نزار دندش: نعيش في المدن إلا أن تفكيرنا قروي وعاداتنا صحراوية

نزار دندش: نعيش في المدن إلا أن تفكيرنا قروي وعاداتنا صحراوية
نزار دندش: نعيش في المدن إلا أن تفكيرنا قروي وعاداتنا صحراوية


نجاح رواية مشتركة مع كاتبة شجعه على تكرارها مع أخرى

نزار دندش كاتب تنطبق على نتاجه صفة الغزارة والتنوّع، فهو لا يفوّت سنة واحدة من دون أن يطالعنا بإصدار أو اثنين في الرواية والشعر والبحث وسواها، كما تستهويه الكتابة الثنائية المشتركة وله فيها تجارب، آخرها إصداره الجديد بين أيدينا تحت عنوان «ربيع المطلقات» كتبه مناصفة مع زميلته نضال الأميوني دكاش. عن جديده كان هذا اللقاء:

لماذا الرواية المشتركة من جديد؟

^ ان نجاح تجربة الرواية المشتركة في المرة الماضية مع الروائية نرمين الخنسا في «يوميات آدم وحواء» شجعني على تكرارها، لكن هذه المرة مع زميلتي نضال الأميوني دكاش في رواية «ربيع المطلّقات» التي أتوقع لها نجاحاً مماثلاً. ولسوف أكرر هذه التجربة أيضا في المستقبل لأنني مقتنع بجدواها.

ألا يحمل عنوان الرواية تناقضاً ما بين الربيع والمطلّقات؟

^ إن واقعنا كله مليء بالتناقضات! فكلمة أرملة وكلمة مطلقة توحيان للوهلة الأولى بسيدة في خريف العمر او شتائه، لكن ليس في ربيعه، مع ان بعضهن يتعرضن للطلاق في سن مبكرة وأحيانا في أوائل العشرينات. وفي السياسة أيضا صار الربيع مرتبطا بنشوة الانتصار بينما المطلقة تعيش في معظم الأحيان رهبة الانكسار.

لو أحصينا عدد المطلقات في بلدنا لوجدناه يتعدى العشرة او العشرين في المئة من نسبة النساء، وهن يعشن حيثيات مختلفة من حيث الحركة ومن حيث نظرة المجتمع الذكوري اليهن، مع ان لكل مطلقة تاريخ معاناة خاصا وسيرة احباط خاصة، فلكل واحدة صنف من الابتزاز والامتهان والعذاب. ولا بدّ للأدب الروائي من الدخول إلى عالم المطلقات الخاص في بلادنا وتتبّع تنوعه. وكلمة ربيع هنا تخص المرأة العربية بشكل عام، حيث لا بد لـ«ربيع الأمة» من ان يطاول جميع مكوناتها، والمرأة هي الأحوج للخروج من فصل الظلام.

هل يعتبر عملكما خروجا على المألوف في الاشارة والتلميح الى بعض رجال الدين؟

^ الرواية لم تتعرض أبدا لرجال الدين، فما جاء على لسان المطلقات اللواتي تعرضن للابتزاز وخضعن «لقانون الرشوة» المزدهر في الكواليس، تناول السماسرة والوسطاء، وأمثال هؤلاء موجودون في الدوائر العقارية وعلى هوامش الوزارات. وليس كل موظف في محكمة روحية قديساً أو إماماً أو حتى رجل دين، فالموظف موظف تعينه السلطات المدنية وتعزله السلطات المدنية.

هناك مآسٍ تحصل فالمرأة لا تحصل على طلاقها الا بعد دفع الرشوة/ الخوة، وهنا ينشط السماسرة بين الزوج والزوجة. ومن غرائب الأمور ان المرأة صارت تُسأل ان كانت قد حصلت على طلاقها ام لا، كأن الطلاق غنيمة يحصل عليها الإنسان أو كأن الارتباط قد تحول إلى قيد.

الريف والمدينة

هل لتعدد البطلات مغزى خاص في الرواية؟

^ ان الهجرة قد وزعت شعبنا، رجالا ونساء، في أصقاع الأرض المختلفة، ونشرتنا في دول تختلف فيها القوانين المدنية. ولأن عمليات الطلاق تخضع لقوانين الدول التي يحصل فيها، كان من المفيد ان نتناول سِيَرَ مطلقات لا سيرة مطلقة واحدة. وكما ترين في الرواية فان لكل مطلقة حالة لا تشبه الأخرى، فالحقوق متفاوتة والمعاملة مختلفة. في هذه الحالة لا يمكن لبطلة واحدة ان تتسع لكل هذا التنوع والاختلاف في الأنظمة والقوانين والانتماءات.

* كُتب الكثير عن البنت التي تترك الضيعة وتسكن في المدينة، فلماذا العودة اليها الآن؟

^ هذا صحيح، لكن النزوح في الماضي كان من أجل العمل وحسب، أما اليوم فهو أيضا في طلب العلم أو لأسباب سياحية. فمع الانتعاش الجديد في بلدنا للسياحة المتعددة الأوجه ومع انتشار الشركات الجوّالة، تطورت اساليب التغرير بالوافدات من القرى، وصار العيش في المدينة امتحانا صعبا لهنّ.

وبنت القرية هي «المادة الأولية» التي يسهل التعامل معها في الرواية وفي الحياة، حتى أن تعاملها وأهلها مع عملية الطلاق له نكهة خاصة يذكرنا أحيانا بالمواقف الساذجة. ومع ان غالبية أفراد مجتمعنا تعيش في المدينة إلا ان تفكيرنا ما زال قرويا، وعاداتنا ما زالت صحراوية...

في الرواية تجد المطلقات خلاصهن في الزواج المدني، فهل هذا هو الحل الأمثل؟

^ المطلقات يشكلن شريحة واسعة تعاني ظلم الحظ معطوفا على ظلم المجتمع الذكوري، ويتعرضن للابتزاز على مختلف المستويات. الغالبية العظمى منهن تتوق الى الاستقرار الاجتماعي لكنها تفتقده وتجد نفسها مكشوفة دون حماية وطمأنينة. والمطلقات في النهاية أمهات ومربيات، ومزاجهن ينعكس على نفسية من يُربون. فهن في حاجة الى قوانين تحميهن. وكما أرى شخصيا فاننا مهما تهربنا ومهما تأخرنا فلا بد لنا في النهاية من قانون مدني للأحوال الشخصية يحمي الشريحة الأضعف، لا سيما أننا نتجه نحو الخضوع لعقليات مافيوية تشكلت في مجتمعنا أو هي في طريق التشكل.

لماذا تتبنى، أنت الرجل، قضية المرأة بهذا القدر من الحماسة؟

^ لقد اعتدت منذ طفولتي، أو منذ يساريتي الابتدائية، الوقوف إلى جانب المظلوم والمستغَلّ والمضطهد والمحروم... ولأن المرأة في مجتمعاتنا الذكورية تعاني ظلما اجتماعيا فإنني أتضامن معها تلقائيا. والمراهنة على تحرر المرأة انتصار للوطن.

أجرت الحوار: عناية جابر

تعليقات: