لبنان خامس دولة شرق أوسطية في إنتاج المياه (فادي أبوغليوم)
الحلول البديلة: تركيب عدادات بدل العيارات ومدّ شبكات جديدة.. والسدود مثار جدل
لبنــان يستنــزف ميـاهــه هــدراً وسـرقـة
تقف النساء عند بوابات المباني التي يقطنّها، في مشهد أصبح عادياً لانتشاره في جميع المناطق، ما عدا مناطق الأثرياء. تنتظر أولئك النسوة بائعي مياه الاستخدام، فلا يسألنهم من أين يأتون بمياههم، تريد النساء فقط تأمين مياه الغسيل والطبخ والتنظيف والاستحمام لأسرهنّ، فلا يعود مهمّاً ما تحويه من جراثيم وميكروبات.
تزداد المشكـــلة مع مجيء كل صيف، وتزداد معــها مشكلات الجيران، وسكان الأحياء والمناطق، وصولاً إلى مخاصمة بعضهم بعضاً، وأحياناً إطلاق النار بعضهم على بعض.
لو جرى البحث عن عدد المتنزهات على مجاري الينابيع والأنهار، فلا يمكن إحصاؤها، معظمها طبعاً مخـــالف، لأن كل شخص يملك إمكان إقـــامة متنزه لا يقــصر في ذلك، سواء أكان يملك قطعة أرض عند النبع أو النهر، أم لا يملكها.
في آذار الماضي، أقر مجلس الوزراء الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه التي وضعتها وزارة الطاقة والمياه، بالتعاون مع الوزارات والمجالس المعنية بقطاع المياه، وأعدّها مستشار وزير الطاقة لشؤون المياه عبد الطيار مع فريق عمل. ومع كل الجدل الذي يثيره موضوع السدود بيئياً، يفترض أن تكون بنود عدة في الاستراتيجيّة قابلة للتنفيذ، خاصة مع وجود جهات مانحة، فما هي تقديرات إنتاج لبنان من المياه، والحلول المقترحة لها؟
لقد نسفت الاستراتيجيّة كل الشائعات عن غنى لبنان بالمياه. وتبين فيها أن حصة الفرد من المياه المائية المتجددة حالياً 926 متراً مكعباً في السنة، وبالتالي هي أدنى من المستوى المتوسط المعترف به عالمياً، ويبلغ ألف متر مكعب سنوياً. وبذلك يأتي لبنان في الدرجة الرابعة بين الدول المجاورة، بعد تركيا والعراق وإيران وسوريا، وبعده تأتي دول المغرب العـــربي والخليج. وستكون تلك الحصة في تناقص متفاقم في السنوات المقبلة.
استنزاف الآبار الجوفية
تبلغ كميات المياه المنتجة سنوياً من المياه السطحية والآبار العامة والخاصة والسدود، ملياراً و589 مليون متر مكعب. بينما يتوقع أن يكون الطلب المعتدل على المياه في حلول العام 2035 ، ملياراً و802 متر مكعب. يتم حالياً استثمار قسم كبير من مصادر المياه السطحية، أي الينابيع، بينما التخزين السطحي قليل، أما المياه الجوفية فيتم استنزافها من خلال الآبار، ولا سيما الآبار الخاصة، إذ يبلغ حجم كميات المياه المستخرجة منها سنويًا 438 مليون متر مكعب، بينما تشير التقديرات إلى أن أعداد الآبار الخاصة والأحجام المستخرجة منها أكبر من الأرقام المبينة بكثير، ذلك لأن أصحاب المباني يحفرون آباراً من دون إبلاغ مؤسسات المياه ولا وزارة الطاقة بها. وتتوزع مياه الآبار المعروفة على المحافظات كالآتي: بيروت وجبل لبنان 119 مليون متر مكعب، الشمال 109 ملايين متر مكعب، الجنوب 70 مليون متر مكعب، البقاع 140 مليون متر مكعب. أما الآبار الجوفية العامة فيبلغ حجم المياه المستخرجة منها سنوياً 267 مليون متر مكعب، تتوزع على المحافظات كما يلي: في بيروت 89 مليون متر، في الشمال 45 مليون متر مكعب، في الجنوب 71 مليون متر مكعب، في البقاع 53 متراً مكعباً. وهذه الآبار هي فقط التي تعرف بها مؤسسات المياه الرسمية، وتسحب منها المياه لتغذية المنازل والمناطق الزراعية.
مياه تذهب هدراً
يذهب الهدر في المياه، عبر شبكات التمديد والمجاري الترابية التي تروي الأراضي الزراعية. إذ ينعم لبنان بشبكات مياه تغطي أكثر من تسعة وسبعين في المئة من المنازل، تتوزع على المحافظات كالآتي: بيروت وجبل لبنان بنسبة خمسة وثمانين في المئة، الشمال بنسبة ثمانية وستين في المئة، الجنوب بنسبة سبعة وثمانين في المئة، البقاع بنسبة اثنين وستين في المئة. ولكن أكثر من نصف الشبكات يزيد عمرها عن الخمسة وعشرين عاماً، ونصفها مهترئ، ويلزمه استبدال. وتكون النتيجة أن نسبة المياه غير المحتسبة تفوق الثمانية والأربعين في المئة في جميع المناطق، وهي مياه الشبكات المهترئة والمسروقة لأن عدداً كبيراً من المواطنين لا يدفع بدل اشتراكات المياه.
ويعتبر القطاع الزراعي هو المستهلك الأكبر للمياه، إذ يستهلك وحده أكثر من ستين في المئة من المياه المتوافرة، وتبلغ حاجات مياه الري سنوياً 810 ملايين متر مكعب، بينما تبلغ مساحة الأراضي المروية 66000 مليون متر مكعب. لكن غالبية شبكات الري ترابية وخرسانية، وبالتالي تتسرّب كميات كبرى من المياه إلى جوف الأرض، قبل وصولها إلى الأراضي الزراعية.
الصرف الصحي إلى البحر والأنهر
هناك تغطية عالية لشبكات الصرف الصحي، إذ تبلغ نسبة التمديدات الصحية ستين في المئة، فتتعدى بذلك متوسط الشبكات التي تمد في دول المنطقة. لكن المشكلة هي في نسبة المعالجة المتدنية، وتبلغ ثمانية في المئة فقط، إذ ان ترتيب لبنان هو قبل آخر دولتين عربيتين في نسبة المياه المعالجة، وهما المغرب والجزائر، بينما تعتبر الإمارات الدولة العربية الأولى في معالجة مياه الصرف الصحي، وتبلغ فيها نسبة المعالجة ثلاثة وستين في المئة.
وبسبب عدم ملاءمة طرق جمع الصرف الصحي وإدارته، يتم تصريفه إلى البيئة الطبيعية، فينتج من ذلك تلوث بكتيريولوجي لمصادر المياه الطبيعية بنسبة سبعين في المئة، وهي نسبة عالية جداً. الإفراط في استثمار مصادر المياه الناتج من حفر الآبار والضخ، خصوصاً في المناطق الساحلية والبقاع. استعمال الأسمدة والمبيدات الزراعية بشكل عشوائي وغير منظم. تصريف المياه المبتذلة الناتجة من النشاطات الصناعية إلى البيئة الطبيعية في الساحل وجبل لبنان وسهل البقاع وحوض الليطاني ومكبات النفايات العشوائية.
ويختلف مستوى التلوث البكتيريولوجي بين منطقة وأخرى، فيراوح بين صفر في المئة في بعض المناطق الريفية، وبين تسعين في المئة في المناطق المدنية، حيث الكثافة السكانية العالية. ويختلف مستوى التلوث الكيميائي بين المناطق، عند المناطق البحرية حيث تتداخل مياه البحـــر مع المياه الجــوفية تكون نسب الملوحة عالية، وفي سهل البقاع تزيد نسبة النيترات، وفي الجنوب والشـــمال توجد الرواسب الناتجة من مخلـــفات معاصر الزيتون. وتوجد ملوثات النفايات الصناعية، وتسرب الزيوت من محطات الوقود.
تتولى جهات عدة مسؤوليات التخطيط الإستثماري للمياه، وتنفيذ المشاريع الخاصة بها وهي: مؤسسات المياه في البقاع والجنوب والشمال، بالإضافة إلى مصلحة مياه الليطاني، مع غياب التنسيق بينها.
في المقابل، لا يزال تطبيق قانون تنظيم قطاع المياه وتعديلاته غير مكتمل، مع وجود تباين في المسؤوليات وتنفيذ المشاريع الخاصة بها. كما لم يتم وضع قانون لتنظيم عمل وزارة الطاقة والمياه بعد. ولا تقوم الوزارة حاليا بدورها مثل وضع السياسات والتنظيم، وإنما تهتم جزئيا بتنفيذ المشاريع الإستثمارية والتشغيل والصيانة، بينما تعاني مؤسسات المياه من نقص في السيولة والقدرات الفنية، وتركز نشاطها على خدمة مياه الشفة، من دون الاهتمام الفعلي بالصرف الصحي والري كما نص قانون تنظيم قطاع المياه. وتحتاج مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان وهي أكبر مؤسسات المياه إلى 1120 موظفاً، بينما فيها حالياً 621 موظفاً.
الحلول المقترحة لترشيد استخدام المياه هي: إلغاء عيارات المياه، وتركيب عدادات، يتم من خلالها اعتماد تعرفة مبنية على الاستهلاك الفعلي للمياه، بدل التعرفة السنوية المقطوعة. أي احتساب عدد أمتار المياه التي يستهلكها المواطن فعلاً. على أن تشمل تلك الطريقة، المنازل والمؤسسات ومناطق الري الزراعية. ومن ضمن التعرفة، تحتسب نسبة مئوية لمعالجة الصرف الصحي.
استبدال الشبكات القديمة المهترئة تدريجاً بشبكات جديدة، لتخفيف الهدر من 48 في المئة إلى 20 في المئة. وتحصل حالياً عمليات استبدال، ولكن ببطء، في كسروان والشوف وعاليه، بينما تحتاج بيروت إلى شبكات مياه بطريقة سريعة.
التغذية الاصطناعية للمياه الجوفية، وتعتمد على الضخ من السطح إلى باطن الأرض، من أجل التخفيف من ضرر ضخ المياه بالعكس عبر الآبار الارتوازية. وتقوم تلك الطريقة، كما يوضح الطيار، على ضخ مياه المجاري التي تتكون في الشتاء، وتذهب إلى البحر أو الأنهر. ولكن خبراء البيئة يرفضون طريقة ضخ المجاري إلى باطن الأرض، لأن الطبيعة متكاملة، وما يذهب إلى البحر أو النهر تحتاج إليه الأرض، من أجل تخفيف نسب الملوحة في البحر، والحفاظ على البيئة النهرية.
إعادة استخدام المياه المبتذلة في عمليات الري بعد معالجتها، واعتماد قانون «de l eau «code الذي يمنح الدولة الحقوق على المياه العمومية من ينابيع وأنهار.
زينب ياغي
تعليقات: