هل نجحت إيران في جرّ أمريكا إلى ملعبها؟
شكلت محادثات اسطنبول بين طهران ومجموعة 5+1 حول الملف النووي الإيراني الشهر الماضي بداية طيبة لرؤية مشتركة بين ايران والدول الكبرى، لانها الأولى بين الجانبين منذ 15 شهرا وكذلك للاستعداد من جانب طهران لبدء مناقشة قضايا جوهرية. ومن الملاحظ حصول تغير كبير بالنهج الإيراني الذي كان يرفض حتى الحديث عن البرنامج النووي.
لكن القبول بالحديث لا يعني قبولا ايرانيا بمناقشة وضع قيود على البرنامج لتخصيب اليورانيوم والذي يزعم الغرب أنه برنامج لإنتاج الأسلحة النووية. وتقول معلومات ان ايران تملك ثلاثة آلاف كلغ يورانيوم ضعيف التخصيب بنسبة 5.3% لكن قدراتها المتزايدة على التخصيب بنسبة 20%، لا سيما بمصنع فوردو تحت الأرض وسط ايران هي التي تجعل الدول الكبرى قلقة. لكن القلق الغربي في غير محله مطلقا لأن إيران تشدد على سلمية برنامجها وتستند الى حرمة شرعية دينية في انتاج اسلحة الدمار الشامل فمرشد الثورة الاسلامية علي خامنئي افتى بحرمة انتاج السلاح النووي والايرانيون اساسا ليسوا من انصار هذا السلاح، ويؤكدون دائما وابدا ان اليورانيوم المخصب بنسبة 20% مخصص لمفاعل الأبحاث بطهران والذي ينتج النظائر المخصصة للاستعمال الطبي.
ولكن على الرغم من النوايا الايرانية الحسنة الا ان الغرب يصر على شيطنة البرنامج الايراني ذاهبا الى فرض حصار دولي على طهران عبر العقوبات الدولية والأوروبية إلا أن العقوبات لم تأت اكلها كما يريد الغرب ونجحت ايران بالتكيف مع الحصار الى حد كبير مستندة الى صمود الجبهة الداخلية وسياسة تموضع على كل الصعد.
والصمود الايراني في وجه العاصفة الغربية الهوجاء دفع الدول الكبرى الى الاعتراف بأحقية ايران ببرنامج نووي سلمي واللجوء احيانا الى سياسة الحوار من تحت الطاولة. وما رسالة اوباما الى مرشد الثورة الاسلامية بتبني الحوار مع ايران والتي كشف النقاب مؤخرا عنها الا دليل على سياسة حمالة الاوجه في التعاطي مع الملف الايراني. فقد أصبح تبني أوباما للحوار مع إيران ليس حراما ولا الحديث مع دولة تشكل ركنا اساسيا من «محور الشر» السابق خطيئة وانما استراتيجية عقلانية لصياغة برنامج من اجل المجيء بايران إلى طاولة المفاوضات. فلم تنجح واشنطن في وقف البرنامج النووي الايراني. وكما يقول صحفيون امريكيون لا يزال المسؤولون الأمريكيون يقولون إن المفاوضات تبقى الطريق المفضل للسير قدماً. ويقول هؤلاء لقد أصبحت السياسة الأمريكية حول إيران منفصلة، أكثر فأكثر، عن هدفها الظاهري الواضح، المفاوضات، وهذا الانجراف السياسي يحمل في طياته خطر سوء الحسابات، إضافة إلى وجود دوامة تصاعدية قد يكون لها نتائج وعواقب كارثية على الأمن الأمريكي والاقتصاد العالمي. وتبقى الحقيقة البسيطة والواضحة التي من غير المستحب الاعتراف بها سياسياً في سنة انتخابية أن إيران تهديد عميق تتحيّر حتى قوة كبرى وحيدة في العالم بإيجاد العلاج اليسير لها. واذا كانت السياسة الامريكية تجاه ايران تقوم على حيلة الا انها تختزن فشلا في احتواء الجمهورية الاسلامية ففي ابريل 2009، حذرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من أن طهران قد تواجه «عقوبات معوّقة»، وفي مايو 2009، أشار الرئيس اوباما إلى أن واشنطن خططت لإجراء تقويم مع نهاية العام على أساس أن ذلك «هام بالنسبة لنا، باعتقادي، من دون وضع حد نهائي مصطنع، لنكون مدركين لواقع أنه لن يكون لدينا هناك محادثات في أي وقت». وبنظر الامريكيين فإن مواقف اوباما تدل على تراجع من قبله امام ايران فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست الامريكية في يناير 2012 استطلاعا ألقى الضوء على ضعف الرئيس بخصوص قضية إيران. إذ رفض نصف المستطلعة آراؤهم تقريباً استراتيجية الإدارة، وهي نسبة أقل، بشكل لا بأس به، من نسبة الدعم الشعبي العميق للرئيس حول الإرهاب وقضايا أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية. والتراجع الامريكي امام الموقف الايراني رسالة لمن يتقدمون نحو العمل العسكري ضد ايران ولكن بتهيب لأن الارتدادات السلبية لضربة عسكرية ستكون دراماتيكية ومستدامة. إذ يُتوقع من إيران القيام برد فعل انتقامي ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وذلك بشكل مباشر. وتقول صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية لقد بدأت القيادة الإسرائيلية بتأطير وضعها تجاه إيران وفق مقترح أما الآن أو أبداً، مع اقتراح وزير الدفاع إيهود باراك مؤخراً الذي يقول إنه إذا لم تؤدّ العقوبات إلى إنهاء أنشطة إيران النووية في غضون بضعة أشهر، فإن إسرائيل ستشن ضربة عسكرية. وتضيف ما هو واضح هو أن العالم بحاجة إلى توجه جديد بشأن إيران. فلا المقاربة الحالية لإدارة أوباما ولا جواب الجمهوريين يقدمان طريقاً مقنعاً للسير قدماً فيه فإذا ما فشلت دبلوماسية أوباما، فإن تغيير النظام حلم منشود، والعمل العسكري في أفضل الأحوال إجراء مؤقت يعرِّض الأمن الإقليمي والاقتصاد العالمي للخطر. وعلى ما يبدو ان ايران تنتهج سياسة ذكية تجر الامريكيين الى ملعبها وتنزع الذرائع الغربية عبر اعتمادها سياسة الخطوة خطوة والنفس الطويل مع الحرص على مناقشة ايجابية لبرنامجها النووي.
تعليقات: