عن جبران والريحاني وكأنه خِلّ لهما، ويكتب عن مبدعي الجنوب، المشهورين منهم والمغمورين وكأنه يكتب عن ذاته، فتقول حقاً إن لكل امرئ من اسمه نصيباً، فهذا الرجل حبيب وصادق.
من لا يدقّ قدميه على الأرض لا يستطيع التحليق، ومن لا ينطلق من بيئته لا يمكن أن يملأ رحاب الوطن، أو يغدو عالمياً.
هذه الفكرة التي تشبه القانون، تؤكدها أعمال حبيب صادق، إذ يجد متابعه أنه مشدود إلى الجنوب، كلمةً واهتماماً ونشاطاً. فمبدعو الجنوب يشغلون حيزاً كبيراً من أدبه، وتحرير الجنوب ونهوضه، هاجس حاضر في كتاباته.
جنوباً ترحل الكلمات - شهادات على حاشية الجنوب ـ وجوه ثقافية من الجنوب ـ هذه عناوين بعض كتبه، أما كتابه (وجوه مضيئة) بجزأيه، فقد سكنت وجوه الجنوب وهمومه سطوره وصفحاته، إلى جانب هموم الأمة ووجوه الثقافة اللبنانية والعربية.
في (وجوه مضيئة) كتب حبيب صادق عن روّاد كبار، احتلوا مكانة مرموقة في صروح الثقافة العربية والعالمية (جبران ـ الريحاني) ومفكرين أغنوا الفكر العربي الحديث بعطاءات متميزة (حسين مروة ـ مهدي عامل) ومفكرين سياسيين أسهموا في تعزيز الروح الوطنية والقومية والديمقراطية في لبنان (كمال جنبلاط) وباحثين دينيين حثّوا على العقلانية والانفتاح (حسن الأمين ـ جعفر شرف الدين) ولغويين كبار (عبد الله العلايلي) وشعراء مرموقين (الجواهري ـ قبلان مكرزل) ورائدات في النضال النسوي (زينب فواز)، وأدباء ملأت روح الشعب أنفاسهم وأدبهم (سلام الراسي).
لكن ما يميز الكتاب، ويمنحه أهمية استثنائية هو غير ذلك، إنه تناول شخصيات أقل شهرة، وأقل إنتاجاً، بل شخصيات غير معروفة إلا في بيئاتها الضيقة، لكنها موهوبة ومعطاءة.
لقد خلّد حبيب صادق في كتاب (وجوه مضيئة) رجالاً اتسموا بالصدق والمثابرة والعطاء في مجالات محددة، دون أن يصبحوا أعلاماً يتناولهم الباحثون ويدرسهم الطلاب ويتغنّى بهم السياسيون والأحزاب. وكأني بهذا المثقف المناضل الجنوبي، ينطلق من أن شجرة الإبداع العظيمة التي تمدّ جذورها عميقاً هي جذور وجذوع وفروع وأغصان، وأوراق وأزهار، وكل هذه الأجزاء التي تتفاوت كبراً وقوة وحضوراً تصنع الشجرة، وتجعلها جميلة ومفيدة. إن الموهوبين والمبدعين الأقل شهرة، أو المغمورين الذين حجبت الأسماء الكبيرة أسماءهم، جديرون بأن نكتب عنهم، ونحفظ ذكرهم للأجيال، فلا كبار في الثقافة، أو السياسة، أو أي مجال آخر، يمكن أن يكون لهم حضورهم وشأنهم إلا بهؤلاء، كما لا يمكن أن تكون للجبل قمته بغير سفوح وقاعدة.
هذه مأثرة لحبيب صادق، سجلها كتاب (وجوه مضيئة) الذي تجد فيه فصولاً عن نقابيين ومناضلين ومثقفين ومعلمين، كما تجد فصولاً عن شعراء وأدباء أقل شهرة من الأسماء المعروفة في الأدب اللبناني.
إنك تقرأ في هذا الكتاب عن جان عزيز وجوزيف باسيلا ورشيد معتوق وسرحان سرحان ورفلة أبو جمرة وغيرهم.. كما تقرأ عن شخصيات معروفة في الوسط الثقافي على نطاق أضيق مما عرف المرموقون والكبار مثل محمد قره علي ومطانيوس منعم، كما تقرأ عن الكبار والأعلام الذين ذكرناهم من قبل.. وكلّهم يحتلون مكانة في صفحات الكتاب، كما في وجدان المؤلف مكانة، لا فرق بين من تألّق إبداعه فأحسّ به الناس جميعاً، وبين من كان شمعة أضاءت في نطاق البيئة المحلية أو المجال المحدد.
ولا يعني ذلك أن حبيب صادق يساوي بين المبدعين من حيث عظمة إبداعهم وتأثيرهم، بل أظنه يعني شيئاً آخر على غاية الأهمية، هو أن بذرة الإبداع مقدسة أينما وجدت، وكيفما ظهرت، وأن الظروف الاجتماعية قد تعيق بعضها أو تساعد بعضها الآخر، وأن التفاوت الفطري قد يميز بذرة عن بذرة، لكن القداسة لها جميعاً، والاعتراف بفضلها واجب ثقافي وإنساني.
كتاب (وجوه مضيئة) بانوراما للثقافة اللبنانية، مع تطرق لبعض الشخصيات العربية، فقارئ الكتاب يقارب من خلال جزأيه أكثر من أربعين شخصية، ينتمون إلى المجتمع اللبناني بمختلف تياراته وحركاته السياسية الوطنية، والتقدمية وشرائحه الاجتماعية، ومناطقه مدناً وريفاً. وإذا كانت بعض فصول الكتاب تقترب من البحث أو الدراسة (الريحاني ـ الشيخ عبد الكريم صادق ـ زينب فواز ـ قبلان مكرزل) فإن معظم فصوله تكتفي بوضع اليد على أهم ملامح الشخصية موضوع الفصل، وأهم مفاصل إبداعها.
بلغة رشيقة أخاذة، وتوقّد وجداني، يعطيك حبيب صادق فكرته، ويفتح أمامك كنوزاً لبنانية ثرية، فخذ ما تشاء
تعليقات: