المصالحة الفلسطينية
الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد على وجه الكرة الأرضية الذي يجب ان يكون متحدا بين كل مكوناته ومشاربه المتنوعة.
وهو الشعب الوحيد الذي يجب ان لايحتاج الى مصالحات فيما بين اطرافه.
فهو الشعب المقهور والمظلوم والذي ينتشر في كل اصقاع العالم مشردا بينما أرضه محتلة وهويته تتعرض للإلغاء كل يوم.
تصوروا شعبا يموت كل يوم بنيران العدوان وتكاد زنازين الاحتلال تختنق من أعداد اسراه ومعتقليه وتزداد البؤر الاستيطانية في اراضيه بشكل عشوائي ويهجر من ارضه ويحل مكانه مستوطنون اتوا من اقاصي الارض على وقع اسطوانة يرددها قادة اسرائيل منذ ستة عقود ونيف ومازالوا بأنه لاوجود لشعب فلسطيني ولا توجد ارض باسم فلسطين.
اليس هذا المشهد مأساويا واليس ذلك يحمل على السؤال اي «شعب» هذا الذي يقتل ويذبح ويشرد ومع ذلك يتناحر فيما بينه ويبحث عن وساطات من هنا وهناك لكي يتصالح مع بعضه البعض؟
وأي المسافات أقرب هل بين هذه العاصمة وتلك ام بين هذا الشارع الفلسطيني وذاك او هذا الفصيل وذاك.
فهل مشكلة الفلسطينيين في انهم لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي ولذلك هم بحاجة لمن يأخذ بيدهم ويجمعهم؟. ام ان المشكلة اعمق من ذلك بكثير؟
ومن المؤسف ان يكون عدو الفلسطينيين بيمينه ويساره وحمائمه وصقوره يملك تصورا وسياسة واحدة لكيفية التعاطي مع الشعب الفلسطيني بينما الفلسطينيون على خلاف فيما بينهم حتى في القضايا الثانوية والصغيرة.
فقوة اسرائيل ليست خارقة ولا هي استثنائية وانما مستمدة من الضعف والانقسام الفلسطيني ولذلك عندما يرتفع الحديث عن المصالحة الفلسطينية تظهر ردود الفعل الاسرائيلية المنددة والمهددة ’لان المصالحة تعني الوحدة والوحدة تعني التطلع نحو العدو وكيفية مواجهته.
ومن ينظر الى الواقع الفلسطيني اليوم يدرك ان المصالحة دونها عقبات كبيرة وكبيرة جدا ولذلك اسرائيل توغل في مخططاتها العدوانية عبر الاستيطان وادارة الظهر لمفاوضات جدية ومنتجة لان هناك من ينشغل عنها بصراعات وانقسامات.
وفيما الفلسطينيون يطلقون بين الحين والآخر قنابل صوتية تنذر بحدوث مصالحة وعناق متبادل وطي صفحات وفتح صفحات جديدة تستمر اسرائيل في تهويد القدس وفي تقطيع اوصال الاراضي الفلسطينية التي تشكل ملمحا لدولة فلسطينية مفترضة.
فلقد تحولت المصالحات الفلسطينية الى استعراض فلكلوري ففي القاهرة في ابريل الماضي وقعت حركتا حماس وفتح اتفاقا للمصالحة في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة على امل ان ينهي اربع سنوات من الانقسام بينهما ونص على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه آنذاك إن «صفحة الانقسام السوداء طويت الى الأبد». وأضاف «اليوم نتجاوز كل المرارات وننطلق ابناء شعب موحد لانجاز حقوق شعبنا».
اما رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل فأكد ان حماس «مستعدة لدفع كل ثمن من اجل اتمام المصالحة وتحويل النصوص الى واقع على الارض».
واعلن أن حماس مستعدة «للاحتكام للانتخابات في اقرب فرصة في ظل ظروف مواتية»، والتفت نحو عباس قائلا «بطمنك بطمنك يا اخ ابو مازن».
الا انه وبعد شهور على التوقيع وجد الفلسطينيون انفسهم مؤخرا امام مصالحة اخرى برعاية قطر.
ووقع عباس ومشعل اتفاقا في الدوحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى الاعداد للانتخابات في وقت لاحق من العام الحالي بعد ان تأجلت طويلا.
لكن هذا الاتفاق لم يكتب له النجاح ايضا- حتى الان على الاقل - في ظل واقع معقد لكل طرف من الطرفين. فحركة فتح تعيش ازمة بنيوية من خلال تعدد التيارات داخلها الموزعة بين المؤيد والداعم للرئيس الفلسطيني لاسيما في خيار المفاوضات مع اسرائيل وبين الرافض للتفاوض كيفما كان ودون اي نتائج ايجابية. في حين ان حماس دخلت دوامة انقسام بين حماس قطاع غزة ومشعل رئيس المكتب السياسي للحركة الذي يعيش في المنفى والذي كان مقيما في سوريا حتى وقت قريب لكنه يبحث الان عن مكان جديد للاقامة.
وتعارض قيادة حركة حماس في قطاع غزة اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي وقعه مشعل والرئيس محمود عباس. واعترضت كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية التابعة للحركة في غزة على بند رئيسي في الاتفاق سيتولى بموجبه عباس الرئاسة ورئاسة الحكومة المستقبلية مما أبرز الانقسامات داخل حماس. وتضم الكتلة البرلمانية القياديين الكبيرين في حماس في قطاع غزة اسماعيل هنية ومحمود الزهار اللذين لم يحضرا مراسم توقيع الاتفاق في قطر. وقالت الكتلة البرلمانية في بيان «بعد التدقيق في قضية جمع محمود عباس بين رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة المزمع تشكيلها وبعد تفحص مواد القانون الاساسي واستشارة خبراء القانون نؤكد على أن هذا الامر مخالف للقانون الاساسي باعتباره الدستور المؤقت الناظم لعمل السلطة الفلسطينية والمحدد لمكوناتها الذي ينص على الفصل بين المنصبين. وأضاف البيان «ندعو جميع الاطراف الموقعة والراعية للمصالحة الفلسطينية لإعادة النظر في هذا الموضوع وضرورة احترام القانون الاساسي وعدم تجاوزه في أي اتفاق يتم انجازه». وباختصار المشهد الفلسطيني المفجوع بالانقسام سيبقى حاضرا حتى اشعار اخر طالما ان الفلسطينيين لم يحسموا بعد خياراتهم ويحددوا ثوابتهم الوطنية
تعليقات: