منزل «أم هشام وهبي في الدوير»: ذاكرة تعكس صورة جمالية تاريخية رائعة

رزق الله على ايام زمان.. تسلم يديك يا ام هشام !
رزق الله على ايام زمان.. تسلم يديك يا ام هشام !


تعيدك بالزمن إلى الحياة القروية الجنوبية قبل 60 عاما

بيروت:

في بلدة الدوير، الواقعة إلى الغرب من مدينة النبطية في جنوب لبنان، مكان يعيد زائره إلى زمن جميل مضى.. إنه متحف تراثي شبه عفوي يتمثل في شرفة بيت «أم هشام» وهبي، التي تضم في جنباتها مئات من القطع التراثية النادرة، جمعتها صاحبتها بحب وشغف لتغدو جاذبا للسياحة التراثية في ريف الجنوب اللبناني.

«الشرق الأوسط» التقت «أم هشام»، أخيرا، فقالت لنا «أردت أن أجعل من منزلي متحفا طبيعيا يضم مختلف الأدوات والأواني والوسائل التي اعتمدها أهل الجنوب في حياتهم اليومية لتأمين قوتهم»، مضيفة «إنني أسعى دائما إلى المحافظة على ثقافة الزمن القديم بكل صورها، لتروي لأجيالنا الشابة حقيقة حياة الماضي بفقرها وبساطتها وجمالها، ولا سيما ما فيها من وجوه الاكتفاء الذاتي».

ليس بغريب أن تفاجأ عندما ترى ما تخبئه لك شرفة «أم هشام» من أدوات تراثية قديمة وما تعبق به من أجواء تاريخية تعيدك إلى الحياة القروية الجنوبية التي كانت سائدة حتى الخمسينات من القرن الماضي. وهي أدوات ما برحت تقاوم الحياة على مساحة واسعة من شرفة الدار، «وتتيح للزوار استكشاف نمط جديد من الثقافة التي يفتقدها جيل الإنترنت والتكنولوجيا»، بحسب تعبير «أم هشام».

في «متحف الثقافة التراثية» هذا لكل قطعة قصة.. فهنا النورج - أو المورج - لدرس القمح على البيادر، وهناك «السكة» أو شفرة المحراث التي تنغرز في الأرض وتشقها إبان الحراثة، ومعها «المذراية» التي تذري أو تفصل حبوب القمح أو الحنطة بعد درسها فتسمح لقشرتها الخفيفة أن تطير بعيدا عن الحب في الهواء. وتستذكر «أم هشام» تلك الأيام فتقول بحنين ظاهر «كنا نجتمع على بيدر البلدة أيام الحصاد لذري القمح بـ(المذراية) وتجميع غمار القمح عن البيدر.. اليوم الآلات حلت محل (النورج) و(السكة) والدواب والثيران التي كانت تستخدم في درس القمح وحرث الأرض».

وتستوقف الزائر «الكبكة» التي كانت تتدلى من سقف المنزل لحفظ الطعام، وقد استعيض عنها اليوم بالبراد الكهربائي (الثلاجة). وعلى مقربة منها «صندوق جهاز العروس»، فضلا عن مجموعة كبيرة من «البوابير» (جمع «بابور» الجاز للطهي والغسيل) ومناخل الطحين (جمع «منخل»، الذي يعرف أيضا بـ«الغربال»)، بالإضافة إلى أجران دق القمح والمذياع (جهاز الراديو) القديم.

أما الخل البلدي فقد كان يخزن في برميل الخشب المنتفخ المحاط بالعود. أما المحراث - أو عود الفلاحة - بكل مكوناته، ومنها «السكة»، فلا يكتمل من دون «النير» الذي كان يوضع على رقاب الثيران أو الدواب، و«المساس» هو العصا التي تنتهي من جانب برأس مدبب لوخز الثور وتحفيزه على مواصلة الحركة ومن جانب آخر برأس مفلطح لتنظيف «السكة من الوحل الذي يعلق بها أثناء الحرث أو الفلاحة». ثم هناك بعيدا عن المحراث «الأنتل» - أو «القنتلة» - لتعبئة الماء.

وحول أدوات الطعام تتحدث السيدة الستينية، راوية «كنا نعتمد على خوابي الزيت والزيتون وخضاضة اللبن (الطناجر النحاسية). كان الطعام فيها أشهى وألذ من الذي نعده اليوم بواسطة الطناجر العصرية التي لا يلصق بها الطعام.. لأنها تحافظ على نكهته لمدة أطول».

