انهيارات وتشققات في جسم السرايا الشهابية
تتوزع ملكية «شيخة المباني» على 50 عائلة وتقطنها أربع
بات من البديهي وصف السرايا الشهابية بشيخة المباني المهددة بالانهيار وتصنيفها بالخطرة، فالصرح الصليبي الضخم، الذي صمد على هيبته ووقاره لفترة تجاوزت 800 سنة في وادي التيم، كان خلالها مركزاً للقرار وقاعدة للسيطرة على المناطق المجاورة، عبر حلف سياسي وعسكري، أبرمه الشهابيون مع الأمراء المعنيين، الذين كانوا يحكمون في تلك الحقبة جبل لبنان، هو اليوم مهدّد كل لحظة بالانهيار والأندثار، بسبب التخلي والإهمال المزمنين، بعدما غدت القلعة مفككة ومنهكة القوى، وانحنى ظهر بابها الكبير، ونخر التفتت حجارتها، ونالت التشققات والتصدعات من معظم جدرانها الخارجية والداخلية، وكل أجنحتها وممراتها وأقبيتها. وتحوّلت من قلعة شامخة إلى مبنى عاجز في طريقه إلى الزوال، إذا لم تسارع الجهات المعنية لإنقاذه عبر عملية ترميم سريعة وشاملة، كانت قد أعدّتها ووضعت خرائطها وتصاميمها مديرية الآثار، بالتعاون والتنسيق مع «المؤسسة اللبنانية للمحافظة على سرايا الأمراء الشهابيين في حاصبيا»، التي انطلقت في 24 آب 2001 برئاسة الأميرة كارلا شهاب.
ويعتبر قاطنو السرايا، أنها باتت في حال عجز يرثى لها، تفاقمت وبشكل خطر مع الأحوال الجوية القاسية التي ضربت المنطقة، فالأمطار تسربت إلى داخل أقسامها وأجنحتها. وبدت المياه في أقبيتها وممراتها متدفقة عبر الشقوق والتصدعات الكثيرة في كل ناحية، كما في الجدران والسطح، ما أدى إلى انهيارات عدة، منها انهيار في جناحها الشمالي، وفي أسطح بعض الغرف، اضطر عندها السكان القلائل إلى تغطيتها بألواح معدنية في محاولة يائسة للحدّ من خطرها. وفي جولة على أرجاء السرايا، تظهر للزائر حفر، وفجوات، وثقوب متنوعة الأحجام والأعماق، إلى جانب تصدعات في الجدران وداخل الأقواس والممرات، حيث مياه الأمطار تتسرّب منها بغزارة، لتصل إلى أساساتها. وتبدو شقوق وتفسخات كبيرة في معظم جدرانها الخارجية، ويتجه بعضها إلى الانهيار، بعد سقوط دعائم حجرية رئيسية وفرعية عدة تحمي المقاطع. وتشير سهى شهاب التي تقطن في أحد الأجنحة الشرقية، إلى أن «تسرّب المياه من الجدران وصل في العاصفة الأخيرة، إلى شبكة الكهرباء، ليتسبب باحتكاك كهربائي، كاد يؤدي إلى كارثة لولا تدارك الأمر بسرعة»، تضيف «إننا نشعر بالخوف خلال فصل الشتاء بشكل خاص، حيث يهزّ الرعد المبنى بقوة والبرق يومض من كل النواحي، والرياح تصفر داخل الغرف عبر التشققات التي تكبر يوماً بعد يوم»، لافتة إلى أن «الوضع في السرايا بات خطراً بالفعل، ويتدهور بسرعة باتجاه الأسوأ».
ويقطن عادل شهاب في الطابق العلوي عند الناحية الشرقية للسراي، ويعتبر أن «السكن فيها مخاطرة يجب تحاشيها، فكل أجنحة السراي متآكلة، وتتجه ناحية الإنهيار في أية لحظة، وبتنا نخاف من أي ارتجاج حتى ولو كان بسيطاً، فالمطلوب من الجهات المعنية وأمام الخطر الداهم، إجراء كشف سريع على المبنى وتحديد مدى خطورته الفعلية على قاطنيه، تمهيداً لاتخاذ خطوات سريعة تراعي وضع السكان أولاً قبل فوات الأوان».
وتتوزع ملكية السرايا على خمسين عائلة شهابية، وتقطنها أربع عائلات فقط، هي عائلات مفيد، ومنذر، وعادل، وفؤاد شهاب. وهناك جناح للأمير المرحوم مجيد ارسلان، ورثه عن والدته الأميرة نهدية شهاب وزوجته الأميرة لميس شهاب، ابنة رئيس الوزراء الأسبق الأمير المرحوم خالد شهاب. ومع أن القلعة ملكية خاصة، فقد تحول الاهتمام إلى رسمي، بعدما صنفتها مديرية الآثار سنة 1962 معلماً تاريخياً، بتوجيه من رئيس الجمهورية آنذاك المرحوم فؤاد شهاب.
ذلك التصنيف، حسب رئيسة «المؤسسة اللبنانية للمحافظة على السرايا الشهابية» الأميرة كارلا شهاب «لم يحث الدولة على الاهتمام بالصرح، ليقتصر ذلك على زيارات بعض المسؤولين للقلعة من دون أن تسجل أي خطوات عملية للإنقاذ»، لافتة إلى أنه «في العام 2001 بدأنا حملة واسعة لإنقاذ القلعة، حيث كلفت مديرية الآثار فريقاً متخصصاً من شركة بوليتكنيكال، أمضى أشهراً عدة في إجراء دراسات ميدانية شاملة، تم بعدها وضع مخطط تفصيلي، يمكن أن يعتمد في إعادة الترميم والتأهيل».
ومما جاء في ذلك المخطط «ضرورة تركيز الجهود على عمليات وقف التدهور البنياني، عبر تدعيم بعض الأقسام. ووضع اقتراحات لإزالة المخاطر، التي تهدّد نواحي عدة بالانهيار، فهناك مشاكل طارئة في القسمين الشرقي والغربي من السرايا، وتفتت لكثير من الأحجار في الواجهة الرئيسية والقناطر، إضافة إلى تفكك في العقود، وأن السرايا بشكل عام معرضة لمشاكل عدة يجب التدخل لإزالتها سريعاً»، وفق شهاب، التي تأسف «لما آلت إليه السرايا الشهابية». وتشير إلى أن الجمعية قامت بحملة واسعة لتأمين الأموال لإنقاذها، والنجاح الذي تحقق فقط تمثل بإدراج السرايا على لائحة «ورلد منيومنتس فوند»، وهي جمعية عالمية تعنى بالآثار القيمة، «ما يعني أن السرايا أصبحت من المعالم التي يجب على العالم السعى لإنقاذها، نظراً لأهميتها التاريخية والهندسية والثقافية، ولكن يبقى الهم الأكبر إنقاذ ذلك المعلم الكبير قبل فوات الأوان»، كما تقول شهاب.
تعليقات: