شكرالله كرم.. قمر الخيام الذي لا يغيب

في الذكرى الـ 35 لاستشهاده: شكرالله كرم.. قمر الخيام الذي لا يغيب

أحببناكَ.. أجل أحببناكَ.. ففي عصركَ كنتَ المعشوق ولا تزال. والعاشق دائماً لا يُـخطئ الحبيب، فهو قمره الذي يراه دائماً بقلبه

قبل عينيه، لماذا أنتَ؟ لأنك أنتَ الذي يعجز القلم عن الإحاطة بصفاته. أحببناكَ لأنك الرمز.. رمز القيم والأخلاق والإنسانية قبل أي شيء آخر. وأستاذ الأطباء في عصرك، ورمز المحبة والعطاء حين تضمحل المحبة ويجف العطاء.

جئتنا طبيباً في زمن كان الاقطاع السياسي يتآمر على العلم وبناء المدارس في بلدتنا وفي المنطقة سواء، وكان بناء مدرسة يعني العمى لعينيه، إذ كان هدفه أن يكون الناس جميعاً عمياناً ليظل هو البوصلة والسيد الذي لا ينافسه أحد، وتخرجتَ يومها في الجامعة الأميركية، وكان رقمك في نقابة الأطباء "1"، فكنت مميزاً وقد بززتَ أقرانك وتفوَّقتَ في العلم والأدب والأخلاق. جئتنا طبيباً لتداوي أمراضنا فعالجت بعبقرية الطبيب الواثق بنفسه والعالم بمهنته أمراض أجدادنا وآبائنا وأمراضنا.

وجئتنا إنساناً مضمداً لجراحنا النفسية، وأحببتنا من دون أن تفرِّق بين واحد وآخر، لم يكن ذلك بالكلام، وإنما كان بالممارسة، وأول العلاج الحب، علمتنا المحبة بحبك وعلمتنا العطاء بعطائك، وعلمتنا البذل ببذلك، وعلمتنا الرحمة برحمتك، فقد كنت للفقراء المأوى والملجأ، كانوا حين تشتد عليهم المصائب ولا يملكون ثمن الدواء يهرعون إليك فتعالجهم وتعطيهم الدواء مجاناً، اللهم إني أشهد بذلك. كان بيتك مأوى للإنسانية فكيف لا نحبك؟

خبرناكَ رئيساً لبلدية الخيام، فكنتَ نِـعْمَ الرئيس، إذ وضعتَ مصلحة الخيام فوق أي مصلحة، وخطَّطتَ ووضعتَ المشاريع ونفـّذتها حتى بدت الخيام في عصرك لوحة فنية، كل شيء فيها الآن ينطق باسمك، فما بقي من مشاريعك يشكرك، وما تعاون عليه الإنسان والزمن فتهدم أو تلف يتحسر على أيامك. وربما كان أهم عمل قمتَ به أنك حافظتَ على أموال البلدة وصرفتها على الخدمة العامة، فزهت في عصرك الشوارع وازدانت بالكهرباء وفاضت البيوت بالماء الذي نتحسر عليه اليوم.

خمسة وثلاثون عاماً على غيابك ولا تزال تسكن في قلوب أبناء بلدتك جميعاً رغم أنف الرصاصات الحاقدة اللئيمة التي اخترقت جسدك الطاهر، ولا تزال روحك الطاهرة ترفرف فوق سماء الخيام لتنير لنا الطريق كما كانت تنيرها أثناء وجودك. لقد رفضتَ أن تغادر الخيام بعد أن هجَّر العدو الإسرائيلي معظم أبنائها، ورغم توسُّل زوجتك وأولادك، رفضتَ أن تنجو بنفسك وتتركَ بعضاً من أبناء بلدتك المرضى والطاعنين في السن وقلتَ قولتك الشهيرة "لن أغادر وفي الخيام إنسان واحد يحتاج إليَّ". أليس التشبث بالأرض والإنسان هو المقاومة؟

لهذا كله أحببناكَ لأنك أحببتنا، أحببناكَ لأنك علمتنا معنى التضحية بالنفس في سبيل الأرض والناس، فهل أطفأت الرصاصات الغادرة نوركَ؟ وهل محت ذكركَ؟ أيكون كثيراً على أبناء بلدتك الخيام أن يجعلوك رمزاً للوفاء والإباء ورمزاً للمحبة والعطاء بلا مقابل بعد خمسة وثلاثين عاماً من غيابك؟

شكرالله كرم.. أنت قمر الخيام الذي لن يغيب..

* المربّي الأستاذ رضى القاعوري - المدير الأسبق لثانوية الخيام

تقرير محطة "نيو تي في" عن الدكتور شكرالله كرم