وفي زاوية أخرى، من الشرفة هناك معروضات متنوعة قد تبدو غريبة لجيل الشباب اليوم، منها المكواة على الفحم وأجراس الأبقار والأغنام والماعز، والميزان القديم بقياساته المتعددة، والسراج الذي شكل ملاذا لأهالي مدينة النبطية (جنوب لبنان) عام 1962، وفيه قال أحد الزوار ذات يوم ممازحا صاحبته «في حال انقطاع الكهرباء سأقصدك لاستعارته!»، لترد عليه «على الرحب والسعة. ربما تعود إلينا أيام زمان.. من يعلم؟!».

وفي جانب آخر من الشرفة، هناك الناي والربابة والمنجيرة من الأدوات الموسيقية، والمنجل والجاروشة من لوازم حصد الحبوب وجرشها - أي سحقها - والسماور لتحضير الشاي، ثم المواسير والسلال المختلفة الأحجام، والمحدلة (أو المدحلة) التي كان يسميها بعض اللبنانيين «الماعوس» لتسوية أسطح البيوت الترابية القديمة وحمايتها من التشقق.

«أم هشام» باشرت مع زوجها جمع هذه المقتنيات التراثية قبل 35 سنة تقريبا، معتمدة مبدأ «من لا قديم له لا جديد له». وهي سعيدة جدا للزيارات التي قام بها ويقوم بها الزوار من اللبنانيين والعرب إلى شرفتها، سواء من الشخصيات السياسية كالوزير السابق والنائب الحالي ياسين جابر، أو طلبة الجامعات ولا سيما من يعمل منهم على إعداد أبحاث عن الحياة القروية القديمة. وأشارت أن بين غير اللبنانيين الذين قصدوا شرفتها أبطال مسلسل «باب الحارة» والممثلة أمل عرفة والممثل الراحل هاني الروماني من سوريا، وكذلك سياح أجانب من فرنسا والجزائر، بالإضافة إلى تلقيها مكالمات هاتفية مهنئة من مغتربين لبنانيين شاهدوها على إحدى محطات التلفزيون.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» قالت «عاشقة التراث اللبناني»، كما تصف نفسها: «منذ طفولتي وأنا أحب كل شيء متعلق بتراثنا الوطني. قبل عام 2000 كنت أحتفظ بمقتنياتي ضمن عشرات الصناديق داخل المنزل، ولكن بعد استقرار الوضع الأمني في الجنوب أخرجتها إلى الملأ».

كيف جمعت «أم هشام» بمساعدة زوجها ما جمعته؟.. تقول إن الفضل عائد بنسبة كبيرة إلى الإهمال الذي تعرضت له هذه المقتنيات لدى أصحابها، نظرا لقدمها وانتفاء الحاجة إليها، ثم هناك عنصرا المثابرة والإرادة الصلبة في التجميع.. ولو من مكبات (مرامي) النفايات في البلدة، مع الإشارة إلى أنها عثرت على بعض مقتنياتها ملقاة في شوارع البلدة الفرعية، وحصلت على مقتنيات أخرى من حدائق الجيران وبعض سكان البلدة. ثم هناك ما حصلت عليه من عشرات الزوار الذين جاءوا إليها وزودوها بها.

وهنا تشدد «أم هشام» على أن كل قطعة حصلت عليها «أخضعت لعملية تنظيف كاملة بالماء والصابون، قبل أن تحتل مكانها المناسب على الشرفة». واللافت أن لأولاد «أم هشام» دورا فاعلا أيضا في هذه الهواية، فمنهم من يجلب قطعا تصادفه أثناء زيارته لأصدقائه، ومنهم من يسعى إلى شراء ما تفتقر إليه شرفة والدته. أما عملية التنظيم والتوزيع، فيعود الفضل في إنجازها إلى هشام ووسام، ابني «أم هشام» المغتربين، اللذين تنتظر عودتهما بفارغ الصبر كل عام للقيام بهذه المهمة، لا سيما في تعليق المقتنيات المتدلية من سقف الشرفة، أو توزيعها على جدرانها بصورة متناسقة.

وفي الختام تؤكد «أم هشام» أن أي قطعة من ثروتها التراثية غير معروضة للبيع أو الإعارة، مشددة على أنها قد تتخلى عن حياتها ولا تتخلى عن أي منها.شرفة «أم هشام» تتحول إلى متحف للقطع التراثية في لبنان

تعيدك بالزمن إلى الحياة القروية الجنوبية قبل 60 عاما

عشرات المقتنيات القروية التي تضمها الشرفة («الشرق الأوسط»)

بيروت: مازن مجوز

في بلدة الدوير، الواقعة إلى الغرب من مدينة النبطية في جنوب لبنان، مكان يعيد زائره إلى زمن جميل مضى.. إنه متحف تراثي شبه عفوي يتمثل في شرفة بيت «أم هشام» وهبي، التي تضم في جنباتها مئات من القطع التراثية النادرة، جمعتها صاحبتها بحب وشغف لتغدو جاذبا للسياحة التراثية في ريف الجنوب اللبناني.

«الشرق الأوسط» التقت «أم هشام»، أخيرا، فقالت لنا «أردت أن أجعل من منزلي متحفا طبيعيا يضم مختلف الأدوات والأواني والوسائل التي اعتمدها أهل الجنوب في حياتهم اليومية لتأمين قوتهم»، مضيفة «إنني أسعى دائما إلى المحافظة على ثقافة الزمن القديم بكل صورها، لتروي لأجيالنا الشابة حقيقة حياة الماضي بفقرها وبساطتها وجمالها، ولا سيما ما فيها من وجوه الاكتفاء الذاتي».

ليس بغريب أن تفاجأ عندما ترى ما تخبئه لك شرفة «أم هشام» من أدوات تراثية قديمة وما تعبق به من أجواء تاريخية تعيدك إلى الحياة القروية الجنوبية التي كانت سائدة حتى الخمسينات من القرن الماضي. وهي أدوات ما برحت تقاوم الحياة على مساحة واسعة من شرفة الدار، «وتتيح للزوار استكشاف نمط جديد من الثقافة التي يفتقدها جيل الإنترنت والتكنولوجيا»، بحسب تعبير «أم هشام».

في «متحف الثقافة التراثية» هذا لكل قطعة قصة.. فهنا النورج - أو المورج - لدرس القمح على البيادر، وهناك «السكة» أو شفرة المحراث التي تنغرز في الأرض وتشقها إبان الحراثة، ومعها «المذراية» التي تذري أو تفصل حبوب القمح أو الحنطة بعد درسها فتسمح لقشرتها الخفيفة أن تطير بعيدا عن الحب في الهواء. وتستذكر «أم هشام» تلك الأيام فتقول بحنين ظاهر «كنا نجتمع على بيدر البلدة أيام الحصاد لذري القمح بـ(المذراية) وتجميع غمار القمح عن البيدر.. اليوم الآلات حلت محل (النورج) و(السكة) والدواب والثيران التي كانت تستخدم في درس القمح وحرث الأرض».

وتستوقف الزائر «الكبكة» التي كانت تتدلى من سقف المنزل لحفظ الطعام، وقد استعيض عنها اليوم بالبراد الكهربائي (الثلاجة). وعلى مقربة منها «صندوق جهاز العروس»، فضلا عن مجموعة كبيرة من «البوابير» (جمع «بابور» الجاز للطهي والغسيل) ومناخل الطحين (جمع «منخل»، الذي يعرف أيضا بـ«الغربال»)، بالإضافة إلى أجران دق القمح والمذياع (جهاز الراديو) القديم.

أما الخل البلدي فقد كان يخزن في برميل الخشب المنتفخ المحاط بالعود. أما المحراث - أو عود الفلاحة - بكل مكوناته، ومنها «السكة»، فلا يكتمل من دون «النير» الذي كان يوضع على رقاب الثيران أو الدواب، و«المساس» هو العصا التي تنتهي من جانب برأس مدبب لوخز الثور وتحفيزه على مواصلة الحركة ومن جانب آخر برأس مفلطح لتنظيف «السكة من الوحل الذي يعلق بها أثناء الحرث أو الفلاحة». ثم هناك بعيدا عن المحراث «الأنتل» - أو «القنتلة» - لتعبئة الماء.

وحول أدوات الطعام تتحدث السيدة الستينية، راوية «كنا نعتمد على خوابي الزيت والزيتون وخضاضة اللبن (الطناجر النحاسية). كان الطعام فيها أشهى وألذ من الذي نعده اليوم بواسطة الطناجر العصرية التي لا يلصق بها الطعام.. لأنها تحافظ على نكهته لمدة أطول».

وفي زاوية أخرى، من الشرفة هناك معروضات متنوعة قد تبدو غريبة لجيل الشباب اليوم، منها المكواة على الفحم وأجراس الأبقار والأغنام والماعز، والميزان القديم بقياساته المتعددة، والسراج الذي شكل ملاذا لأهالي مدينة النبطية (جنوب لبنان) عام 1962، وفيه قال أحد الزوار ذات يوم ممازحا صاحبته «في حال انقطاع الكهرباء سأقصدك لاستعارته!»، لترد عليه «على الرحب والسعة. ربما تعود إلينا أيام زمان.. من يعلم؟!».

وفي جانب آخر من الشرفة، هناك الناي والربابة والمنجيرة من الأدوات الموسيقية، والمنجل والجاروشة من لوازم حصد الحبوب وجرشها - أي سحقها - والسماور لتحضير الشاي، ثم المواسير والسلال المختلفة الأحجام، والمحدلة (أو المدحلة) التي كان يسميها بعض اللبنانيين «الماعوس» لتسوية أسطح البيوت الترابية القديمة وحمايتها من التشقق.

«أم هشام» باشرت مع زوجها جمع هذه المقتنيات التراثية قبل 35 سنة تقريبا، معتمدة مبدأ «من لا قديم له لا جديد له». وهي سعيدة جدا للزيارات التي قام بها ويقوم بها الزوار من اللبنانيين والعرب إلى شرفتها، سواء من الشخصيات السياسية كالوزير السابق والنائب الحالي ياسين جابر، أو طلبة الجامعات ولا سيما من يعمل منهم على إعداد أبحاث عن الحياة القروية القديمة. وأشارت أن بين غير اللبنانيين الذين قصدوا شرفتها أبطال مسلسل «باب الحارة» والممثلة أمل عرفة والممثل الراحل هاني الروماني من سوريا، وكذلك سياح أجانب من فرنسا والجزائر، بالإضافة إلى تلقيها مكالمات هاتفية مهنئة من مغتربين لبنانيين شاهدوها على إحدى محطات التلفزيون.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» قالت «عاشقة التراث اللبناني»، كما تصف نفسها: «منذ طفولتي وأنا أحب كل شيء متعلق بتراثنا الوطني. قبل عام 2000 كنت أحتفظ بمقتنياتي ضمن عشرات الصناديق داخل المنزل، ولكن بعد استقرار الوضع الأمني في الجنوب أخرجتها إلى الملأ».

كيف جمعت «أم هشام» بمساعدة زوجها ما جمعته؟.. تقول إن الفضل عائد بنسبة كبيرة إلى الإهمال الذي تعرضت له هذه المقتنيات لدى أصحابها، نظرا لقدمها وانتفاء الحاجة إليها، ثم هناك عنصرا المثابرة والإرادة الصلبة في التجميع.. ولو من مكبات (مرامي) النفايات في البلدة، مع الإشارة إلى أنها عثرت على بعض مقتنياتها ملقاة في شوارع البلدة الفرعية، وحصلت على مقتنيات أخرى من حدائق الجيران وبعض سكان البلدة. ثم هناك ما حصلت عليه من عشرات الزوار الذين جاءوا إليها وزودوها بها.

وهنا تشدد «أم هشام» على أن كل قطعة حصلت عليها «أخضعت لعملية تنظيف كاملة بالماء والصابون، قبل أن تحتل مكانها المناسب على الشرفة». واللافت أن لأولاد «أم هشام» دورا فاعلا أيضا في هذه الهواية، فمنهم من يجلب قطعا تصادفه أثناء زيارته لأصدقائه، ومنهم من يسعى إلى شراء ما تفتقر إليه شرفة والدته. أما عملية التنظيم والتوزيع، فيعود الفضل في إنجازها إلى هشام ووسام، ابني «أم هشام» المغتربين، اللذين تنتظر عودتهما بفارغ الصبر كل عام للقيام بهذه المهمة، لا سيما في تعليق المقتنيات المتدلية من سقف الشرفة، أو توزيعها على جدرانها بصورة متناسقة.

وفي الختام تؤكد «أم هشام» أن أي قطعة من ثروتها التراثية غير معروضة للبيع أو الإعارة، مشددة على أنها قد تتخلى عن حياتها ولا تتخلى عن أي منها.

متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة
متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة


متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة
متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة


متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة
متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة


متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة
متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة


متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة
متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة


متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة
متزل «أم هشام وهبي» في الدوير: ذاكرة تحاكي صورة جمالية تاريخية رائعة


تعليقات: