WhatsApp
.. لم أكن أتوقّع أن يأتي على النّاس زمان يلتزمون فيه الصّمت, ويفضّلونه على كنوز الكلام تفضيلا!, ويكأنهم قد آمنوا أخيراً أنّ السّلامة في حفظ اللسان, وأنّه من التزم السكوت وأقلّ الكلام اتّصف بالحكمة ..
لقد أتى هذا الزمان حقّا, ولكن على ظهر آلة !.. ويالها من آلة غريبة تتشبّث بها الأيدي, وتتسمّر عليها العيون, ويستغرق معها القوم في سبات, فلا يدلّك على حياتهم إلا تقاسيم وجوههم التي تتغيّر وتتبدّل مع تراقص الأنامل على الأزرار الصغيرة, ولولا ذلك لكنت تحسبهم من الأموات, فهم تارةً يبسمون, وأخرى يعبسون, وحيناً يُدهَشون, وحيناً يغضبون, وحيناً يسكنون, وحيناً يثورون, وحيناً يهدأون, والله أعلم بما يضمرون!!..
الحمد لله, أظنّ أننا وبفضل التكنولوجيا الحديثة أصبحنا نساير الأمم في تطوّرها وتطلّعها نحو الرقيّ, ولطالما قد دخلت تقنيات التواصل الحديثة إلى مجتمعنا فإنّ هذا بشير خير وفأل حسن بابتعادنا عن الثرثرة العقيمة, وتخلّصنا من أوقات الفراغ الطويلة القاتلة ..
الحمد لله, لقد أصبحنا ( واتس آبيون) ودخل الwhatsapp بقوة إلى حياتنا اليوميّة, وبتنا مدمني المحادثة عبر الأجهزة الخلويّة بتقنية whatsapp العالية, ويا سعد من نظر إلى الشّباب في البيوت والشّوارع, في المدارس والجامعات, في المطاعم والمتاجر, في المراحيض والأسرّة, في كلّ مكان, وفي كلّ زمان, منكبّين على هواتفهم, يتحادثون ويتبادلون ما حوت هواتفهم من كلّ غثّ وسمين .
أنقل إليكم يا أحبّتي بعضاً من صور عالم الإدمان على ال whatsapp وعدواه الخطيرة, والتي سرقت النّاس من أنفسهم قبل أن تسرقهم من بعضهم البعض, وحالت بينهم وبين أهليهم وجلسائهم, وحوّلتهم إلى هياكل جامدة تتقارب في المكان, وتتباعد في الوصال لمسافات بعيدة.
واحدة من تلك الصور الكثيرة مشهد لرفاق لي يجلسون حول طاولة مستديرة ولكلّ منهم (واتس آبه) الخاص به, وعالمه الآخر الذي ينتمي إليه . صورة أخرى لزوجين ساهرين, وكلاهما يحمل هاتفاً ويثرثر عبر الwhatsapp مع محادث مفترض في بقعة من بقاع الأرض, وأظنّ هذا المحادث البعيد أقرب لكليهما من شريك الحياة, ورفيق العمر, وقسيم الأنفاس!, و يا حبذا لو تحادثا سويّا ولو عبر whatsapp مشترك فلربما استحال البرود دفئا, والجفاء تقارباً ولو بسحر الكترونيّ قدير ..
يا أحبائي: أنا لست ضد الwatsapp ولا أحكم على أهله بالكفر والضلال, وكيف ذلك ؟ ولا أخفي عليكم أنني عندما كنت أكتب هذه الكلمات استوقفتني محادثة (واتس آبية) مع صديقة قديرة, فلم أخفِ ابتسامة نفرت من شفتيّ على واقع بات يحكمنا وأدمناه, وأصبحنا أسرى له دون اعتراض!
بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو
تعليقات: