يأجوج ومأجوج


"يأجوج ومأجوج"..

كنت لا أزال صغيراً حين سمعت بهذه العبارة، كان ثِقل لفظها وشِدّة وطأتِها في الأذن دافعاً لي للسؤال عن حقيقة معناها ومعرفة من يكون هؤلاء؟

- هل هم من الإنس أو الجن؟

- هل عاشوا في زمانٍ قد سلف أم ما زالوا يتواجدون بيننا؟

سألت حينها جدّي فقال لي: إنّهم الصينيون يا جدّي المعروفين بالشعب الأصفر، وأضاف أنّه سيأتي علينا زمان يزحف هؤلاء فيه علينا كالجراد المنتشر، فلا يَبقون ولا يذَرون خلفهما شيئاً. لا أدري كيف جاء جدّي بهذا التفسير، أقرأه في كتب الأقدمين أم كانت مجرد أفكار تسري بين الناس في ذٰلك الزمان!

ما أيقظ ذاكرتي وأعادني للتفكير في معرفة حقيقة "يأجوج ومأجوج" هو سنين اغترابي في الخارج. كنت قد أنهيت دراستي الجامعية في لبنان وقررت السفر الى المانيا لمتابعة الدراسات العليا. لا زلت أذكر أول يومٍ من أيام الدراسة، كنت أول الواصلين الى قاعة التدريس، إنتظرت بلهفة رؤية زملائي الجدد في الدراسة، حينها بدأ الطلّاب بالتوافد وأنا أنظر إليهم واحد تلو الآخر، إمتلأ الصف وإذ أجد نفسي جالسا بين ثلاثين طالباً معظمهم من الصين، باستثناء ثلاثة طلّاب من جنسيات مختلفة.

في البدء لم يرق لي الأمر، فأنا لا أعرف الكثير عن هؤلاء لا عن عاداتهم ولا أطباعهم، وكنت قد سمعت مرّةً أنّهم يأكلون اصنافا مختلفة من لحوم الحيوانات وحتى الحشرات.

بعد فترة وجيزة استطعت التأقلم معهم، فهم بحق شعب مسالم وغير عدائي، كما أنهم مهذبون جداً في الحديث مع الآخر. في فترات الفراغ تراهم اجتمعوا مع بعظهم وشكلوا حلقات متآخية للبدء في تناول طعام الغداء ومناقشة ما تعلّموه في محاضرة اليوم. بغض النظر إن أعجبتك أطباقهم ام لم تعجبك، لا يمكنك أن تتجاهل همّة هؤلاء على الدراسة والعمل، وإذا نظرت في وجوههم وأمعنت النظر سترى في ملامحهم إرادة صلبة ما لا يدع عندك مجالاً للشك في قدراتهم.

مازلت أذكر قصة حين كنت أقيم في سكن طلابي، أثّرت بالفعل في مجرى دراستي وحياتي...

في بعض الليالي كنت أستيقظ في منتصف الليل وأنظر من خلال النافذة إلى الظلام الداكن، وفي كلّ مرةٍ أنظر فيها أرى طالبة قد أنارت ضؤاً خافتاً وهمّت في القراءة وعلى طاولتها العديد من الكتب والمراجع. كانت زميلة لي في نفس الكلّية، سألتها حين التقيتها مرّةً إن كانت تبقى الى هذه الساعة المتأخرة من الليل في الدراسة، أجابتني حينها وهي تبتسم: لا بالطبع لا! أنا أنام باكراً جداً لكنني أستيقظ في كلّ ليلة عند الثانية من منتصف الليل بعد أن يكون جسمي قد أخذ قسطاً من الراحة ولم يعد بحاجة الى المزيد، فأبدأ بمتابعة الدراسة حتى الخامسة فجراً ومن ثم أنام ساعتين إضافيتين. ذُهلت حينها ودُهشت أكثر حين قالت لي أنّها تُفكر في زيادة ساعة إضافيّة كباقي زملائها.

لقد غزا الصين العالم كله واحتله إقتصادياً، فلا تجد اليوم منزلاً يخلو من منتجاً مصنوع في الصين. ماذا تتوقع من هكذا شعب إن كان بمعظمه كتلك الفتاة في الكلّية، أين سيوصِلون بلدهم حينئذٍ!!

اليوم ومن خلال إحصاءات علمية لا يوجد بلد خالٍ منهم، وهم بلغة الرياضيّات بازدياد "أُسّي" اي بوتيرة تصاعديّة سريعة في جميع البلدان. قرأت ذات مرة ان أعداد الصينيين تتفاقم بشكل مخيف في أستراليا، وأن الشعب الاسترالي بدأ يثير هواجز وعدم ارتياح لكثرتهم، في أميركا متواجدون ايضاً بكثرة منذ زمنٍ، واليوم يتطلّعون ويطوقون للتوسّع في افريقيا القارة الأغنى بكنوز الأرض.

أعمل حالياً في شركة ألمانية عريقة لصناعة السيارات، يعمل في هذا المصنع ما يزيد عن الستين الفا من المهندسين والتقنيين والعمّال، وهم من مختلف أصقاع الأرض، ولا مبالغة ان قلت أنّ النسبة الأكبر من العمّال الأجانب هي من الصينيين.

سافرت يوما إلى جزر الكاراييبك في أقصى غرب المحيط الاطلسي، أهلُ هذه الجزر من السكان الأصليّين مع بعض الأقليات من الجنسيات الاخرى، صادفت العديد من الصينيين هناك والمتاجر الصينيّة المعروفة اليوم بِ" وان دولار شوب" وحين سألت تاجراً لبنانيا عنهم قال لي " الله يسترنا منّم" لقد جاؤا الى هنا منذ سنوات قليلة ومن ذٰلك الحين تناقصت ارباحنا بشكل كبير، والعديد من التجار أفلس وعاد الى بلده، كيف لا وهم يبيعون بربع السعر الذي نبيع به!! حينها وقفت وتأمّلت ملياً في كل ما سمعته ورأيته، وتذكرت جدّي "رحمة الله عليه" وما قاله لي في صغري.

جاء ذكر "يأجوج ومأجوج" في القرآن الكريم في عدة مواضع، ففي سورة الكهف الآيات [٨٣-١٠٠] يخبرنا الله عزّ وجل عن قصة "ذي القرنين" الذي مكّن الله له في الارض وأعطاه من كل شيءٍ سببا. معجزة "ذي القرنين" في القرآن هو الإرتحال والتنقل بأسباب ووسائل خارقة وبتمكين إلٰهي في زمنٍ لم تكن فيه طرق مواصلات. ففي الآية [٩٠] قال تعالى {حتى إذا بَلغ مَطلِع الشمس وجدها تَطلُعُ على قومٍ لم نجعل لهم من دونها سِتراً} والمقصود أنّ "ذي القرنين" قد وصل عند قومٍ في بقعةٍ على الارض، لم يجعل الله لهؤلاء القوم (يأجوج ومأجوج) ستراً او غطاءً من الشمس، والسِتر هنا يعني الّليل.

هذه إشارة واضحة الى أقصى شمال الأرض أو جنوبها وبالتحديد عند القطبين حيث تظلّ الشمس مشرقة طوال الليل ولمدة ستة أشهر متتالية ولا تغرب، وبالتالي ليس للناس من دون الشمس سِتراً. هذه طبعاً من المعجزات العلمية في القرآن الكريم، وللتأكيد على المعنى قال تعالى {مَطلِع الشمس} ولم يقل {مشرق الشمس} فلا شروق ولا غروب في هذه الحالة ان كانت الشمس تظلّ مشرقة طوال هذه الفترة، وهذا ممّا يدع مجالا للشك بأن القرآن هو من لُدن حكيمٍ خبير وليس كلام بشر.

وفي سورة الأنبياء الآية [٩٦-٩٧] قال تعالى {حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدبٍ ينسلون - واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصةٌ أبصارُ الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلةٍ من هذا بل كنّا ظالمين} تربط الآية بشكل صريح بين خروج هؤلاء القوم وقيام الساعة.

ان كان هؤلاء هم المقصودون في القرآن الكريم ام لم يكونوا فالحقيقة التي لا مفر منها أنّهم سيوسعون نفوذهم في العالم أجمع، لأن وطنهم لم يعد يتّسع لاعدادهم وطاقاتهم الهائلة، المسألة مسألة وقت فقط حتى تجدهم امتدوا من أقصى شمال الأرض إلى أقصى جنوبها.

ما يثير الإستغراب انّك لا تجد اعدادا منهم بكثرة في لبنان، هل علِم هؤلاء أنّ لبنانَنا ليس فيه خيرٌ لهم! فقرّروا اجتياحنا اقتصاديّاً فقط واستبعدوا الخيار البشري؟ فنكون حينها بمأمنٍ منهم ومن الناجين من زحفهم!


* أحمد رضا مهدي - ألمانيا

بطاقة تعريف: أحمد رضا مهدي، هو ابن بلدتنا الخيام، يعيش في ألمانيا منذ أكثر من خمس سنوات، اتمّ دراسته العليا في تلك الدولة ويعمل حالياً فيها كمهندس أبحاث وتطوير في شركة لصناعة السيارات.

أحبّ أحمد ان يكتب هذا المقال كنتاج لما اختبره وشاهده من الشعب الصيني في بلاد الاغتراب.

تعليقات: